قاطعتني والدتي بعدما ألزمت بناتي بارتداء الحجاب
من أعظم المشاكل التي تواجه المرء، ما يتعلق بذويه والمقربين إليه، إذ يصعب عليه التصرف خشية أن يغضبهم، فالأوضاع تُلزمنا في بعض الأحيان بمسايرتهم وإن كان على حساب أنفسنا وعكس مصالحنا، فيما يخص شؤون الدنيا، لكن إذا تعلق الأمر بالدين، فلا طاعة لمخلوق مهما كانت صلة القرابة التي تر بطنا به في معصية الخالق، ولا يهمنا أمره في شيء، ما دمنا على يقين بأننا انتهجنا الصراط المستقيم، فأنا واحد من هؤلاء الذين تمسكوا بحبل الله المتين، ولن أتراجع عن هذا القرار، فقط أردت طرح انشغالي كي أفوز مرتين وأنال رضا والدتي هداها الله، بعدما تنكّرت لي وقاطعتني لأنني اخترت رضا الله.
من جنّتي تحت أقدامها امرأة متبرجة، على مشارف العقد السابع من عمرها، منبهرة بالدنيا ومُقبلة على متاعها وكأنها صبية في العشرين، هدها الله وأطال عمرها، لا تزال حتى هذا السن تنمص وتلون وجهها بمختلف الألوان البراقة، تصبغ شعرها حسب الموضة وتطيل أظافرها بل توليها عناية منقطعة النظير، لدرجة أنها تتناول فيتامينات لأجل صلابتها والحفاظ على جمالها، والدتي فقدت دينها بعدما ترمّلت ولم يكن لديها أي رادع يمنعها عن السير في هذا الطريق، كنا صغارا ولا نقوى على معارضتها، كبرنا وكلنا خزي واستياء، لأنها دفنت الحياء مع والدي رحمه الله، لقد تزوجت أكثر من مرة ولم تعمر في بيتها ولو مرة، لأنها متقلبة المزاج وتصعب معاشرتها، لقد انصرفنا عنها جميعا بعدما تزوجنا، علما أني الوحيد الذي يقيم بالجزائر، أما إخوتي فهاجروا الى بلدان مختلفة، لقد أحسنوا صنعا لأنهم تحرروا من بطشها، أما أنا وباعتباري البكر بقيت إلى جوارها، علما أنها رفضت إقامتي معها في المسكن العائلي، ما دفعني الى العيش مع زوجتي وأولادي في غرفة ضيقة والحمد الله أني بعد سنوات من العناء أكرمني الله بمسكن اجتماعي، تصورا أنها رفضت أن يقيم معها ابني الراشد، لأنه بات ضروريا أن ينام في مكان بعيدا عن شقيقاته، أردت بذلك أن أفرق بينهم في المضاجع امتثالا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالدتي لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقدم أية خدمة دون مقابل حتى إلى أقرب الناس إليها، وهل يوجد أكثر من فلذة كبدها الذي لم يرق قلبها لوضعه، المهم أنني لست في مقام لمحاسبتها أو ذكر مساوئها، فما دفعني لطرح هذا الانشغال، أنها لم تتقبل فكرة ارتداء بناتي للباس الشرعي كونهن صغيرات، حسبما تعتقده، علما أنهن في سن حرجة، أكبرهن في العشرين وأصغرهن في الثالثة عشر، لقد حرضتهن كثيرا كي يخلعن الحجاب، وعندما فشلت في هذا المسعى قاطعتني وأقسمت ألا تكلمني لأني عصيت أمرها .إخواني القراء أعلم انني لست مخطئا، ولن أتراجع عن هذا القرار بعدما ألزمت بناتي بارتداء الحجاب، وقد فعلن ذلك بكل حب وطواعية لأني أحسنت تربيتهن، لكني في المقابل أبحث عن طريقة كي أرضي والدتي وأجعلها تُعدل عن فكرة مقاطعتها لي وأرغب في وصلها، فمهما يكن فهي من حملتني وهنا على وهن وجنّتي تحت أقدامها.
يزيد/ سكيكدة