حافلات تحوّلت إلى علب سردين وقابضو تذاكر إلى مصارعين
بقلم
النهار
يواجه مستعملو الحافلات بالمدن الكبرى، خصوصا العاصمة، مشاكل عديدة أثناء التنقل سيّما في أوقات الذروة التي تتشكل فيها طوابير طويلة من المسافرين، حيث يتم التسابق والتزاحم بشدة للظفر بمكان أو مقعد. وبالموازاة مع تلك المعاناة تنضاف معاناة أخرى تتلخص في سلوكيات أصحاب الحافلات من الخواص الذين حوّل بعضهم قطاع النقل الحضري بكبريات المدن -مؤخرا- إلى مسرح لفوضى عارمة بكل ما تحمله الكلمة من معان
-
كان لابد أن يؤدي تحرير قطاع النقل إلى تحسين ورفع مستوى خدمات القطاع، لكن النتيجة مع مرور الوقت أصبحت كارثية، نتيجة عدم احترام قواعد التشغيل والمنافسة غير المشروعة من قبل بعض المتعاملين في المجال الخاص، وعدم تحلّيهم بالكفاءة المهنية وتفكك شبكات النقل وضعف الخدمة العمومية التي أصبحت غير كافية لتلبية حاجيات مستخدميها. ناهيك عن الانتهاكات التي يمارسها بعضهم من إفراط في السرعة وخوضهم سباقات طويلة للوصول قبل غيرهم، الأمر الذي حوّل حظيرة النقل إلى سوق حرة الكل “يغني فيها بغناه“. وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة النقل إلى أن المركبات تحت الخدمة منذ أكثر من15 بلغت ما نسبته 30 ٪ من مجموع مركبات النقل العام، وإن لم تكن هذه الإحصائية ذات دلالة أو كافية لنقل الصورة كاملة عن واقع النقل الحضري في كبرى المدن الجزائرية، وبالأخص بالعاصمة، فإن زيارة أي محطة حضرية للنقل وركوب حافلة، من نقطة إلى أخرى، أمر كاف لاكتشاف حقيقة ما يتجرّعه الجزائريون من مرارة التنقل يوميا عبر “هياكل حديدية” تسمى مجازا وسائل نقل، وبرفقة “أشخاص” يُطلق عليهم اسم سائقين وقابضي تذاكر. واقي الصدمات أو ما يعرف بـ “البارشوك” مربوط بسلك صدئ.. وأبواب آلية لا تفتح إلا بـ “دعاوي الخير“.. ومقاعد نتنة يكسوها الغبار. تلك هي جزء من صورة كاملة تختصر واقع أغلب حافلات النقل الحضري بالعاصمة، أو في عنابة، قسنطينة و وهران ولو بشكل أقل حدة. ومقابل تلك “الأكسسوارات” الدالة على ما “تزخر” به حافلات النقل العام في كبريات المدن في الجزائر من “تقدم وخدمات” وما توفّره من “رفاهية“، فإن ركوب أي من تلك الحافلات التي كان معظمها “شاهد” على فترة ترديد شعارات “الثورة الزراعية“، هو بمثابة الرحلة نحو الجحيم، ليس لأن المسافة ستكون طويلة أو لأن الطريق ستكون عبر مسالك وعرة، بل ببساطة لأن الحافلة التي من المفترض أن تقل ثلاثين شخصا على الأكثر تتسع لستين، عملا بالقول الشعبي المأثور “الضيق في القلوب“.
-
“زيد قدّم ARIERE‘L“
-
هذه الكلمة معروفة بكونها متداولة بشكل كبير على ألسنة قابضي التذاكر بحافلات النقل الحضري، وإن كان الكثير يتّخذ من تلك الجملة المناقضة للمنطق ولقواعد الفيزياء، كون التقدم يكون للأمام وليس للوراء، مثارا للسخرية والضحك، فإنها من جهة أخرى تختزل معاناة الكثيرين من مستعملي تلك الحافلات الذين يجري “دكّهم” فوق بعضهم البعض، بدعوى وجود أماكن شاغرة للوقوف بها، وفسحات في زوايا الحافلة، يمكن ملؤها.. كلمة أخرى شاع ترديدها من طرف قابضي التذاكر، وهي “هاذي هي الركبة فالكار“، وهي تستعنل غالبا من طرفهم للرد على “الزبائن” من المتذمّرين، والقول لهم بشكل غير مباشر “إن لم يعجبكم الأمر اختاروا التنقل على متن سيارات الأجرة“. وغالبا ما تصدر مثل هذه العبارات فور إبداء أحد الركاب عن تذمره أو احتجاجه على تخلّف موعد إقلاع الحافلة، أو بطئها الشديد، أو إصرار سائقها والقابض على “دكّها عن آخرها” بالمسافرين ومبالغتهم في ذلك، إلى درجة أصبح فيها الكثير يشبه حافلات النقل الحضري بـ “علب السردين” نسبة إلى حالة الاكتظاظ الكبير الذي يفضل أصحابها نقلها المسافرين عليها. وكثيرا ما كان لتلك الاحتجاجات المعبّر عنها من طرف المسافرين نتائج سلبية تمثلت في نشوب ملاسنات لفظية أو حتى “معارك” بين السائق والقابض من جهة، و“الزبون” من جهة أخرى، على خلفية تعنّت “أصحاب الطرولي” وإصرارهم على التباطؤ أثناء السير لـ “مسح” و“تمشيط” كافة جوانب الطريق من المسافرين. لا يخفى على أحد أن هذه المظاهر وغيرها التي تطبع وتميّز سلوكات الناقلين على متن خطوط النقل الحضري بكبريات المدن -خاصة العاصمة– يهدفون من ورائها إلى مبتغى واحد ووحيد، هو “نقل” أكبر عدد ممكن من الرّاكبين، وبالتالي جني أكبر عدد ممكن من الدّنانير، حتى أنه أصبح يقال عنهم إنهم لا يرون في الرّكاب سوى “مجرد قطع نقطية من فئة 10 أو 20 دينارا“. وبلغت درجة استهتار هؤلاء بالمواطنين من الركاب، حد دخول أصحاب حافلات النقل العام أو قابضي التذاكر في مناوشات وحتى شجارات و“نزالات” مع الركاب من المواطنين.
-
نقل إلى نصف الوجهة
-
جوانب أخرى من ظواهر الفوضى التي يتسم بها قطاع النقل في <span
رابط دائم :
https://nhar.tv/a584F