قلبي القاسي يأبى التجاوز.. عُقدتي وإنتكاستي أنت يا أبتي
سيدتي، بالرغم من كل ما حققته من نجاحات وتألق، وبالرغم من أن حياتي مستقرة على جميع الأصعدة. وبالرغم من أنني عوضت نفسي وأمي وإخوتي ما لم ينالوه في حياتهم إلا أن ثمة نقطة سوداء. تأبى أن تختفي من قلب متعب منهك يأبى تجاوز ما ألمّ به.
هو أبي ذلك الرجل الذي لم أنل منه سوى الإسم، رجل تلخصت الأبوة في نظره على الزجر والغطرسة والصراخ والتقتير. و حتى البخل العاطفي زيادة على التهرب من المسؤولية. صدقيني سيدتي أنّني لا أتذكّر يوما أحسست فيه بالحنوّ والدنوّ إلى جانب هذا الأب الذي نالت منه أمّي الإهمال والتجاهل والتّعنيف.
لطالما أحسسنا أنّها لم تكن لتتقبّل الإهانة لولا رغبتها في أن نحيا في بيئة سليمة بعيدة عن الطلاق والشتات العاطفي. ولو كان بمقدورها لضمنت لنا حياة كريمة بعيدة عن أب لم يستثمر فينا شيئا. في حين حاول أن يحصد ويستولي على ثمرة تعب وشقاء والدتنا التي حافظت علينا بكل ما أوتيت من قوة.
قد لا تصدقين سيدتي أنني وأنا في سني هذا لا رغبة لي في الزواج وتكوين أسرة. فجميع الرجال الذين صادفتهم نسخة من والدي الذي غرس في قلبي الخوف والوجل الكبير. خائفة أنا أن أرتبط بمن هو غير جدير بقلبي، رجل يطعنني في فؤاد توسّم فيه خيرا. زوج يقتل فيّ رغبتي في الحياة، زوج قد ينقلب عليّ ويجعلني أندم أنني بعت حياتي حتى أشتري قلبه وقربه.
قد لا تصدقين أنه لم يسألني والدي يوما عن سبب عدم إرتباطي، ولم يكلّف نفسه حتى القلق على مصيري كوني أكبر إخوتي. ولعل ما زاد الطين بلّة أنه بنفس التفاصيل والمشاعر يتباهى بنا ويخبر من يعرفهم. أنه لولا سيطرته على الوضع ولولا تمكّنه من المسؤولية لما كنّا نحن أولاده لننجح ونفلح. ضاربا عرض الحائط كيان زوجة ماتت هي ليحيا هو وننجو نحن. ثمة غصة في قلبي. أريد أن أصرخ بكل ما أوتيت من قوة من أنك سبب عقدتي يا أبي، من أنك سبب ما أنا فيه من حيرة وإنكسار. أريد أن يعلم ويحسّ بالغبن الذي يعتريني ، غبن كبير يأبى أن يمحي من حياتي.
أختكم س.مايا من الوسط الجزائري.
الرد:
هوّني عليك أختاه وتما سكي، فلا يجوز لمن هي في مثل وقارك ونبل أخلاقك أن تتصرف بمثل هذا التصرف الذي لن يزيد سوى من تعقيد الأمور ومنحها منحى أخر لا يخدمك بالمرة أنت وأسرتك.
من المؤكّد أختاه أن تنمو مشاعرك بهذا الكره والمقت لوالد لم يرحمك أنت وإخوتك. ومن الجميل أنّك بالرّغم من كل الظّروف التي عشتها لم تنساقي للهاوية أو فساد الأخلاق أنت وأخواتك، وهذا الشّيء إن دلّ فإنما يدلّ على طيبة والدتك التي زرعت فيكم نعم التربية والأخلاق. أحسّ بما تكابدينه من صراع وضعك بين مطرقة أب منحك الحياة وسندان عقد لا متناهية جعلتك تفقدين الأمان في حياتك. لقد بتّ تتوجّسين من الناس ومن المستقبل، وقد إنحصرت حياتك في بوتقة واحدة تتمثل في أن تكملي مشوار حياتك وأنت تنبذين وجود الرجل في تفاصيلها، وهذا أمر غير مجدي وغير سويّ بالمرّة.
لديك كل الحق كأنثى وكإمرأة من أن تعانقي السعادة وتختاري لقلبك الطيب رجلا يرافقك المشوار، رجل تبنين معه مستقبلك بعيدا عن أنقاض تجربة مريرة عشتها إلى جانب أب متحجّر الفؤاد متزمّت المراس.أحسّ بالألم الذي يعتصر فؤادك والّذي يجب أن يؤلّب إلى طاقة إيجابية وإنطلاقة جديدة تأتي بالنفع عليك، وتدخل البهجة في قلب أمّك المسكينة التي لا يهون عليها أن ترى دموع الإنكسار في عينيك بهذا القدر.
إنتفضي وإختاري لك رفيقا حنونا يعوضك ما فات، رجل يكون لك الأب والزوج والرفيق والصديق والسند، رجل تكونين معه أمّا لأبناء لينالوا بفضل إحسانك وحنانك ما نلته أنت من ظلم وتعتير.
كما أن عديد من الناس عاشوا إنكسارات وصدمات أكبر مما عشته بكثير لكنهم بحثوا عن قبس النور في حياتهم. وغيروا واقعهم وخطوا ما أردوا في مستقبلهم ضاربين عرض الحائط. أذى كاد يقضي على الأمل فيهم، فلتكوني أنت أختاه واحدة من هؤلاء ولتبعثي بحياتك إلى نور ما بعده نور.
ردت:”ب.س”