إعــــلانات

لماذا التهاون والتراخي في حق أجيال بريئة؟!

لماذا التهاون والتراخي في حق أجيال بريئة؟!

تحية طيّبة وبعد..الأستاذ الذي يدخل قسمه في أيّ ثانوية أو متوسطة ولا يحمل في قناعاته إلا كيف تمرّ الدقائق تلو الأخرى، ثم يودع تلامذته غير مبالٍ بما تركه من آثار سلبية في نفسياتهم، وهو الذي كان قد حادثهم في مسائل لا علاقة لها بالدرس المقرر، فهو من المربين الذين لا يمكن أبدا إعطاؤه صفة وشرف الانتماء إلى قطاع حساس مثل هذا، بل وجب محاسبته ومعاقبته بشتى الطرق، ولمَ لا فصله وتوجيهه نحو مهن حرة أخرى تليق بمقامه.

سوف نتحدث في هذا المقام ونحن نعي بأنه حتى هذا الصنف من التلاميذ لهم أخطاؤهم المتعددة، لكننا أردنا النظر من زاوية معاكسة كي نحقق شيئا من التوازنات التحليلية، ولكل مقام مقال كما يقال، فحادثة مثل هذه وقعت فعلا في إحدى بلديات هذا الوطن الشاسع -يوم بقي التلاميذ يسمعون من أستاذهم حكايات عن الزواج وأحوال النساء-، بل الأصح أنها تكررت حتى أضحت سلوكا روتينيا، وفي الأخير حينما انتهى الفصل الأخير واجتاز هؤلاء التلاميذ امتحانهم المصيري في «الباك»، رسب أغلبهم وأخفق، وبعدها راحوا يطلقون العنان لألسنتهم معترفين بأن ما لحقهم من هذا الأستاذ هو أحد الأسباب الرئيسية، لكن للأسف، هو ندم جاء بعد فوات الأوان، وهذه عيّنة واحدة فقط أردنا أن نتخذها عمادا لتناول موضوعنا، لأنها بلا شك موجودة بكثرة وبألوان وأشكال مغايرة، ويعدّ هذا التهاون والتراخي حتى لا نقول الإجرام في حق أجيال بريئة، من بين أهم الأسباب الموضوعية التي فرضت نفسها خاصة في السنوات الأخيرة، لا لشيء إلا لأن البعض من هؤلاء الأساتذة حشروا أنفسهم في مهنة التعليم عنوة، بل الأغلب منهم استسهلها ورأى فيها المهنة الأكثر وصولا لتحقيق مآرب ما،  مثلها مثل تدريس مادة التربية البدنية التي لا تحتاج إلا إلى جهود عضلية، ونحن هنا لا نعمم كي لا نظلم الصادقين في هذا القطاع والمؤهلين، فقط تركيزنا هو على تلك الفئات التي أصبحت تمثل صفة المعلّم والمربي، وهي بعيدة كل البعد عن مضامينها وجوهرها، وكانت النتيجة التي جناها الجميع هي ضياع أفواج تعدّ بالعشرات من تلاميذ أبرياء دخلوا من أجل هدف التحصيل العلمي، فوجدوا أنفسهم يتعاركون مع سلوكات وتصرفات من أوكلت إليهم مهمات الإشراف والتكوين والإعداد، والتي لا يمكن تصنيفها إلا في خانة التيه والطيش، مع التسليم بأن هذا النوع من الأساتذة لهم ظروفهم الخاصة المختلفة، وما تلك الإضرابات التي بتنا نسمع بوقعها هنا وهناك، إلا دليلا قاطعا لتردي بعض الأوضاع المعيشية لهذه الفئة، ولكن ليس بمكان أن تنتقل هذه العقبات ولواحقها إلى قاعات التدريس، فقد كان من الأجدر والصواب ألّا تحدث حالات عكسية انتقامية تصب بحدتها أو قل تنطلي بسمومها على ذهنية الطالب والتلميذ، لأنه يعدّ الحلقة الأضعف وآخر محطة في سلم هذه المعادلات التي ظلّت تتكرر ونسمع بنشوبها من فصل إلى آخر، ويحدث ذلك كله باسم ارتفاع وزيادة الأجور ليس إلا.

يبيّن حجم الهاجس الأول والأخير لأساتذة وجدوا في النقابات المستقلة مرتعا لترجمة همومهم وهواجسهم، مضحين بكل ما له علاقة بالتربية والتعليم، وصارت هذه النقابات قاب قوسين شبه قطاع موازِ، حتى لا نقول «دولة موازية»، وفي النهاية يتجسد الثمن ويترجم نفسه في التحصيل العلمي السيئ والمهترئ، بعد أن وصلت الأمور إلى حوادث غريبة، مثل أن يطلب الأستاذ من تلميذه الخروج وشراء سيجارة له، وهناك إن لم تخنّا الذاكرة من يدخن داخل القسم، ويطلب هبات من الأولياء بطرق غير مباشرة، وكذلك من يطرح العديد من الأسئلة التي لا تُسمع إلا في الشارع، فإن كان كل هذا يحدث وغيره ويصبح واقعا ملموسا، فعلى الدنيا السلام كما يقال، بل ها هو شرف التعليم يُنتهك علانية وبأيادي القائمين عليه وممثليه، حيث لم يعد المعلم أو الأستاذ شبيها بالرسول كما وصفه بذلك أمير الشعراء (قم للمعلم وفِهِ التبجيلا ـ كاد المعلم أن يكون رسولا)، ويحدث هذا كله نتيجة غياب الضمير المهني الحي، الذي صار يرى في المغريات المادية ملاذا آمنا، أما بعده أو قبله فليأتي على الجميع الطوفان.

إن الضمير المهني لا يباع في الأسواق ولا هو يُدرّس في المعاهد البيداغوجية، بل له علاقة بالأخلاق العامة وقوة الشخصية إذا توفرت والخشية من الله.

رابط دائم : https://nhar.tv/5BQCR