هكذا أوهم الجنرال المزيف بلحساني يعقوب برلمانيين وقضاة بمناصب هامة
يكشف ملف قضائي تعرضه محكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء في نهاية الشهر الجاري، عن تفاصيل مثيرة. ارتبطت بوقائع خطيرة ارتكبها المتهم الموقوف “بلحساني يعقوب”. راح ضحيتها هذه المرة شخصيات ثقيلة، منهم برلمانيون. وقضاة أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء وبالمحكمة الدستورية،بالإضافة إلى إطارات سامين وموظفين بهيئات رسمية في مقدمتهم وزارة التضامن.
حيث كان المتهم يمتهن النصب، من دولة اليونان، منتحلا تارة صفة مدير التشريفات برئاسة الجمهورية وتارة أخرى منتحلا صفة عقيد بالأمن الخارجي، حيث يراسل ضحاياه عبر تطبيقة “واتساب” ورسائل إلكترونية، موهما إياهم بتقلدهم وظائف حساسة وهامة بالدولة، ثم يطالبهم بإرسال له، مبالغ مالية بقيّم متفاوتة، بالعملتين الوطنية والصعبة، قبل أن ينكشف أمره وتلاعباته التي جنى منها ثروة بطريقة احتالية تمكن رجال الأمن من فك لغزها في الوقت المناسب.
وفي ملف الحال يتابع “بلحساني يعقوب ” 25 سنة، المنحدر من منطقة الغزوات لولاية تلمسان، “بن هني محمد”، عسكري ينحدر من ولاية تيارت “بوعنيفة نضال” القاطنة بولاية سكيكدة، بجناية عرقلة سير المؤسسات العمومية أو الاعتداء على أعوانها وممتلكاتهم أو عرقلة تطبيق القوانين والتنظيمات، النصب استعمال لقب متصل بمهنة منظمة قانونا حددت السلطة العمومية شروط منحها وجنحة التهديد.
كما يتأسّس في القضيّة ما لا يقلّ عن 7 أشخاص كأطراف مدنية، من بينهم برلمانيون بالمجلس الشعبي الوطني، ويتعلق الأمر بالبرلماني المدعو “خ. توفبق” و” النائب ” ع.مارية”، و” ب.محفوظ، ، إلى جانب قضاة وأعضاء بالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء كل من “ع. فتيحة”، وبالإضافة إلى موظفين وإطارات بوزارات بهيئات رسمية.
“وقائع وتفاصيل نصب واحتيال”
تعود الوقائع إلى غضون شهري جويلية وأوت من سنة 2022، حيث قام المدعو ” بلحساني يعقوب” بإرسال رسائل إلكترونية لمختلف الإطارات، منتحلا صفة مدير التشريفات برئاسة الجمهورية تارة وتارة أخرى منتحلا صفة عقيد في بالأمن الخارجي.
حيث كان المتهم يوهم ضحاياه بتوليهم مناصب هامة وحساسة، وبالمقابل يلحّ عليهم إرسال ملفاتهم الإدارية له عبر تطبيقة “واتساب”، وبطريقة مستعجلة من أجل تعيينهم في تلك المناصب،مع طلبه إرسال مبالغ مالية بقيم مختلفة عبر حسابات بريدية تابعة لمؤسسة بريد الجزائر وأخرى بالعملة الصعبة.
وباشرت المصالح الأمنية فتح تحقيق قضائي ضد ” بلحساني يعقوب”، انطلاقاً من سماع الضحية النائب البرلماني مكلف بالجالية الوطنية في الخارج ” خ.توفيق”، مصرحا المعني أنه بتاريخ 4 سبتمبر 2022، وخلال حضوره فعاليات افتتاح جلسة أشغال المجلس الشعبي الوطني في دورته العادية، تلقى مكالمة هاتفية من الخارج عبر تطبيقة “واتساب” من شخص قدم نفسه على أساس أنه اللواء ” ك.جمال الدين” المدير العام للأمن الداخلي وأنه اتصل به من مكتب رئيس المجلس “بوغالي”، مبلغا إياه أن المخابرات الخارجية أخبرته بأنه سوف يتغيب عن الافتتاح لتواجده بالخارج ثم أقفل الخط، ليعاود الاتصال به مجددا طالبا منه إسداء خدمة للوطن، من خلال دفع مبلغ مالي يقدر بـ 500 أورو، بصفة مستعجلة لجهة معينة باليونان قصد تحرير أعوان يشتغلون لصالح المخابرات الجزائرية بالخارج، على أساس أن المخابرات المغربية هي من ألقت القبض عليهم، كما يحتاج هذا المبلغ دون المرور على القنوات الرسمية.
مضيفا أنه طلب منه مقابلة هذا الشخص، لكنه تحجّج بأنه غير متواجد في الجزائر وأنه يمكنه مقابلته بعد أسبوع، وبعد مضي 3 ايام أعاد الاتصال به من رقم دول خاص بدولة اليونان، لكنه لم يتكلم مع المتصل.
حيث وبتاريخ 24 أكتوبر 2022، تقرّر ضم ملف آخر للضحية “ليلى .ع” عضو بالمحكمة الدستورية عبر مراسلة من نيابة الجمهورية على إثر تلقيها مكالمات من طرف المتهم.
وفي نفس الملف، تعرضت الضحية المسماة “ع.مارية” نائبة برلمانية، والعضو في لجنة المالية، حيث أفادت أنها بتاريخ 16 أكتوبر 2022، من رقم ثابت من أمانة ولاية الجلفة، وطلب منها أن ترد عليه فورا عبر تطبيقة ” واتساب”، وتضمنت الرسالة توقيع باسم ” عبد العزيز خالف” مدير الديوان برئاسة الجمهورية، حيث وبمجرد قراءتها الرسالة رن هاتفها وبدى أن الشحص المتصل محترم، وأخبرها أنه مكلف من طرف رئيس الجمهورية لاختيارها للذهاب برفقة عائلتها في مهمة رسمية إلى ألمانيا، وهذا بعد موافقة جهاز المخابرات، ولما سألته عن سبب هذا الإختيار أجاباها أنه بسبب سمعتها الجيدة ومداخلاتها الرائعة في البرلمان، كما أطلعها بأنه على معرفة تامة بتفاصيل عائلتها، وطلب منها أن ترسل له نسخ من جواز سفرها وجواز سفر زوجها وأولادها أيضا، مع جواز سفر أي شخص مؤهلا لكي ينوب عنها في هذه المهمة.
مضيفة أنها أرسلت له جواز سفر زميلها بالجامعة، وكل الوثائق المطلوبة، كما طلب منها أن تزوده بالشهادات المتحصل عليها، منها محضر تنصيبها بالبرلمان، وقالت أنها لما وصلت إلى مقر المجلس توجهت إلى مديرية الموظفين وطلبت منهم استرجاع جواز سفرها فأخبروها بأنه لا يمكن ذلك، لأنه محجوز لسفرية رسمية، فقامت بربط هذا الرد ببنفس الشخص ظنا منها أن الأمر يتعلق بنفس المهمة.
وأضافت الضحية أنه بنفس اليوم، تلقت اتصالا آخر طالبا منها إرسال الوثائق المطلوبة لتكون ممثلة للجزائر في القمة العربية، فأرسلت له كل الوثائق، بما فيه مضحر تنصيبها بالبرلمان، وفي أمسية نفس اليوم طلب منها إرسال له رسوم الإعتماد المقدرة بـ 3 ألاف أورو عنها وعن النائب عنها في المهمة، ولدى استفسارها منه، باعتبار أن الدولة هي من تتكفل بهذه المصاريف، أجابها أن السبب يكمن في صعوبة تحويل الأموال الخاصة بالمهمات للخارج، وأجابته بأنها سوف تتصل بوزارة الخارجية للاستفسار حول هذا الأمر، إلا أنه رفض على أساس أن المخابرات لا تتعامل مع وزارة الخارجية.
وقالت الضحية النائب، أنها أخبرته بأنها بصدد السفر إلى تركيا في مهمة رسمية، فوردت إليها مكالمة هاتفية في ليلة نفس اليوم من دولة تركيا عبر الواتساب تحمل صورة السفير الجزائري هناك “م.سفيان” رفقة رئيس دولة تركيا مع رسالة محررة باللغة الفرنسية مضمونها “عزيزي المستشار الديبلوماسي السيدة “ماريا.ع”، بناءً على تعليمات السلطة العليا للبلاد في انتظار حضوركم لتركيا، وأطلب منكم اعلامي بتاريخ وصولكم وتاريخ مغادرتكم، وبعد هذه الرسالة اتصل بها نفس الشخص وأعلمها أن سفير الجزائر بتركيا أرسل لها رسالة ترحيب وأعلمته بذلك، وهنا بدأ المتهم بإقناعها بقبول مهمة السفر إلى ألمانيا مقابل امتيازات كبيرة، فطلبت منه مقابلته رسميا، كما أعربت عن شكوكها في شخصه، فطلب منها مقابلته على الساعة 9 صباحا برئاسة الجمهورية في اليوم الموالي على أساس أنه مدير ديوان رئيس الجمهورية، ثم بعدها أرسل لها رسالة أخرى يطلب منها تأجيل الموعد إلى غاية الساعة الثالثة زوالا، ولدى اتصالها بمصالح ولاية الجلفة للاستفسار عن هوية المتصل، أخبروها أنهم هم من قاموا بتسليم رقمها له، فقامت بالاتصال مباشرة بسفير الجزائر بتركيا وأعلمته بأمر الرسالة التي تلقتها منه، فأجابها بأنه لم يقم بإرسال أي رسالة، وعليه قامت تقرير مفصل لدى رئيس المجلس الشعبي الوطني.
وفي نفس القضية تم تبليغ أودعت القاضية والعضو بالمجلس الأعلى للقضاء للسماع إليها حول التقرير المرفوع للنائب العام لدى المحكمة العليا، وبخصوص شكوى أخرى قدمها المدعو ” ر.جمال” رئيس الديوان بوزارة التضامن المودعة ضد نفس الشخص.
الجدير بالذكر، فإن المتهم “بلحساني يعقوب” معاقب بـ 10 سنوات حبسا نافذا في قضية مشابهة تم عرضها بالقطب الجزائي المتخصص بالجرائم الإلكترونية بمحكمة الدار البيضاء قبل أسابيع من الأن.