إعــــلانات

من أول نظرة

بقلم النهار
من أول نظرة

أدركت والدة أسماء، أن من حل بالمنزل لم يكن زوجها، وإنما شخص آخر من معارف أو أقارب الأسرة، وبينما كانت تركز باهتمام بالغ على ما يدور خارج صالة الضيافة، من حديث

بين ابنتها والضيف الجديد الذي حل  بالمنزل، لم تقدر أن تلتفت وراءها لمشاهدة ماذا يجري خارج صالة الضيافة، كما أنها لم تشأ أن تفارق عيناها صورة ياسين.. لقد كانت تريد ملاحظة رد فعله، ليس لدافع الفضول، وإنما خشية ردة فعل منه غير متوقعة، وكأن حدسها كان يقول لها أنه ستجري بالبيت أمور لم تكن مرتبة، ولم تكن قيد الحسبان.

بالمقابل، لم يقدر ياسين على تمالك نفسه، وفيما راح يبحث ويقلّب في مخيلته عن احتمالات تجيب عن الأسئلة التي كانت تدور في ذهنه والمتعلقة بهوية الوافد الجديد إلى بيت أسماء، كان يبحث أيضا عن كلمات يخرج بها عن صمته، ويحصل من خلالها على أجوبة لتساؤلاته.

وعندما هم ياسين بالحديث، قاطعته والدة أسماء عن وعي وقصد بقولها: “ماذا تعمل؟”ياسين : نعم؟الأم: لقد أردت معرفة طبيعة عملك، إن أمكن؟

صمت ياسين برهة من الزمن، وكان يدرك لحظتها الهدف من سؤال والدة أسماء، حيث تعزز لديه الشك بأنها تريد التورية على أمر ما يحدث خارج صالة الضيافة.

بدأ ياسين يتصبب عرقا، من شدة التوتر الممزوج بالغضب، وكيف لا وهو الذي لا يحتمل الكذب، ويعتبر الأفّاك والكذاب على نفس الدرجة مثل المجرمين والمحتالين، من الخطورة في ممارسة الإجرام. لحظتها وقف ياسين وهم بمغادرة البيت، حيث تقدم بخطوة إلى الأمام مادّا يده لوالدة أسماء وهو يقول “تشرفت بمعرفتك” .. “غير أنه كان علي المجيء في وقت آخر على ما أظن”.. لم تصدق والدة أسماء ما سمعته من ياسين في تلك اللحظة، إلا بعدما لاحظت على وجهه التجهم وعلامات التحول في المزاج، فقد كان يبدو كمن اكتشف أنه تعرض للخيانة أو أي مكيدة أخرى، فحاولت والدة أسماء تحويل مجرى الحديث والخروج بياسين من دائرة شكوكه، وإبعاد أسباب انقباضه.. نهضت الوالدة من على الكرسي وقالت وهي تلتفت خلفها: “أسماء لماذا غبت كل هذا الوقت.. ألا تعرفين أن لدينا ضيف؟”.

“ومن يكون هذا الضيف؟”، لقد كان صوت الشخص الذي دخل لتوّه إلى المنزل، ليضيف وهو يطل بشكل واضح، اتضحت معه صورة وجهه وشكله على صالة الضيافة، ويقول لوالدة أسماء: مرحبا يا خالة.. لا أعتقد أنني قطعت عليكم جلستكم، لكنني رغبت في تناول الشاي معكم والتعرف إلى ضيفكم الذي هو ضيفي أيضا.

ولم يكد ذلك الشخص الذي كان مثار قلق ياسين ينهي كلامه، إلا وكان قد اتخذ لنفسه مجلسا على الأريكة، بجوار المكان الذي كان يجلس فيه ياسين، قبل أن يضيف ببجاحة دلّت على قلة أدب، وهو يمدد رجليه أمامه، “عرّفينا على هذا الضيف يا خالة”.

في تلك اللحظة لم يكن ياسين ينظر سوى في وجه والدة أسماء، وكان قد لمس فيها عدم قدرتها على الكلام والتردد في الرد على سؤال الوافد الجديد، الذي تبين أنه لم يكن ضيفا أو أنه لا يعتبر نفسه كذلك. فقرر ياسين مواصلة ما شرع فيه، بقوله “تصبحين على خير.. يجب علي أن أنصرف”.

خطت والدة أسماء خطواتها في الصالة، متجهة نحو باب المنزل وهي تسبق بسنتيمترات ياسين، الذي كان يتبعها وعيناه لا تكادان تتحولان عن موضع تركيزهما، حيث كان يصوب كل نظره تجاه الباب، مثل مشتاق للنجاة من جحيم، أو توّاق لبلوغ غاية طال موعد تحققها    وعلى اليسار من ياسين كانت أسماء ترقب ما يحصل دون أن تقدر على قول شيء.

وفجأة توقف ياسين واستدار خلفه، ليحيط بنظرة تجاه الوافد الجديد مخاطبا إياه بصوت جهوري ونبرة غير مألوفة فيه: “كان عليك أن تعرّف بنفسك أولا، مثلما تقتضيه الأخلاق.. لكن لا بأس، فما دمت مثلما بدوت لي لا داعي ولا فائدة لي من التعرف إليك”.. قال ياسين تلك الكلمات التي نزلت على مسامع أسماء ووالدتها مثل مفاجأة ثانية وهو يحول نظره باتجاه أسماء، ومحوّلا في ذات الوقت ملامحه وطريقة تصرفه، ليقول “آسف يا أسماء.. رغم كل شيء عليّ أن أرحل”.

وبسرعة مثل السرعة التي خاطب بها الوافد الجديد، حتى أنه لم يترك له  وقتا للرد، اتجه ياسين بخطوات طويلة نحو الباب، قبل أن يختفي وراءه بعدما أغلقه بعنف غير ظاهر، تاركا وراءه صمت كبير وتساؤلات كثيرة، وأيضا طقطقة خطواته الدالة على غضبه. 

رابط دائم : https://nhar.tv/AeP2S