مالك والصحابة
اعتمد الإمام مالك بن أنس رحمه الله في استنباط الفتاوى الفقهية للناس على القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع وعمل أهل المدينة والقياس وأقوال الصحابة والمصالح المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والإستصحاب والإستحسان
وكان من أشهر ما قدمه للمكتبة العلمية الإسلامية على مر العصور كتاب “الموطأ” الذي أنفق في تأليفه حوالي أربعين سنة، وأوضح في مقدمته أنه يتضمن: “حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة والتابعين ورأيي، وقد تكلمت فيه برأيي، وعلى الإجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره”.
ومن تفسيرات العنوان ما يروى عن الإمام مالك من أنه عرض ما في الكتاب على سبعين عالما فكلهم واطأه عليه لذلك سماه “الموطأ”. وأخرج مالك في الكتاب ما يقرب من ألفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رحمه الله متشددا في تمحيص الرواة.
كان الإمام مالك كما وصفه معاصروه من أحسن الناس وجها وأحلاهم عينا وأنقاهم بياضا وأتمهم طولا في جودة بدن. وكان يكثر من العبادة، ويقوم الليل، ويداوم على قراءة كتاب الله، ويطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كان كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منها شيء.
قال ابن المبارك وهو من مشاهير علماء القرن الهجري الثاني: “رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة بينه وبينه، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه وينجو من غمرات الموت وأهوال يوم القيامة فليكن في عمله في السر أكثر منه في العلانية”.
وقال الإمام الشافعي: “ما هبت أحدا قط هيبتي مالك بن أنس حين نظرت إليه”. وقال عن الموطأ: “ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس”.
كان الإمام مالك يعتد بالصحابة رضي الله عنهم ويمدحهم ويرى في أقوالهم أصلا من أصول استنباط الأحكام الشرعية. وكان ينبذ المتشددين الذين يذمّون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهاجمونهم، ويقول في وصفهم وكشف دوافعهم: “إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في الصحابة حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين”.
كان الإمام مالك يرى أن الله تعالى نصر النبي صلى الله عليه وسلم بصحابته، وأغاظ بهم أعداء دين التوحيد والعدل والحرية، فلم يقبل كيف يتخذهم بعض المسلمين غرضا وهدفا يسيئون إليه بسبب بعض الخلافات السياسية حول الحكم والإمارة. لذلك فإنه عندما سأله الخليفة هارون الرشيد: هل لمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفيء حق؟، قال: لا ولا كرامة!
ولعل في هذا ما يردّ بعض مسلمي هذا الزمان، من المخدوعين أو من قليلي العلم والدراية، وما يردعهم عن التبجّح بذمّ أصحاب رسول الهدى وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.