فنانون في شتم الآخرين… أسقطوا الأغنية الرياضية إلى أسفل السافلين
بين أهازيج
” جيبوها يا لولاد” و”الجهاد، الجهاد في البلاد وبين “مبروك علينا هذي البداية وما زال مازال” و”الحرب، الحرب..” جيل كامل، مفاهيمتغيرتومسطحات تبدلت وثقافة دخيلة إقتحمت الساحة الكروية عندنا، جيل صار لا يتلذذ إلا عندما يسيء إلى الآخر، كما يحدث في مدرجاتنا، أين يحضرالسب والشتم والتجريح، بشكل يجعل دخول المرأة ألى ملاعبنا مؤجلا إلى أن يبعث الله قوما آخرين مكاننا، على النقيض تماما مما كان يحدث سنوات السبعينات والثمانيات. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، لأن “موضة” السنوات الأخيرة، صارت اقتحام مغني آخر صف الساحة الفنية، من خلال المتاجرة بأسماء بعض الفرق الرياضية، وليت الأمر توقف هنا، لأن المناصرة في رأيهم تتعدى إلى التجريح وإزرداء الآخر من خلال التقليل من قيمته وإحتقاره، لسيما الفرق التي تعرف بإسم “الجار العدو”، حيث وصل الحد ببعض المغنيين إلى وصف منافسيهم بأسماء فتيات ومن منا لم يسمع أغنية “نعيمة وحياة”، فيما تبرأمناصرو وفاق سطيف العام الماضي من ألبوم غنائي لمطرب دخيل وصل به الحد الى الحديث عن صديقته “البرايجية” التي تنفق عليه المال، فقط من أجل الربح التجاري ومن أجل تحقيق غايات نفسية معينة.
الغناء على طريقة خالف تعرف
“قروب ميلانو”، “قروب طورينو”، “قروب فالونسيا”، “حمزة”، “هشام” ومغنون ومجموعات أخرى انتشرت كالفطريات، لولا كرة القدم والفرق الرياضية التي يتغنون بإسمها لما سمعنا عنهم، حيث استعملوا نواد معينة للوصول إلينا، بصرف النظر عن ميولاتهم، وما إذا كانوا رياضيين فعلا أم لا، فهناك مطربون بالجملة يغنون لفرق وهم في الأخير لا يعرفون عنها إلا اللون الذي ترتديه، ومهما يكن فإن هؤلاء وغيرهم من الذين ليس لهم أي رصيد فني، يستغلون عدم خوفهم على أي شيء يخسرونه، للغناء بكلمات تتعدى الذوق العام وتتهجم على الفرق الأخرى بكلمات قاسية أحيانا، وفي مناسبات أخرى بذيئة، وفي مناسبات ثالثة مرصوصة جيدا، ومليئة بالألفاظ التي تدعو صراحة إلى العنف وتشيد به وغير ذلك من الرسائل التي تحملها بعض الأغاني، ويراها البعض جسرا صغيرا للوصول إلى جميع الناس، طالما أن الكلمة الجميلة والرزينة والهادئة لا يمكن أن تفعل فعلتها وسط الجمهور الشاب المعبئ بأفكار الهجرة ،والتمرد ومخالفة الأعراف نقمة على الظروف الإجتماعية السائدة.
شح المواضيع، أم شح التفكير
يرى كثيرون أن الأمر له علاقة أيضا بشح المواضيع، وغياب إنجازات الكرة الجزائرية، وحتى النوادي، فعندما يتغنى فنان بفريق صغير من دون ألقاب ولا رهانات، فإنه من الطبيعي أن لا يجد ما يقوله، ثم إن جميع المواضيع صارت مستهلكة، فلا تخلو أي أغنية من الحديث عن “البابور”، “الحرقة”، “الفيزا”،الأمرالذي دعا كثيرين إلى تغيير الوجهة من خلال الإشادة بقوة المناصرين عددا، وحتى قوتهم الجسمانية، فصارت كلمات “كاميكاز”، “رجلة” و”الفحولية” تسجل حضورها بشكل دائم في كلمات هذه الأغاني، وفي ظل غياب كتاب الكلمات وحتى مؤلفي الألحان، صارت نفس الأغاني تجتر وتكرر، وتعيد نفسها بألوان أخرى وبوجوه جديدة، يختلف مغنوها لكنها تشترك في ضعف الصوت، والجهد الذي يبذله المنتجون في تعديل الصوت بإستعمال الآلات الخاصة لإصلاح ماأفسده الزمن.
رأي علم النفس في القضية
للإلمام بالموضوع، اتصلنا بأستاذ الطب النفسي أوقاسي لونيس وطرحنا عليه السؤال حول الغاية النفسية التي يرجوها فنانون يشجعون فرقهم بكلمات تدعو للعنف، وتشتم الآخر من خلال إزدرائه والتقليل من قيمته فقال:“أولا الغاية تجارية في كل هذا، غرضها البيع، ولا أعتقد أنه توجد نية أخرى لهؤلاء عدا هذاالأمر، فهم لا يعرفون الأبعاد الخطيرة لكلمات أغانيهم، التي يطبقون بها تقسيم الجهات، وهي طريقة الجنرال الألماني “geubles” الذي طبق ما نعرفه عندنا في الجزائر بفرّق تسد، هذه الهجومات الشرسة في الأغاني، والعبارات المستعملة تؤدي إلى تفجير المصالحة التي نعيشها كجزائريين وتفتت أخوتنا، رغم أني أشكك كثيرا في نوايا هؤلاء وما إذا كانوا على إطلاع أن أغانيهم تخلف آثارا سلبية على الجمهور المتلقي“، وتطرق محدثنا إلى نقطة أخرى تتعلق بتردي الوضع الفني قائلا :“ تدني المستوى الفني، جعل هذه الأغاني تشيع وتجد من يستمع إليها، لا يجب تماما أن ننتظر من مجتمع مريض أن يعطينا فنانين أصحاء، فالإنسان ابن بيئته، وبالنسبة لي هؤلاء الفانين يحاولون إعطاء صبغة قانونية للعنف في الملاعب“.