يمكنكم الصبر على محن الدنيا لكنكم لن تصبروا على عذاب الآخرة
حذّر الشيخ عبد القادر لشهب، عضو لجنة الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية، من استفحال ظاهرة الانتحار ورواجها في المجتمع الجزائري، بعدما أصبحت حديث العام والخاص، وطريق كل ذي محنة يريد الخلاص منها، مرجعا ذلك إلى قلة الوعي والفهم بالثقافة الدينية، التي وحدها الكفيلة بتذليل الصعاب أمام كل معسر، وتجعله يفكّر في الصبر لاجتياز مثل هذه المصائب قبل كل شيء. وقال عبد القادر لشهب، في اتصال بـ”النهار” أمس، إن ظاهرة الانتحار تحوّلت إلى ”موضة” العصر التي يستغلها كل شخص لحل مشاكله، خاصة أمام الأزمات الاجتماعية التي يعرفها البلد من احتجاجات وإضرابات، سواء ما تعلق منها بضائقة السكن، البطالة أو أمور أخرى، تجعل هذه العائلات تفكّر في الانتحار للهروب من الواقع، من دون التفكير في الحل الأنسب، وهو الصبر والعودة إلى الله، ذلك أنه الله تعالى يقول: ”ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”. وانتقد الشيخ، حادثة محاولة الانتحار التي نفّذها إمام مسجد ”المقاسم” بتلمسان، معتبرا إياها جريمة كبيرة في حق نفسه وفي حق المواطنين، الذين يجعلون من هذا الإمام قدوة لهم، قائلا: ”إن هذا الإمام يمثل نفسه في هذه الحالة ولا يمثل الأئمة”، ذلك أن من يقدم على مثل ذلك قد ارتكب جرما كبيرا، مشيرا إلى أنه قد يكون دفعت به الحاجة إلى الاقتداء ببعض الأشخاص الذين ربما ساعدتهم مثلا هذه المحاولات على قضاء حوائجهم ولفت انتباه السلطات. وأضاف الشيخ، أن دور الأئمة في هذه الحالة ينبغي أن يكون إرشاديا وتوعويا، من أجل إعادة الناس إلى جادة الصواب، ذلك أن فكرة الانتحار هروبا من معاناة الدنيا، خطأ فادح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ”كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ (توقف) الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة” رواه البخاري.
ودعا عضو لجنة الإفتاء بالوزارة، الشباب والفتيات وكل من تراوده مثل هذه الأفكار، إلى العودة والعناية إلى الله عز وجل، ثم التفكير فيما بعد الانتحار، لأن المسلم يعي جيدا أنه هناك حياة أخرى بعد الموت، ولن يهنأ أبدا إن كانت نهايته على هذه الحال، وبما أنه هناك إمكانية للصبر على مصائب الدنيا، فإنه لا أحد يمكنه الصبر على عذاب الآخرة.
الشيخ فركوس يحرم الإنتحار والإقدام عليه:
على المؤمن بالصّبر والاستغفار والتقوى.. فلا يعذب بالنار إلا رب النار
يؤكد الشيخ فركوس أن الإنتحار حرام بدليل القرآن والسنة، حيث أن الإقدام عليه كما يجري حاليا في البلدان العربية يعبر عن قوالب انحطاط ابتدعتها الحضارة والمدنيّة المعاصرة من الانتحار بإزهاق النّفس وتدمير الأجسام الحيّة بالإحراق كحلٍّ قاتلٍ وتعبيرٍ يائسٍ عن سخطهم على الأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة، ”الأمر الذي سلكه بعض أبناء جلدتنا في تقليدهم لهم بسبب ما آلت إليه ظروفهم المعيشيّة الصّعبة، وانعكست سلبا على نفسيّاتهم المتدهورة، وما أعقب الحادث من تخريب وتدمير ونهب وفساد” .
وحسب إدارة موقع فتاوى الشيخ فركوس فإن التّبعيّة العمياء للمدنيّة المعاصرة في هدم الأبدان وسفك الدّماء وإزهاق الأرواح واتّخاذ وسيلة الانتحار أسلوب إنكارٍ تنافي تعاليم ديننا الحنيف في عقيدته وأحكامه وأخلاقه، ولا مطمع في غايةٍ حسنةٍ وسيلتها محرّمةٌ، والمقاصد مهما عَظُمَ حسنها لا تزكّي الوسائل المحرّمة بحالٍ، إذ تقرّر في القواعد أنّ »الغَايَة لاَ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ«.
وجاء في كلمة استنكار حول حوادث الإنتحار في الأمة العربية، ”أنّ تطبيع شباب أمّتنا المسلمة بهذه الأخلاقيّات المستوردة البشعة لَتتفطّر لها القلوب حسرةً، وتتصدّع لها النّفوس ألمًا، وبغضّ النّظر عمّن يقف وراء هذه الأحداث ويغذّي الشّعوب الإسلاميّة بمثل هذه الأساليب المنكرة، فإنّ إدارة الموقع تذكّر الجميع أنّ واجب المسلم إن أُصيب بأمرٍ من غير فعله فعليه بالصّبر عليه، ولا يجزع منه ولا يقنط من رحمة الله تعالى، فينظر إلى القَدَرِ ولا يتحسّر على الماضي.
وتقول إدارة موقع الإفتاء نه على المؤمن بالتّقوى والصّبر والاستغفار، فإنّها مفاتيح الخير والبركة، حيث قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ آل عمران: 186 ، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ الطلاق: 2-3 ، وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف: 90، وقال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ غافر: 55،
كما ذكر أهل العلم فإنّ واجب المسلم النّظر إلى القَدَرِ عند المصائب والاستغفار عند المعايب. والعبد مأمورٌ بفعل الأسباب وترك العجز مع الاستعانة بالله والتّحلّي بالصّبر، فالأخذ بالأسباب سيرٌ مع الشرع، وترك الأسباب مُنافٍ للأمر الشّرعيّ والحكمة ونقصٌ في العقل، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: »احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ« .كما نذكّر بأنّ المسلم وإن وجب عليه طاعة ولاة الأمر في المعروف، فإنّ الواجب على ولاة الأمر من جهةٍ أخرى أن يَسُوسُوا الأمّة بالحقّ المنزّل، ويُنعشوها بالإسلام، ويُنقذوا أمّتهم من الظّلم والإلحاد ونهب الثّروات وتضييع الحقوق وغيرها من المخازي والمهالك، وينشروا العدل والأمن بما يقتضيه واجب التّقوى، ويملؤوا أوطانهم عدلاً بعد أن امتلأت ظلمًا وجورًا.