عودة الهدوء إلى حي بني مسوس بعد تدخّل أئمة الأحياء المجاورة
عاد الهدوء أمس، إلى حي بني مسوس الذي عرف اشتباكات عنيفة نهاية الأسبوع الماضي إثر مقتل الشاب ”كريم لومايني”، حيث تمكنت لجنة تحكيم تضم عددا من أئمة الأحياء المجاورة وعناصر من الأمن الوطني إلى جانب كبار وعقلاء الحيين من تهدئة الأنفس وإقناع المتظاهرين بالعدول عن أعمال الشغب والعنف، مع تغليب الحوار في إيجاد حلول ترضي كلا الطرفين.
سارعت مصالح أمن ولاية الجزائر حسبما علمت ”النهار” إلى تشكيل لجنة خاصة متكونة من أئمة مسجدي معاذ بن جبل وأول نوفمبر، بالإضافة إلى ممثلين عن الشرطة وبعض المسؤولين المحليين، الذين اجتمعوا بكبار وعقلاء الأحياء المتنازعة ووالد الضحية، كما قاموا بتأدية واجب العزاء لعائلة الفقيد إثر المصاب الذي ألم بها، قبل أن يتوصل إلى التسوية بين الطرفين مع الحصول على وعود بعدم تكرر الاشتباكات والدخول في مناوشات خطيرة، قد تؤدي إلى وقوع ضحايا آخرين.
وخيم منذ صباح البارحة هدوء حذر بأعالي بني مسوس لاسيما على مستوى منطقة ”السد” التي تحولت الخميس المنصرم، إلى ميدان حرب نشبت بين شباب بني مسوس وشاغلي السكنات الاجتماعية المرحلين حديثا من حي ”جنان حسان”، استعمل فيها كافة أنواع الأسلحة البيضاء من سيوف وخناجر وغيرها من السكاكين والسواطير، حيث ضلت قوات الأمن مرابطة للأماكن وجميع الأحياء المجاورة تحسبا لأي تطورات جديدة أو انفلات امني، لاسيما في ظل التهديدات التي وجهها بعض أصدقاء الشاب ”كريم” صاحب 17 ربيعا والذي لقي حتفه أول أمس في خضم الاشتباكات، متوعدين بالانتقام لوفاته بعد صلاة الجمعة، رغم التوصل إلى حل مبدئي يرضي كلا الطرفين.وقامت مصالح الأمن بإرسال تعزيزات هامة من قوات مكافحة الشغب فضلا عن وحدات من الشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر إضافة إلى عدد من الأفراد بالزي المدني مدعمين بشاحنات قذف المياه وتفريق المتظاهرين، الذين احتلوا منذ الساعات الأولى جميع الأحياء المجاورة لمكان وقوع الاشتباكات مع نصب تشكيلات أمنية عبر الممرات والأزقة الرابطة بين الحيين، بما لا يسمح بتسرب أي مشاغبين يحاولون زرع الفتنة أو إشعال فتيل المواجهات مجددات، وإلى غاية صلاة الجمعة ظلت الأجواء مستقرة، حيث خص أئمة المساجد خطبهم حول الموضوع وكيفية إقناع الشباب بالعدول عن العنف، غير أن ذلك لم يمنع بعض المتهورين من محاولة تشكيل بعض المجموعات التي كانت تستعد إلى الالتحاق بالسكنات الاجتماعية تزامنا خروج المصلين من المساجد، مطالبين بإطلاق سراح أصدقائهم وأفراد عائلاتهم الذين اعتقلوا أول أمس خلال المواجهات، ليتدخل عدد من ضباط الشرطة في الزي المدني، ممن قاموا بالإقتراب من هؤلاء الشباب وإقناعهم بالعودة أدراجهم بطريقة سلمية معبرين في نفس الوقت عن استعدادهم لنقل انشغالاتهم إلى السلطات المعنية، لتسود مجددا أجواء الهدوء والاستقرار في المنطقة.
خرج ليجلب التبن لكبش العيد ولم يعد
عـائـلة كـريم تـطالـب بلجنة تحـقيق في وفـاة ابـنها
”ابني ذهب ليشتري التبن لكبش العيد وخاطيه المشاكل” ”لن اسمح في دم وليدي وأطالب بالكشف عن الفاعل ومعاقبته” ”نحن لانريد أن يكون ابننا كذريعة للقيام بأعمال شغب والفتنة”، بهذه العبارات استقبلنا والدا ”عبد الكريم روميني” الذي أصابته رصاصة في الجبهة، عقب اندلاع مواجهات بين شباب بني مسوس والمرحّلين الجدد إلى سكنات اجتماعية بالحي والتي استدعت تدخل قوات قمع الشغب لوقف أعمال الشغب التي اندلعت بداية من يوم الأربعاء الماضي ودامت طيلة ليلة كاملة انتهت بمقتل الشاب كريم.
والدة الضحية: ” لن أسمح في دم ولدي.. ولا أريد أن يكون سببا في أعمال شغب ”
”النهار” تنقلت أمس إلى منزل الضحية الواقع بحي عين فران ببني مسوس، أين استقبلتنا عائلته في بيتها المتواضع، حيث قالت والدته التي بكل صبرها رغم فراق فلذة كبدها أنها لم يتم اخبارها بمقتل ابنها إلى غاية الصبح أول أمس وأخبروها أنه في حفلة زواج، وعلمت في الصباح من إحدى جاراتها أن ابنها أصيب بالرصاص خلال أعمال الشغب، أكدت أم كريم أنها لم تستطع الصبر على ولدها التي أصرت على معرفة إن كان حيا أوميتا، مؤكدة أنها أخبرتهم بنقلها إلى المستشفى، لكنها في الطريق عادوا بها إلى المنزل وأخبروها بوفاة فلذة كبدها، وذكرت لنا أنها لم تتحمل الصدمة، خصوصا أن ابنها أصغر أولادها سنا لم يدخل 17 سنة بعد.قالت ”أم كريم” التي كانت بكل صبرها طيلة حديثنا معها، رغم المأساة التي مرت بها، حيث ذكرت لنا أنه سبق وأن تعرضت لإصابة برفقة ولدها الضحية على مستوى رجلها بعد انفجار قنبلة بسوق باب الوادي سنة 1998 ، مما أدى لقطع الأصابع الأربعة للضحية في نفس الحادث بعدما كان برفقتها.الأم التي كانت جالسة فوق السرير، رفضت أن تربط أي أعمال شغب تقع بسبب وفاة ابنها، مؤكدة أنه تطالب بدم والدها وباجراء لجنة تحقيق في أسباب وفاة ابنها، كما أضافت أنها لاتريد أي فتنة أو أعمال تخريب، لكنها كما قالت أنها لن تسمح في دم ابنها، وأطالب بمعاقبة المتسبب في الوفاة أي كان.وواصلت الأم التي كانت في كل مرة تذكر خصال ابنها الذي قالت إنه لم يكن من الذين يجلبون لها المشاكل، مضيفة أنها تعرفه جيدا بحكم صلة القرابة الكبيرة وكل أصحابه الذين ينادونه إلى البيت من أولاد الفاميليا، ولم يكن حتى يثير ”الطوايش” -كما قالت– داخل الدار، وكان لا يغادر البيت حتى يعلمها عن الوجهة التي سيذهب إليها حتى وإن خرج غير بعيد عن البيت.لم تخف أم كريم شيئا عن ولدها إلا وأخبرتنا عنه، حيث قالت إنه سبق وتعرض لحادث اعتداء من طرف أحد الأشخاص بواسطة سكين سبب له جروحا، لكنه لم يتم الإبلاغ عنه لكونه –رحمه الله– رفض ذلك رغم إصرارها ، وفي ختام حديثنا معنا، حرصت هي الأخرى، وطلبت منا كتابة كل ما صارحتنا به، مع التركيز على ضرورة معاقبة الفاعل، لكونها لن تسمح في دم ولدها، الذي خرج لجلب التبن لكبش العيد ولم يعد.
عمي الطاهر: ”ابني أصيب برصاصة خاطيه المشاكل وأطالب بلجنة تحقيق”
ومن جهته، والد الضحية ”عمي الطاهر” الذي يبدو ضعيف البنية ومتقدم في السن يكاد الشيب يغطي رأسه كلية، بصوت غير مسموع تقريبا، يبدو أنه تأثر كثيرا لفراق ابنه الأصغر، فتح هو الآخر قلبه وأكد لنا أن ابنه ترك المدرسة في سن مبكرة بعد إخفاقه في الدراسة في السنة السابعة بعد اجتياز شهادة التعليم الابتدائي بنجاح، لكنه لم يكن من أصحاب المشاكل أو مرافقي أصحاب السوء.
والد كريم رب لعائلة تتكون من ثمانية أفراد قبل وفاة كريم، الأم وثلاث بنات وثلاثة أولاد، طالب بالحصول على الحقيقة وفتح تحقيق في الوفاة التي يرفض هو الآخر اتهام أي كان إلى غاية الوصول إلى الحقيقة، الأب الذي يعمل حارسا ليليا هو الآخر ذكر أنه لم يسمع بوفاة الابن إلى غاية عودته من العمل في الصباح، دعا أيضا مواطني الحي إلى التعقل وتفادي أي أعمال شغب واتخاذ ابنه كذريعة، مؤكدا في الأخير أن ابنه قتل بالرصاص وعليهم إظهار الحقيقة كما هي دون تزييف.
وفي السياق ذاته ، ذكر عمي الطاهر أن ابنه دفن بعد صلاة المغرب من أول أمس لتفادي وقوع انزلاقات أو تطور في الأوضاع بحسب ما اتفق عليه مع الامام والسلطات البلدية، في إشارة منه إلى أنه لا يريد المشاكل بتاتا بل يسعى إلى الحصول على الحقيقة في مقتل ابنه الأصغر ومعاقبة المتورطين ولا يريد حدوث أي مشاكل. الأخ الأكبر لكريم المدعو ”حمزة”، أكد أن أخاه مات بالرصاص وعليهم كشف الحقيقة كاملة، كما رفض حمزة الذي كان موضوعيا رفض كلمة ”خاطيه”، لقوله أنه مادام في الصف الأمامي فإنه ذهب إليهم شخصيا، لكن هذا لايعني إطلاق الرصاص عليه، وهو الشيء الذي رفضه أخوه ”نبيل”، الذي طلب برفقة أخيه فتح لجنة تحقيق كبيرة واستدعاء الشهود لكشف الحقيقة كما هي.
خطبة جمعة تنهي المشادة الدموية بين أبناء حي السد وحي بن حدادي في بني مسوس
دعا إمام مسجد معاذ بن جبل ببني مسوس، إلى التعقل وعدم الجري وراء الفتن وإثارة المشاكل بين اولاد الحي والبلد الواحد، محذرا أنه ليست من سمات المسلمين ولا تمت إلى الإسلام في شيء.ودعا إمام المسجد القريب من مسكن الضحية ”كريم” خلال إلقائه لخطبة الجمعة شباب مواطني الحي إلى التعقل وعدم إثارة الفتن، مستشهدا بأحاديث الرسول الكريم التي تدعو إلى عدم إثارة الفتن التي تعتبر أشد من القتل، ولعن الله من أيقظها، كما دعا أيضا كبار السن من الحي إلى تأدية دورهم في النصيحة ومحاربة هذه الأمور التي لا تمت إلى ديننا في شيء.وفي السياق ذاته، دعا الإمام الآباء إلى تربية أولادهم أثناء صغرهم قبل أن يكبروا حتى لا يستطيع التحكم فيهم وتربيتهم على تعاليم الدين الإسلامي، مضيفا أن هذه الأمور التي ظهرت مؤخرا من التناحر بين أولاد الحي الواحد والبلد ليست من سمات المسلمين ولا من عاداتنا وتقاليدنا.
يحظون بالقبول والإحترام وتأثيرهم كبير على الشباب
أئمة ومشايخ يحوّلون تجمّعات سكانية ساخنة إلى أحياء آمنة
تمكن العديد من الأئمة الشباب المعروفين بتأثيرهم الكبير على الشباب من تحويل أحياء ومناطق ساخنة في العاصمة إلى أحياء آمنة، رغم المضايقات التي يتعرضون لها من طرف مفتشي وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الذين يعملون بطريقة غير مباشرة على تحويلهم إلى مساجد أخرى وأحيانا منعهم من إلقاء الدروس والخطب من خلال التقارير التي يرفعونها عنهم إلى الجهات الوصية. هي سابقة تلك الأحداث التي شهدتها بعض التجمعات السكانية الجديدة التي تمت فيها عمليات الترحيل الأخيرة والتي مست عدة مواقع بولاية العاصمة كبئر توتة، درارية، بئر خادم وبني مسوس وغيرها، حيث جرى ترحيل وإعادة إسكان مواطنين من أحياء شعبية متباعدة وأحيانا تتميز العلاقة فيما بين شبابها بالاضطراب والتشنج نتيجة الحساسية بين الأحياء والتي غذاها بشكل كبير مناصرة كل حي لفريق معين مما زاد الأمر تعقيدا، خاصة بعدما وجدوا أنفسهم وجها لوجه ويقطنون في حي واحد لتنتقل الصور التي تشاهد في ملاعب كرة القدم بعد المباريات إلى الأحياء، وإن كان هذا أحد الأسباب فإن لاضمحلال الوازع الديني دور كبير في بروز مثل هذه التصرفات.
ورغم أن بعض الأحياء في العاصمة تتوفر فيها كل الأسباب لاندلاع أحداث شغب ونشوب المشادات بين أبناء الأحياء، إلا أن وجود بعض الأئمة المعروفين بتأثيرهم الكبير على المجتمع والمواطنين في العاصمة، جعل من العديد من الأحياء على غرار عين البنيان غرب العاصمة، عين النعجة، ديار الجماعة وباب الزوار أحياء آمنة.
وفي هذا الشأن، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يؤكد العديد من سكان عين البنيان غرب العاصمة أن الشيخ ابن زيدان وهو من المراجع السلفية يلقى لديهم قبولا كبيرا عكس باقي الأئمة لأن معظم الدروس والخطب التي يلقيها عليهم تزيد من وعيهم خاصة في مجال المعاملات بين بعضهم البعض، فضلا عن أن الشيخ يحظى بالإحترام من قبل الجميع وكلامه مسموع ومؤثر وهذا رغم أنه يقوم بإلقاء الدروس والخطب بعد رخص يحصل عليها من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لأنه إمام غير معتمد من طرف وزارة الشؤون الدينية وهو الأمر الذي جعله يتنقل من مسجد إلى آخر.
نفس الأمر ينطبق على حي النعجة في العاصمة فرغم أن الحي رحِّل إليه العديد من السكان من مناطق مختلفة من العاصمة، إلا أن المشادات بين أبناء الأحياء هذه الأيام تكاد تكون منعدمة نظرا إلى التأثير الكبير لبعض الأئمة وعلى رأسهم الشيخ عز الدين رمضاني والشيخ نجيب اللذان يلعبان دورا كبيرا في توعية أبناء عين النعجة والأحياء المجاورة لها، وهذا بالرغم من حداثة وجود الشيخ عزالدين بالمنطقة علما أنه كان يلقي خطبا ودروسا بالدرارية.مثل هذا التأثير الكبير للأئمة المذكورين في المحيط الذي هم فيه لا نجده في الأحياء المذكورة سلفا فقط بل في العديد من الأحياء على غرار الشيخ لزهر في الصنوبر البحري والشيخ عبد الغني عويسات في ديار الجماعة والشيخ فركوس في القبة رغم أن هذينالأخيرين لا يسمح لهما بإلقاء الخطب في المساجد، وكما حدث أمس في بني مسوس تمكن الشيخ إلياس والشيخ رضا وهما إمامان شابان من إيقاف المشادات بالتنسيق مع بعض العقلاء وإلا فإن المواجهات بين أبناء الأحياء كانت ستنتهي بكوارث لو استمرت.
يرفضون الصور والظهور ويتطوّعون رغم المضايقات
حاولت ”النهار” الإقتراب من بعض الأئمة لتسليط الضوء أكثر على ما يقومون به، إلا أن أغلب هؤلاء يرفضون نشر صورهم أو حتى تصويرهم أو الإدلاء بتصريحات للصحافة، الأمر الذي صعب علينا تسليط الضوء على ما يقومون به من أعمال في سبيل تحقيق الأمن والإستقرار داخل الأحياء ولا يرغب هؤلاء الأئمة في الظهور؛ بل الأكثر من ذلك فهم يتطوّعون في الكثير من الأحيان لفك النزاعات والصلح بين المتخاصمين رغم المضايقات التي يتعرّضون لها. محمد. ب
شباب حي السد يهاجمون مرقد الشرطة بالمولوتوف ويحرقون جزءا منه ببني مسوس
هاجم ليلة أول أمس، مجموعة من الشباب الغاضب مقر الأمن الحضري لبلدية بني مسوس على ضوء موجة الغضب والمشادات الدامية التي اندلعت بين شباب حي السد والمرحلين الجدد من حي جنان حسان إلى بلدية بني مسوس.
وقد أقدمت مجموعة من الشبان على مهاجمة المرقد الخاص بعناصر الشرطة الموجود بمنطقة السد أو كما يدعى ”الباراج” بالملوتوف، مما تسبب في اشتعال جزء منه، فيما هاجمت مجموعة أخرى مقر الأمن الحضري بالحجارة والقوارير الزجاجية، يأتي هذا على خلفية مقتل الشاب ”كريم لومايني” برصاصة طائشة يجهل مصدرها على غاية الساعة، وكانت ”النهار” قد أشارت إلى مقتل الشاب ليلة الخميس، وقد دامت المواجهات بين مصالح الشرطة والشباب الغاضب إلى غاية الساعة الثانية من صباح أمس مما تسبب في وقوع 25 جريحا بعد مواجهة مصالح الأمن للشباب الغاضب بالغازات المسيلة للدموع، فيما تم تسجيل 5 جرحى في صفوف الشرطة .