شكاير الملايير وسط أحياء الفقر والقصدير

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Tableau Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Times New Roman”;
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}
أمام ”فيلات” شاهقة، بعضها مكتمل البناء والآخر توقفت أعمال التشييد بها في منتصفها، وفي أسفلها توجد بوابات حديدية عملاقة ”ريداوات”، تكفي ليس فقط لإدخال شاحنات، وإنما أيضا طائرة صغيرة!، تصطف شاحنات تحمل لوحات ترقيم من مختلف الولايات، وادي سوف، برج بوعريريج، تلمسان، وهران، الشلف، المسيلة، وحتى من مناطق أقصى الجنوب، وذلك وسط فوضى منظّمة، يميّزها ”ديكور” أشخاص مقسمين بين ”الحمّالين” والزبائن، وأصحاب المحلات بالطبع، تُعقد صفقات بالملايير، الحديث فيها عن الفقر والحاجة ممنوع، مثلما يحظر فيها الحديث عن مجالات أخرى غير التجارة و”التبزنيس.
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Tableau Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Times New Roman”;
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}
وأمام سلع تُشحن على متن شاحنات من مختلف الأصناف والأحجام، وأخرى يجري تفريغها في عمل دؤوب لا يعترف لا بالوقت ولا بالظروف، مهما كان الطقس أو الأوضاع السائدة، راودتنا فكرة ”روبورتاج” حول ”مملكة المال والأعمال” في أسواق الجملة في أحياء بشرق العاصمة ووسطها، وتحديدا في السمار، الحميز والمنظر الجميل بالقبة.
ولعل ما كان سببا في طرح الفكرة في ذهننا، هو تلك المفارقة العجيبة، أين يتعايش الفقر المنتشر في تلك الأحياء المصحوب بمختلف مظاهر الجريمة الناتجة عن الفقر والحاجة، مع الغنى الفاحش الذي يجعل صاحبه يردّد عبارات تلخص الملايير، مثلما تلوك الأفواه اللبان ”الشوينغوم” ويتلاعب اللسان بـ”العلك” صانعا منها بالونات ومحدثا فرقعات.
تلك الأحياء الثلاثة التي اكتسبت شهرة واسعة في مختلف ولايات الوطن، على أنها معقل تجارة الجملة في مختلف المواد الإستهلاكية والصناعات، ظهرت لأول مرة إلى الوجود على الخارطة العمرانية للبهجة، في بداية التسعينات، عندما كان ”الأميار” من حزب ”الفيس” المحل، يوزعون على أنصار الحزب المحظور قرارات الإستفادة من قطع الأراضي المحوّلة للبناء، مثلما يوزع ساعي البريد حفنات الرسائل الموجودة في جعبته.. في ذلك الوقت، ظهرت عبارة سابقة لأوانها ردّدها كثيرون تقول:”عليها نحيا وعليها نموت.. من فوق فيلا ومن تحت حانوت!”، وكانت تلك الجملة تعبّر بحق عن تنبئ واستشراف لجزائر ما بعد 20 سنة.
في المنظر الجميل بالقبة، أين شاعت المنطقة بكونها أهم مراكز التجارة بالجملة بالمواد الغذائية بشكل أساسي، تتراص الشاحنات المكشوفة والمغطاة، محدثة طابورا طويلا من السيارات والمركبات، لا يكفي لتنظيمها شرطي واحد بمفرده، ووسط جو ليس مفعما فقط بالحماس، وإنما أيضا بـ”الدراهم”، تغلب عبارات ”شحال نعطيك؟”.. ”زيد نقّص”.. ”أرواح تسارجي من هنا”، فيما تتناهى من داخل المحلات سلع بالملايير، بعضها موضوع خارجها…”واش كاشما خصك خونا رانا هنا؟”، يخاطبنا صاحب محل لمح تواجدنا مطولا أمام محله، قبل أن يشرع في تقليب ”كراتين” سلعه من مكان إلى آخر لما انتابه أحساس بأننا لسنا من الزبائن الذين يرغبون في الإطلاع على بعض ما تكتنزه ”شكايرهم”.
في محل مقابل، كانت شاحنة ”فورڤو” على متنها شاب في مقتبل العمر يعتمر قبعة رياضية ”كاسكيت”، مطلقا صوت أغنية ”رايوية” من جهاز ”الراديو”، يتحدث مع من بدّت عشيقته، ومن حين إلى آخر يسأل رجلا آخر كان بجانبه عن موعد وصول بضاعته، حينها أدركنا أن ما ينتظره الشاب هو وصول بضاعة من مخزن آخر، غير متوفرة في الحين بالمحل، فأدركنا أيضا حجم امتداد ”امبراطورية المال” هناك.
وفي محل آخر في آخر الطريق المؤدي إلى وسط القبة، كان شخصا ملتحٍ، يضع بين رجليه دلوا وضوءً صغيرا، معلنا قطع تجارته الدنيوية، ليحل محله شخص بدا أنه شقيقه، من خلال التشابه الكبير بينهما. ورغم سن هذا الأخير، إلا أنه أبدى ”شطارة” ملحوظة في التعامل مع الزبائن أو حتى مع عمال محله، لا يمكن التعبير عنها إلا بالمقولة الشعبية ”واقف على رزقو”.. راح الشاب يخاطب آخر، كان على متن شاحنة أفرغت ما في جعبتها، قبل أن يمد هذا الأخير يده إلى تحت مقعده، مناولا الشاب ”بريكة دراهم”، قبل أن يتبين أن ما بدا لنا بأنه تناقض في العملية التجارية، لم يكن كذلك، حيث أن صاحب الشاحنة لم يكن ممون الشاب بالسلعة، بل كان زبونا لديه، وأنه قام بتسويق إحدى سلعه في موقع آخر غير المحل.
تشابه المشهد من محل إلى آخر، رغم تغيير الوجوه ولغة الخطاب، لكنه كان في كل مرة دالا على حجم المبادلات التجارية الجارية في تلك المحلات، أين تعقد الصفقات بالملايير، عدا ونقدا، ولا وجود لشيء اسمه الصك أو ”الشيك”.
”الهدرة دراهم خويا”، خاطبنا أحد من سألناه عن كيفية التعامل في المبادلات التجارية في المنظر الجميل، قبل أن يضيف بالقول أن هناك استثناءات عندما يتعلق الأمر بزبون وفي ودائم التردد، أين تكون ”الكلمة” هي الأساس بحكم العشرة والتجربة.
انتقلنا إلى حي السمار، أين بدا أن الوضع شبه مختلف نوعا ما بحكم اتساع رقعة المحلات وكثر عددها بالمقارنة مع محطتنا السابقة، لكن برغم ذلك، إلا أن الحركة داخل المحلات وخارجها أظهرت أن حجم السيولة المتداولة هناك أكثر بالمقارنة مع ما شهدناه في القبة.
”هاهم جاو البليدية..” يصرخ شاب، قبل أن يسارع برفقة أقرانه جريا نحو محل، توقفت أمام بوابته الشاحنة، ليتبين أن من كانوا يركضون هم ”الحمالة”، سعيا إلى الظفر بفرصة اليوم وكسب قوت العيش. ثم يشرعون في شحن علب، تبين أنها تحوي علب بسكويت و”غوفريت”، وعلى الجهة المقابلة، كانت شاحنة ذات مقطورة تبحث عن مساحة للتوقف بها، لتفريغ سلعة جلبت في حاوية ”كونتونور”.
تقدمنا من شخص كان بصدد مساعدة سائق الشاحنة المقطورة للبحث عن مكان للركن، فسألناه:”واش فيها سلعة؟”، ليرد علينا بكلمة صاحبتها نظرة استعلاء وازدراء ”مبيوعة”.
بالقرب من مجموعة محلات اصطفت وحملت نفس اللون كأنها لمالك واحد، سألنا شابا كان يحمل كوب قهوة في يده، باحثا بعينيه الجاحظتين عن شاحنة أو ”كراتين” لعله يحملها، عن عمله وطبيعة الأجواء بالمنطقة، فرد علينا ”واش انتوما كونترول؟”، لنجيبه بالنفي، فما كان منه سوى أن رسم ابتسامة على وجهه، قبل أن يقول ”بالطبع أنتم لستم من مصالح المراقبة.. فإذا قدم أحدهم إلى هنا كان الجميع على علم به قبل وصوله إلى أول محل”.
يقول عمر، بعد أن عرفنا على نفسه، أنه يمتهن الحمّالة منذ ٣ سنوات، في انتظار فرصة عمل أفضل، مضيفا بعدما سألناه عن التناقضات الموجودة في المنطقة، أين يلتقي الغنى بالفقر ويمارس رجال الأعمال تجارة بالملايير في أحياء اقترنت أسماؤها بالقصدير والمنازل الفوضوية، بالقول ”هاذي هي الجزائر”.
غير بعيد عن عمر، التقينا بشاب آخر من فئة الحمّالين، كان وجهه متجهما يردد بصوت خافت كلمات وعبارات شتم، فحاولنا البحث عن سبب غضبه، قبل أن نلمح كهلا دلت ملامحه على اقترابه من سن الشيخوخة يصيح.. ”ما نستحق حتى واحد.. أنا نهبط سلعتي”، ليتضح لنا بعد السؤال أن سبب غضب صديق عمر، هو أن بارونا معروفا في المنطقة منع الحمّالين من شحن سلعته لتوفير المال، حيث يقوم هو برفقة أبنائه بشحنها.
وفي وسط تلك الهالة والفوضى المعبّرة بحق عن الجزائر في زمن اقتصاد السوق وأباطرة المال، لم يكن الحمّالون وحدهم فقط من بدّت عليهم التعاسة..
في ثالث محطة، توجهنا إلى الحميز، أين تعرف بكونها ”بورصة الجزائر” في السلع الإلكترومنزلية، وجدنا أجواءً مشابهة عدا التواجد المكثف لتجّار من ولايتي سطيف وبرج بوعريريج حتى يكاد يخيّل للمرء أن الحميز بقعة من هناك!.
ووسط ركام من ”كراتين” السلع، كان ابراهيم يحدث زبونا عن كاميرا اعتبرها بمثابة ”أحدث ما يحدث” ”طلقة” في تكنولوجيا الإتصال، مشيرا إلى سعرها باستعمال مصطلح ”حبة” أي مليون سنتيم. بعد ذلك تناول ابراهيم علبة أخرى لكنها أصغر من حيث الحجم محاولا إبراز فنياته في التسويق على الطريقة الجزائرية، بشكل يحرج الزبون ويدفعه دفعا إلى مغادرة المحل أو شراء السلعة مباشرة.