لأول مرة ..أسرار عن بوتفليقة الرجل .. !!
كان نهار يوم
الثاني من شهر مارس من سنة 1937 عندما رزق مقدم الزاوية الهبرية بمدينة وجدة المغربية، الذي سارع إلى شيخ الزاوية حاملا ولده الصغير والنحيف، من أجل التبرك به، وأن يدعو الله أن يحفظ الولد النحيف، فحمل الشيخ الهبري الولد بيديه ووضعه على حجره وقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، ثم حدق في عيني الولد وحمله قائلا ” سيكون لهذا الولد شأن عظيم” ..الولد هو عبد العزيز بوتفليقة، الذي ولد في كنف عائلة جزائرية بسيطة مقيمة بوجدة، ويقول مقربون من العائلة أن لقبه الأصلي بن لزعر عبد القادر، حيث كانت سياسة سائدة أيام الاستعمار الفرنسي هو تفريق العائلات الكبيرة بتغيير أسمائها وألقابها. له إخوة أشقاء هم عبدالغني، مصطفي، سعيد، عبد الرحيم، لطيفة. أما غير الأشقاء فهم فاطمة، يمينة، عائشة، وهن بنات الزوجة الأولى بلقايد راضية.
بوتفليقة نابغة زمانه في الدراسة..
ولد عبد العزيز في الثاني من مارس 1937 بمدينة وجدة المغربية، ابن احمد وغزلاوي منصورية وهو ابن الزوجة الثانية، تربى وترعرع في وجدة، ودرس بمدرسة سيدي زيان، وبعدها بمدرسة الحسينية التي أسسها الملك الحسن الثاني الذي كان أميرا آنذاك، كان يدرس بالقرب من حمام جردة الذي تعود ملكيته لوالدته، حفظ القرآن بكتاتيب وجدة، على يدي والده الذي دأب على تعليمه الخطوات الأولى للقراءة، انضم إلى فرقة المسرح بالمدرسة وشارك في قطعة مسرحية ”تحرير حر من طرف عبد”، تعلم بوتفليقة منذ نعومة أظافره الصلاة وعمل على مراعاتها، يقول مقربون منه أن أول كتاب قرأه هو المصحف الشريف، الذي حفظه منذ الصغر، تعلم ركوب الخيل والرماية والسباحة، وترعرع في الزاوية القادرية بوجدة، أما دراسته الثانوية فتابعها بثانوية عبد المومن دائما بوجدة، حيث كان نابغة زمانه بمعدلات ممتازة في مختلف الأطوار.. وهناك انضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني.
عاد بوتفليقة إلى الجزائر، وبالضبط إلى ندرومة في قرية أولاد عمر بتلمسان وانضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني وهو في سن 19، وبعد اندماجه في صفوف جيش التحرير كلف ”عبد القادر المالي” بمهمتين، خلال سنتي 1957 و 1958 حيث عين مراقبا عاما للولاية الخامسة، ومن مراقب عام ارتقى إلى رتبة ضابط بالولاية الخامسة وبالضبط بالمنطقتين الرابعة السابعة وبعدها التحق بمركز قيادة الولاية السابقة الذكر ثم انتدب على التوالي لدى هيئة قيادة العمليات العسكرية بالغرب، وبعد ذلك لدى هيئة قيادة الأركان بالغرب، ولدى قيادة الأركان العامة، بوتفليقة الذي عرف بتواضعه وإخلاصه، قيل أيضا أنه منذ الصغر كان يتمتع بحس سياسي وحكمة رزينة، يحب الاستماع ويتقن فن الإنصات والتركيز مع محدثيه.
وفي سنة 1960 توجه ”عبد القادر المالي” إلى الحدود الجنوبية لقيادة جبهة المالي، التي جاء إنشاؤها في إطار التدابير التي كانت الغاية منها إحباط مساعي الاستعمار الذي كان يسعى لتقسيم البلاد، أما في سنة 1961 انتقل سريا إلى فرنسا في إطار مهمة الاتصال بالزعماء التاريخيين المعتقلين بمدينة اولنوا.
وبالولاية الخامسة، وعند تقلده منصب مراقب عام، تعرف بوتفليقة على الرئيس الراحل هواري بومدين، وأعجب كل منهما بالآخر، فتكونت بينهما صداقة دامت إلى غاية استقلال الجزائر، ثم بعدها إلى غاية وفاة الرئيس هواري بومدين… أما عن السياقة فقد حصل بوتفليقة على رخصة السياقة في السنة الأولى بعد الاستقلال.. غير أنه لا يهوى السياقة كثيرا.
مجاهدا … وزيرا ثم رئيسا للجمهورية
نقل عنه مقربون منه أنه كان يحسن سياسة التعامل مع القادة الأجانب، حيث أنه استطاع أثناء الثورة التحريرية وبفضل علاقاته المتينة والممتازة مع رئيس الجمهورية المالية آنذاك، استطاع إقناعه بتزويد الجزائريين بالأسلحة، حيث فتح له الرئيس المالي كل أبواب المساعدة.
وبعد الاستقلال، تقلد بوتفليقة منصب نائب في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم ولي وهو في 25 من عمره وزيرا للشباب والرياضة والسياحة ضمن أول حكومة للجزائر المستقلة، أما في سنة 1963 تقلد العضوية في المجلس التشريعي، ثم عين في السنة نفسها وزيرا للشؤون الخارجية، وفي مؤتمر الجزائر لجبهة التحرير الوطني سنة 1964 انتخب عضوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، وقد ساهم بوتفليقة في التصحيح الثوري الذي تأسس إبانه مجلس الثورة، حيث أصبح عضوا فيه تحت رئاسة الرئيس الراحل هواري بومدين..
ترأس بوتفليقة الدورة الاستثنائية السادسة لهيئة الأمم المتحدة المخصصة للطاقة والموارد الأولية التي كانت الجزائر من بين البلدان التي عملت على عقدها، وفي 27 ديسمبر 1978 وبالتحديد على الساعة الثالثة و 55 دقيقة فقد بوتفليقة الرفيق الصديق الراحل هواري بومدين.. وفي 29 ديسمبر ظهر ”عبد القادر المالي” بمقبرة العالية يلقي كلمة التأبين للرئيس الراحل، وقد تم اختياره من قبل رفاقه نظرا للتقارب الشديد الذي كان بينه وبين بومدين.. ظهر بنظارات سوداء.. بعد وفاة بومدين أبعد بوتفليقة عن الحكم وصار المستهدف الأول لسياسة نقض البومدينية، حيث اضطر إلى الهجرة الى ديار الغربة لمدة 20 سنة… ليعود في جانفي سنة 1987 وإثر أحداث أكتوبر 1988 كان واحدا من موقعي لائحة الثمانية عشر… استدعي للمؤتمر الاستثنائي لجبهة التحرير سنة 1989 وانتخب في أعقاب انعقاده عضوا في اللجنة المركزية للحزب.. عرض عليه منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة، ثم منصب ممثل دائم لدى الأمم المتحدة لكنه اعتذر… وبعد ذلك، وبالضبط في سنة 1994 اعتذر بوتفليقة عن عرض يخص تعيينه رئيسا للدولة في إطار الفترة الانتقالية، ليعلن سنة 1998 عن نيته لدخول المنافسة الانتخابية مرشحا حرا للانتخابات الرئاسية المسبقة المحدد إجراؤها خلال شهر افريل 1999 ليتسلم مقاليد الحكم من الرئيس اليامين زروال في27 أفريل 1999 ليصبح بصفة رسمية رئيسا للجزائر…
ساعة من نوع ”أوميقا” وشريحة هاتف”منتوج بلادي”
يعشق بوتفليقة حسب ما نقل عنه مقربون منه، ”التربيعة”، وهي المكان الذي يجتمع به أهل العلم بندرومة بتلمسان، تكلم عنها في عدة ملتقيات، ونشط بها عدة تجمعات، صارت قبلة للوزراء حيث قيل فيها أنه لايوجد شخص يزور ندرومة إلا ومرعلى التربيعة. أما عن ملابسه، فبوتفليقة يخيط ملابسه عند ”خياط الرؤساء” بالقصبة، فهو الخياط الذي صمم ملابس الرئيس الراحل هواري بومدين، وبن بلة وغيرهم، يعشق بوتفليقة الألوان الداكنة مع ربطات عنق فاتحة أو بألوان زهرية، أما الأحذية فقد كان ”عبد القادر المالي” يعشق ارتداء الجزم ”الرونجارس” لأنه ألف ارتداءه منذ أيام الثورة التحريرية، وتجعله يحن لأيام الثورة وأصدقائه المجاهدين…
يفضل بوتفليقة وضع ساعة من نوع ”أوميقا”، كما يملك هاتفا نقالا مزودا بشريحة ”موبيليس”، ويقول أقاربه أنه تلقى هدايا جمة لشرائح مجانية من متعاملين آخرين، غير أنه رفضها، لأنه يشجع الإنتاج المحلي ويحب كل ماهو جزائري…
يقول مقربون منه أنه يحلق شعره مرتين في اليوم، يخدمه بمقر الرئاسة وبالمنزل أفراد من عائلته المقربين، من الممرضة، إلى الطباخ، ووصولا الى الطبيب الذي يتابع ملفه الصحي عن كثب، مصطفى بوتفليقة مختص في أمراض الأنف والحنجرة.
وحسبما نقل عنه أفراد من عائلته لـ ”النهار” فإن بوتفليقة يحب المأكولات التقليدية، خاصة المأكولات التي تعرف بها مدينة تلمسان، ويأكل وحده، كان كلما زار وجدة، تقيم له عائلة من أقرب المقربين من العائلة طبق المعقودة، وهي خليط من البطاطا والتوابل..
والدته قدوته … ورمضان للاعتكاف
من أكثر ما يحافظ عليه بوتفليقة هو الجو العائلي الذي يحافظ عليه منذ الصغر، يعتبر والدته أكبر مثل له في الحياة، ويذكر وزراء تحدثوا لـ”النهار” أن بوتفليقة كلما التقى بأحدهم إلا أوصاه بوالدته، وهو ما جعلهم يكنون له الحب الكبير… ورغم أن بوتفليقة ليس كبير العائلة، غير أنه يحظى باحترام الجميع، ويتم استشارته في كل كبيرة وصغيرة، خاصة في حياة أبناء عائلته، ما جعل الجميع يناديه بـ ”سيدي حبيبي”، نظرا للمكانة التي يكنونها له في قلوبهم..
أما في رمضان، فيعتكف الرئيس ويواظب على قراءة القرآن وأداء الصلاة.. لا يحب الأكل كثيرا في هذا الشهر الفضيل، أدخل في عاداته الرمضانية الجلسات الرمضانية التي يخصصها للاستماع لوزراء الحكومة، حيث يمنح كل واحد منهم ليلة لتقديم حصيلته، ويا ويل من كانت حصيلته سلبية، ويقال أن الرئيس في السنة الأخيرة، لم يكن يسعى لسماع الحصيلة، وإنما كان يود غرس عادة فضيلة في وزرائه، وهي اللقاء العائلي خلال الشهر الفضيل… يقضي الشهر مع عائلته ووالدته… مع المواظبة على قراءة القرآن وختمه في الشهر أكثر من مرة…
وفي غير رمضان، يقول أقاربه أنه يعشق سماع الأغاني الشعبية الأصيلة، وكلما هو فن عريق، غير أن ”محبوبته” المفضلة هي المطربة سلوى، يقولون أنه كان يعشق أغانيها حد النخاع، حيث كان يدعوها لإحياء سهرات خاصة رفقة عائلته وأصدقائه المقربين أيام كان وزيرا للخارجية..
يفطر عند والدته وينقطع عن شؤون الدنيا بعد الإفطار يقضي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شهر رمضان المعظم متعبدا، مصليا،…عاملا، فالعبادة عمل، والعمل عبادة عند الرئيس، الذي لا يعير اهتماما كبيرا لما طاب ولذ من أطباق، مكتفيا بتمرتين وكوب من الحليب، وأسر لنا أحد مقربيه أن الرئيس ”كثير العمل والنشاط في هذا الشهر ” الى درجة أنه في كثير من الأحيان يحل عليه آذان المغرب وهو منكب في دراسة ملفاته في رئاسة الجمهورية. ويلعب الرئيس اثناء هذا الشهر دور الأب الجامع للعائلة، حيث يصر على تناول الافطار في بيت والدته بشارع البشير الابراهيمي بحي حيدرة بالعاصمة، بحضور الاخوة والأهل، خاصة الأحفاد الذين يكن لهم محبة خاصة، ويسهر على أن يترعرعوا في بيئة دينية، ”مهم جدا أن يكون الإفطار عند الأم، فهذه من الثوابت عند الرئيس الابن الذي يحب أمه حبا جما” يقول أحد مقربيه، ومباشرة بعد تناول الافطار الذي يتميز في العديد من الأحيان بالأطباق التقليدية، ينقطع رئيس الجمهورية عن أمور الدنيا للتركيز على العبادة، وتكون عادة بتلاوة القرآن الكريم، وتدوم عبادة بوتفليقة ساعات طويلة، فهو لا ينام كثيرا، لا في رمضان ولا في غير رمضان، ومعروف عن الرئيس بوتفليقة زهده عن الأكل في سائر الأيام فهو لا يتناول وجبة الغذاء إلا نادرا، لذلك يكره بوتفليقة أن يتحجج مقربيه بالتعب خلال شهر رمضان، لأنه مقتنع قناعة راسخة أن رمضان شهر للعمل والعبادة. وحسب مقربي بوتفليقة في الرئاسة، فإن كلمة الله والحمد لله، وتبارك الله، لا تفارق فمه أبدا أثناء الصيام وفي سائر الأيام.
في رمضان يكرم الوزير أو يهان
أما فيما يتعلق بعمل الرئيس، فاسألوا الوزراء تجدون الرد، فقد لا يتوقف الرجل عن العمل إلى درجة إرهاقهم، حيث يسألون عن كل صغيرة وكبيرة تخص قطاعاتهم ”وويل لمن يكذب اثناء هذا الشهر الفضيل ”، أكره ما يكرهه بوتفليقة، الكذب في رمضان، معتبرا ذلك مفسدة للصيام والعبادة فيدخل في غضب كبير عندما يكشف أن أحد الوزراء لا يقول الحقيقة” يضيف ذات المصدر، فالجلسات المخصصة لمساءلة الوزراء تكون عند الرئيس بوتفليقة في شهر رمضان، وهي فرصة لامتحان الوزراء، ويتحول الرئيس أثناء هذه الجلسات التي تدوم ساعات طويلة إلى معارض، برلماني، خبير، يدقق على كل نقطة، ويركز على التفاصيل، ليتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يومها يكرم الوزير أو يهان… وحسب المصدر ذاته، فإن الرئيس يفضل عدم السفر إلى الخارج أثناء شهر رمضان، ويعمل ما بوسعه لعدم استقبال شخصيات أجنبية في هذا الشهر، فالتركيز كل التركيز على الشؤون الداخلية أثناء النهار، والشؤون الآخروية بعد الإفطار، كما لا يفوت الرئيس فرصة هذا الشهر الكريم للاطلاع على أحوال رجال الدين، خاصة مشايخ الزوايا الذين يحتلون مرتبة خاصة في قلبه. فالرئيس -يقول أحد مقربيه- رجل بسيط، لديه قناعة راسخة أن العمل وحده كفيل بدفع الأمور إلى الأحسن والأفضل، وقناعته أيضا أن العمل في واقع الأمرعبادة تمكن صاحبه من التقرب إلى الله والفوز برضاه. وتتأكد أكثر هذه القناعة أثناء شهر رمضان، حيث يكثر فيه العمل أكثر من أي وقت آخر للتقرب إلى خالقه، بالعمل والعمل فقط..ذلكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبعض جوانب حياته أثناء شهر العبادة والقيام.