في الوقت الذي ينصح الطب بغير ذلك…العائلات الجزائرية ترغّب أطفالها الصغار في الصوم وتحتفل بذلك
من العادات التي لا زالت العائلات الجزائرية تحتفي بها، هي تلك المتعلقة بصوم الطفل الصغير لأول مرة، والتي وإن كان الكل يتفق في الاحتفال بها، فإن الكيفية تختلف من منطقة إلى أخرى، وبين الغرابة والاستحسان، يتم تعويد الطفل بصوم بعض الساعات ثم نصف اليوم، إلى أن يتمكّن من إتمام اليوم كاملا.
“ليلى”، سيدة من البليدة تقول إنها يوم صوم ابنتها أول مرة لم تنس ما عكفت عليه سيدات البليدة، وهو الشيء الذي قامت به والدتها يوم صيامها أول مرة، فعادات البليدة في ذلك تقول “ليلى” هي عادات لا تنسى، تتذكرها إلى يومنا هذا، فالفتاة يوم أول صيام يحضر لها ما تشتهي من الأكلات، تلبس أجمل ما عندها، أو يقوم أحد والديها باصطحابها إلى السوق حتى تختار ما تشاء من الثياب التي تروقها، حتى تبدو في أجمل حلة في يومها المميز ذاك، إضافة إلى شراء الهدايا، ثم تتصدر في مجلس نسائي، في إشارة إلى الاحتفال بتمكّن الطفلة من إتمام اليوم.
أما الذكور فيطبخ لهم ما يشتهون أيضا، مع السماح لهم بدعوة أصدقائهم لمشاركتهم الإفطار أو السهرة. تقول ليلى إن ذلك اليوم كان مميزا في طفولتها، بل وفي حياتها، وهي متأكدة أنه سيكون كذلك بالنسبة إلى ابنتها، التي تقول عنها إنها تمكّنت من الصوم في سن مبكرة وهي الخمس سنوات، لذلك فقد كافأتها بيوم مميز من الإفطار إلى السهرة التي أخذتها فيها إلى مدينة الألعاب، وسوف تتذكره وتعيده مع ابنتها يوما.
ليلى وككل الجزائريات بدأت تدريب ابنتها على الصوم منذ مدة، حيث أول صيام لها كان عندما صامت نصف يوم، وإن كانت قد قضته في الدراسة إلا أنها جعلتها تعتقد أنها قامت بشيء عظيم ومميز، بعد أن كانت تدربها على الصوم لساعة ثم اثنين وهكذا.
ولكن إن كان كل الجزائريين يعمدون إلى تدريب أولادهم منذ الصغر على الصوم، فهو الشيء الوحيد الذي تتفق في طريقته كل العائلات دون استثناء، ذلك أن الطفل يعوّد على تقبّل الجوع وتحمّله شيئا فشيئا.
العائلات البسكرية تحتفل بصوم الصبي لأول مرة
للعائلات في الجنوب أيضا عاداتها في الاحتفال بصيام ابنها لأول مرة. تقول “منال” إنها لا زالت تتذكر يوم صيامها أول مرة، حين حضّرت لها والدتها ما طلبت، كما أقيم لها احتفال بالمناسبة، وتضيف منال أن أهم ما يميز احتفالهم بالمناسبة هو دعوة الأحباب في السهرة، حيث يلتف الكل خاصة الأطفال حول الصائم الصغير، ثم تجمع العديد من الحلويات والمكسرات من الفول السوداني وجوز إن أمكن، وغيرهما ..إضافة إلى نوع من الحلوى لا يباع إلا في بسكرة وضواحيها، ويعتمد عليه بصفة دائمة في أعراسهم، هذا الخليط يوضع في إناء، ثم يوضع هذا الأخير أمام الطفل الصغير، لتقوم بعدها والدته بأخذ كل مرة حفنة من الخليط، وإعطائه لطفل آخر حتى يحذو حذو ابنها، ثم تستمر السهرة وسط فرحة الأطفال.
أما في ولاية سطيف مثلا، فيعطى الطـفل كأسا من الماء المحلى بالسكر داخله خاتم من الفضة في الغالب، فيؤخذ الخاتم ويشرب الطفل الماء المحلى، حتى يصبح الصوم أحلى شيء في قلبه. وفي الوقت الذي تقوم بذلك بعض العائلات العاصمية، فإن المشروب يتغير من عائلة إلى أخرى، فالبعض يجعل في الكأس، “شاربات” والبعض الآخر حليبا، أو لبنا….
أما في بعض مناطق الغرب، فتطبخ دائما للصائم الصغير أحسن الأكلات، كما يشترى للولد أو البنت لباسا تقليديا، ليتباهى به أمام أقرانه، و هو الشيء الذي يجعل الطفل يعتقد أنه كبر بالقدر الذي يسمح له بالتصرف مثل الكبار، بدليل أنه تمكّن من الصوم. تقول “ليندا” إن أكبر أولادها حينما صام أول مرة، جعلها طيلة اليوم تفكر فيما يمكن أن يسعده من أطباق، وأيضا حلويات، وقد جربت يومها إحدى الحلويات الشرقية التي تعلمتها يومها، وقد كانت رائعة ونالت إعجابه بل لا زال وهو الآن يبلغ من العمر 35 سنة يطلب منها تحضيرها في رمضان خصيصا لأنها ظلت دائما مميزة النكهة، التي يقول إنها تعيد إليه الشعور بأول يوم صامه في حياته.
وفي الوقت الذي تتفاخر بعض العائلات بجعل أولادها يصومون في سن مبكرة، فإنه من الناحية الصحية، يرى الدكتور (ر.ق)، مختص في طب الأطفال، أنه من الأحسن ترك صيام الطفل حتى سن الثامنة، لأن في هذه السن تتغير معطيات الجسم الفيزيولوجية، بحيث يصبح قادرا على تحمل الجوع والعطش أكثر مما لو كان طفلا، إذ هناك احتمال إلحاق ضرر بالأطفال في حال صيامهم في السنوات الأولى من العمر، لأن امتناع الطفل عن الطعام أو منعه عنه مدة تزيد عن 10 ساعات قد يعرضه إلى نقص السكر في الدم وجفاف الجسم من الماء، وربما حتى “الأنيميا” ما دام صام لعدة أيام متتالية.