هل ماتت السياحة عندنا ومن المسؤول؟
ومن الناحية الشكلية، تعطي الأحكام الأولية للرائي، يوم يضبط معلوماته عن شخص أو حيّ أو بلدية يزورها، فأنت إذا تقززت من مظاهر القمامة المتراكمة في شارع ما، فهذا لا يعني أن كل الأحياء متسخة، وكذلك لا يعني اصطدامك بفرد غير مبالٍ بشكله أو بهندامه أو ببعض الحركات أن كل الأسرة كذلك، إنما النظافة، كما أشرنا، هي سلوك ناتج عن خلفية ثقافية رصينة للمعني نفسه، ومصدرها دائما الإنسان.
قبل عشريات من الزمن، رفعت دولتنا الموقرة شعارا رنانا مذهلا، يقول إن وجه المدينة هو وجه سكانها، وهو في الأصل مصطلح ضعيف البنية وناقص من حيث الطرح والاكتمال، لأنه في الأصل لا يمكن الاعتماد على الوجه فقط الذي يعني الشكل الخارجي، وهو لربما قيل من باب الشمولية، لأننا بقينا ولا زلنا «مجتمعات الشمولية»، وليس لنا في الدقة والتدقيق من باع يذكر، وهل العمل بهذا الشعار هو التغاضي عن قلب المدينة وكل منحنياتها ومنعرجاتها؟، وهل يعني التركيز على الوجه هو إهمال باقي النواحي؟، وهل تصبح نظافة المدن التي هي في الأصل نظام يتطلب تركيبة بشرية هامة ومعدات وأجهزة تقنية رهن المناسباتية، يعمل فيها رئيس البلدية على تزيين مداخل ومخارج بلديته، إيهاما منه بأن باقي الأحياء مهيأة على نفس المنوال؟!، وهذا ما نراه حقا في معظم بلديات الوطن، لا لشيء إلا لأن الانطلاقة كانت خطأ، والرؤية لم تكن شاملة ودقيقة، «إذا أردت أن تكتشف رقيّ مجتمع ما، فانظر إلى قمامته، وكان يقصد القمامة كشكل وجوهر»، وهذا يعني أن التطور يقاس بأشياء بسيطة وجزئية لكنها في الأصل دقيقة وشاملة ومهمة.
جاء بعض الخبراء والباحثون ليستنتجوا بأن السبب الجوهري في ازدياد حجم القامات مع مطلع القرن الجديد، هو التطور الصناعي المذهل والكثافة السكانية المتسارعة، والتزايد المستمر للشركات والمؤسسات، وفي مقابل ذلك، لا يزال المشرفون على عمليات التنظيف والتهيئة يعملون بطرق تقليدية، حتى لا نقول بدائية عجزت عن مواكبة هذا التدفق الهائل من حجم الآليات والبشر، فتغلبت القمامة على المظهر الجميل، فلم تعد هناك مدينة توصف بـ«مدينة الورود» ولا أخرى بـ«مدينة الصفصاف» ولا حتى أخرى بـ«الصنوبر» أو بـ«الفرولة»، ولا أخرى بميزة حسنة، والإجابة تجدونها عند بائع الزهور، لأنه بمثابة «التيرمومتر» الذي يقيس حجم اهتمام الناس بالورد، في زمن أضحت طاقة الجميع غير كافية للتوزيع المنظم، وأن 24 ساعة من الكدّ والجدّ لا تسمح للإنسان المعاصر أن يخصص جزءًا من اهتمامه للجماليات، فهو في ثورة ملتهبة مع نفسه من أجل أن يتخلص من مطاردة القمامة له، في البيت والشارع والمحيط والشاطئ والمؤسسة والمصنع، لذلك كفر الجميع بشيء اسمه سويعات من الراحة والاستجمام، وماتت السياحة موتة أبدية، لأن المواطن الأصلي راح يلهث وراء الراحة فلم يجدها، فكيف سيجدها يا ترى القادم من بلد آخر؟، لذلك أصبح لا يمثّل السياحة عندنا إلا الجنوب بأطلاله ومنحوتاته ما قبل التاريخية، والتي طبعا لم تطلها حاويات القمامة، والمشكل كما قلت لكم، هو أن المسؤول عندنا الذي هو قبل هذا كان مواطنا ولا يزال يفتقد لسياسة الوقاية المسبقة من جميع المخاطر، لم يضع أو يخطط لمشروع مستقبلي يحمي به البلدية والمواطن على حد سواء، وإلى غاية ذلك، سقطت من حوله ملايين من الوصلات والأوامر بالمهمات، فأصيب من جديد بداء العجز محمّلا الجميع المسؤولية.