إعــــلانات

والد الصفة صابرينال يروي تفاصيل رحلته مع مرض ابنته بالسرطان

والد الصفة صابرينال يروي تفاصيل رحلته مع مرض ابنته بالسرطان

صبرينال احدى براعم الجزائر اللذين غادروا الحياة تاركين و راءهم فراغا رهيبا في العائلة و المدرسة بسبب مرض خبيث تغلغل في جسمها الهزيل

و هو ما دفع أباها إلى طرق كل الأبواب كي تشفى فلذة كبده إلا أن القدر كان أقوى من ذلك  و تفارقنا الصبية إلى الأبد فأبى والدها السيد مسدور فارس إلا أن يسرد ل”النهار” رحلته الطويلة مع مرض ابنته.
 انتقلت إلى رحمة اللّه “صبرينال” يوم 12/08/2008 في مستشفى بوفاريك بقسم الأطفال، حيث لم تكن تحظى برعاية خاصة، إذ لم تكن تعالج مرضها وإنما تأخذ  مسكنات تخفف عنها آلام المرض، لكن الذي يؤلمنا اليوم “بعد وفاتها” أننا اتصلنا بمستشفى بني مسوس عن طريق رئيسة القسم لتحظى صبرينال برعاية متخصصة غير يائسة من مكافحة هذا المرض الخبيث، فكان الجواب قاسيا وبلا رحمة ولا شفقة على بنت تبلغ من العمر 3 سنوات ونصف. لا تحتفظوا بها في قسمكم فهذه حالة ميؤوس منها، أحقنوها بالصفائح الدموية وابعثوها لبيتها!!! هذا ما يحصل للأطفال المصابين بالسرطان في بلادنا، إنهم يسَرَّعون موتهم، عن طريق توقيف العلاج “بحجة أنه مكلف”، أو عن طريق إعطائهم مسكنات إلى أن يموتوا، وفي بعض الأحيان يتركون بدون صفائح دموية إلى أن يحدث لهم نزيف داخلي أو خارجي ويفارقون الحياة!!! فكرت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال، الذي أريد من خلاله رفع الغطاء عن أكبر كذبة تعرضت لها وتعرض لها الكثير من الآباء والأمهات، وهي: أن سرطان الدم متحكم فيه جيدا في بلادنا، ولسنا بحاجة إلى أن ننقل أبناءنا للعلاج في الخارج، فالحمد للّه الدواء متوفر، ويغطي حاجات مرضانا، وأن الصفائح الدموية التي يحتاجها المرضى المصابين بهذا المرض الخبيث متوفرة ولستم بحاجة أيها الآباء أن تشغلوا بالكم على أبنائكم، ثم لا تتخوفوا من القاعات المخصصة لاستقبال أبنائكم فهي معقمة ونظيفة إلى درجة أنكم لن تجدوا صرصورا واحدا بها، فلا داعي لأي خوف، فمرض السرطان بالنسبة لمستشفياتنا ­ والحمد للّه ­ أصبح كالحمى التي يمكن علاجها بسرعة؟ كلام، كلام، كلام…  ما يحز في نفسي وأنا الأستاذ الجامعي الذي تخرج على يديه الآلاف من الطلبة، آمنت بهذه الكذبة في مرحلة ما، وبدأت تتكشف أمام عيني شيئا فشيئا لكن بعد ماذا؟
يوم أن نقلت فلذة كبدي إلى المستشفى قال لي رئيس القسم “البروفيسور العظيم”: إن حالة بنتك متحكم فيها، ولا داعي للقلق، قلت: هل هنالك إمكانية للتكفل بعلاجها في الخارج؟ قال: لن تحصل على ذلك حتى ولو ربحت الجزائر بأجمعها.. ثم أنني لن أوقع على الملف الذي يقدم للجنة الوطنية للدراسة… في الشطر الأخير من كلامه كان صادقا، فقد حفت قدماي وجف قلمي وأنا أترجى كل من أعرف ومن لا أعرف أن يساعدوني في نقل ابنتي للخارج، فنبوءة “البروفيسور العظيم” كانت صادقة، الأبوب كلها مغلقة؟ في النهاية اجتهدت بمساعدة من لن أنسى خيره أبدا من ذوي البر والإحسان، ونقلت ابنتي لإجراء فحوصات بفرنسا بمستشفى سان لوي.  لماذا يرتاح المصابون بهذا المرض عندما يعالجون في المستشفيات الفرنسية، البلجيكية، الألمانية، البريطانية… ولماذا يكون مصيرهم الموت عندما يعالجون في مستشفيات بلادنا؟ لماذا يموت أبناؤنا وهم ينتظرون عملية زرع النخاع؟ علما أن منهم من وصل إلى المرحلة التي يجب زرع النخاع فيها، ثم تتراجع حالته لتعود به إلى نقطة الصفر، هذا إن لم يكن مصيره كمصير المسكينة “آية” التي توفيت وهي تنتظر عملية الزرع، أوكمصير “ع” التي أجريت لها عملية الزرع ولم تنجح وفارقت الحياة، ولم تجد وهي تصارع الموت حتى سيارة إسعاف تنقلها في راحة تامة من المستشفى إلى ولايتها لتموت ببيتها مرتاحة..
كنت أتقزز كلما التقيت ذلك “البروفيسور العظيم” الذي كذب علي، وأتقزز كلما شاهدته يلعب مسرحية الحريص على النظام في قسمه، وازداد اشمئزازا كلما رأيته يتحدث بازدراء وتكبر واحتقار  مع آباء المرضى…  ووالله لم يجلس إلي مرة واحدة ليشرح لي أو لزوجتي حالة ابنتي، ولا حتى ليشاورنا حول الإجراءات التي سيتخذها مستقبلا لعلاجها.. والعكس كل العكس حدث عندما نقلت ابنتي لإجراء فحوصات معمقة في الخارج، الكل يحاول أن يساعدك، ويتأسف شديد الأسف عندما يعجز. عندنا تقف “إحدى البروفيسورات العظيمات” في وسط القاعة التي حشرت فيها ابنتي والأطفال المصابين بهذا المرض الخبيث والكل يسمع وتقول. لقد قلت لكم خذوها ­ ابنتي­ للبيت تلعب وتأكل مع أخيها فيما تبقى لها من أيام، لن تشفى حتى ولو أخذتموها إلى فرنسا أو أمريكا… لن تشفى أبدا، المعجزات تأتي من اللّه.. حكمت عليها بالإعدام.. دون رحمة أو شفقة على أمها التي كانت تسمع كلامها وهي تبكي، لم ترحم حتى الأطفال الآخرين الذين كانت أمهاتهم تسمعن وترين مصير أولادهن… إنه الجفاء، إنه الخرق الصارخ للسر الطبي، الذي ينص قانونه على أن يعلم بالمرض الولي لوحده دون غيره..  إنني لا أبكي مصير ابنتي التي نشرت صورها وحالتها في الصفحات الرئيسية في أربع جرائد وطنية، ولم أسمع من أي مسؤول جزائري في الوزارات المعنية كلمة طيبة أو خبيثة على الأقل.. الله غالب، أو لا تتعب نفسك لن تحصل على المطلوب… إنني أبكي مصير أبنائنا الذين يعانون ويفقدون الواحد تلو الآخر، وأطرح التساؤلات التالية:
لماذا يدمر أولادنا بالعلاج الكيميائي الهندي؟ لماذا لا يستعلمون المنتجات الأوروبية أو الأمريكية الفعالة؟ ثم هل نعجز عن استحداث مستشفيات متخصصة في أمراض سرطان الأطفال؟ هل نعجز أن نفتح فروعا جهوية متخصصة في عمليات زرع النخاع عوض أن تحتكرها امرأة واحدة تتحكم في أعمار الناس بمركز بيير وماري كوري بمستشفى مصطفى باشا؟ لماذا لا نواجه الحقيقة ونعترف بعجزنا عن علاج المصابين بسرطان الدم خاصة النادر منه مثل LAM7 وننقذ أبناء الجزائر بعلاجهم في الخارج؟ لماذا لا يبادر المحسنون إلى إنشاء وقفيات خاصة ينفق ريعها لمساعدة المصابين بهذه الأمراض الخطيرة؟ لماذا لا ينشئ المحسنون بزكاتهم وصدقاتهم المستشفى الوقفي الجزائري المتخصص في سرطان الأطفال؟ سامحيني يا ابنتي الغالية، سامحي آباك المسكين، فقد كذبوا عليه وصدق كذبهم ودفع الثمن غاليا.. فقد كنت عاجزا تماما أمام الأبواب  التي أغلقت في وجهي، وكأنني كبلت بالسلاسل والأقفال من رجلاي إلى عنقي ورميت في بحر بعمق سحيق، وضاقت علي الدنيا بما رحبت.. رحمة الله عليك يا صبرينال.. رحمة الله عليك يا قرة عيني ويا فلذة كبدي.. وآه وآلف آه يا جزئر العزة والكرامة.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

رابط دائم : https://nhar.tv/lGKht