جزائريون يعرضون تجربة مكافحة الإرهاب أمام الروس

طرح مدير معهد الإستشراق لأكاديمية العلوم بموسكو، نعومين فيتالي، التجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب على طاولة المناقشات التي حضرها لواء في هيئة أركان الجيش الروسي، وقال إن التجربة الجزائرية كانت ”ناجحة”، مشيرا إلى معاناة روسيا من هذه الظاهرة، خاصة في شمال القوقاز.
وتحدث السيد فيتالي عن أهمية التعرف على التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب خلال يوم دراسي عقد بمقر المعهد أول أمس في موسكو، بحضور عدد من الباحثين ومتتبعي الشأن الأمني في الجزائر وكذلك خبراء وساسة وعسكريين روس، تناولوا بالبحث كل الجوانب المتعلقة بمكافحة الإرهاب في الجزائر.
ويُعتبر مدير معهد الإستشراق لأكاديمية العلوم بموسكو نعومين فيتالي أحد أبرز مستشاري الرئيس الروسي، وقال إن دعوة وفد من الخبراء الجزائريين، تم بناء على طلب من الرئيس الروسي ميدفيدف الذي يرغب -كما أضاف- في فهم خصوصيات التجربة الجزائرية، عكس التجربة الإسرائيلية التي أخذت اهتماما واسعا لدى الأوساط الروسية خلال السنوات السابقة بعد فشلها.
في هذا الصدد تحدّث محند برقوق مدير مركز الدراسات الإستراتيجية لجريدة ”الشعب”؛ أن ظاهرة التطرف في الجزائر بدأت مع بداية الدولة الجزائرية مطلع الإستقلال، وقام بعرض مفصّل لمختلف إرهاصات العمل المسلح إلى غاية تحرك المجموعة الدولية للتضييق على مصادر تمويل الإرهاب بسنّ قوانين وقرارات أممية.
وخلافا للطرح الأوروبي الذي يربط تصاعد موجة الإرهاب بإلغاء المسار الإنتخابي، عاد الدكتور برقوق إلى عرض كافة الإعتداءات التى عاشتها الجزائر منذ سنة 1966 تاريخ إعدام سيد قطب في مصر، مشيرا في هذا الجانب إلى ضرورة وضع استراتيجية واضحة لتطويق ومحاصرة الإرهاب ومصادره الفكرية والروحية والمالية، من خلال الإستعانة بالزوايا وتشجيع إسلام الوسطية والتسامح، إضافة إلى قوانين تنظيم التبادلات المالية بين الأفراد وتأطير المساجد وغيرها.
وذهب إلى حد التأكيد على أن الجزائريين الذين شاركوا في الحرب الأفغانية، عددهم -كما قال- يتراوح ما بين 800 و 1400 تلقوا تدريبات من طرف المخابرات الأمريكية في أفغانستان، ممّا يفسر -حسبهم- القدرات التخريبية التي توفرت لديهم مبكرا بعد عودتهم إلى الجزائر.
من جهته أوضح الزميل أنيس رحماني مؤلف كتاب ”الأفغان الجزائريون من الجماعة إلى القاعدة” وكتاب ”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تهريب باسم الإسلام”، إلى أن كل التحاليل المعتمدة حاليا في تفسير الظاهرة الإرهابية في الجزائر، تعتمد على قوالب منهجية فرنسية أو أنجلوساكسونية، مشيرا إلى أن حالة الجزائر لا يمكن فهمها بدون التحدث ومعايشة عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة، الذين لهم وحدهم القدرة على تفسير الكثير من الجوانب الخفيّة في هذه الظاهرة.
وحسب أنيس رحماني؛ فإن سياسة المصالحة الوطنية كانت أداة سمحت لعناصر الجماعات المسلحة بالمساهمة وبشكل ميداني في قتل فكرة الجهاد وتوفير »بنك معطيات « ضخم للأجهزة الأمنية لملاحقة المارقين، مشيرا في هذا الشأن إلى أن الجزائر هو البلد الوحيد الذي تمكّن من أن يحوّل مؤسس وأمير تنظيم خطير مثل ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، إلى مناضل يتحدث في الإذاعة بحرية لمكافحة فكرة الإرهاب ودعوة رفاق الأمس إلى ”التوبة”.
ولاحظ رحماني أن المعالجة الرسمية للإرهاب خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية مثيرة للسخرية، عندما يتم الإعلان عن تجميد الحسابات البنكية لقادة التنظيمات الإرهابية الجزائرية مثل ”أبو مصعب عبد الودود”، وقال إن هؤلاء يتحركون في فضاء لا تنفع معه القوانين، مشيرا إلى أن الأنترنت قلّصت المسافات بين التنظيمات الإسلامية المسلحة، وجعلتها تتواصل فيما بينها بشكل أفضل من التنسيق القائم بين أجهزة الأمن في هذه الدول.
وتحدّث محمد خوجة أستاذ بمعهد العلوم السياسية عن مختلف أشكال المواجهة العسكرية بين القوات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وقال إن مواجهة القوي مع الضعيف تأخذ أشكالا متعددة، حصرها في تجارب الولايات المتحدة الأمريكية ضد » طالبان « وفي تجارب دول أخرى.
وقال الأستاذ خوجة، إن تجربة الجزائر العسكرية يمكن اختزالها من خلال استقراء مختلف الحروب التي خاضتها في نمط واحد ووحيد، ”الحرب اللاتماثلية”، فالمقاومات الشعبية ضد انتشار القوات الإستعمارية لاحتلال كل الوطن، كانت ذات طابع لا تناظري في علاقة ضعيف بقوي، حرب التحرير التي خاضها جيش التحرير ضد الجيش الفرنسي، كانت هي الأخرى مواجهة لا تماثلية، وأخيرا مواجهة عناصر الجيش الوطني الشعبي بالتعاون مع قوات الأمن المشتركة للجماعات الإرهابية، والتي كانت بمثابة حرب لا نظامية، ولكن في علاقة قوي بضعيف، ”هذه المواجهة الأخيرة، وإن لم تكن تندمج ضمن مخطط استراتيجي نظامي، فهي تُعد تجربة نموذجية ويمكن اعتبارها ”مدرسية”.
أما كاتب الدولة السابق للإتصال عز الدين ميهوبي، فقد عاد للحديث عن سياسة المصالحة والتدابير التي اتخذتها الحكومة لوقف التطرف مثل منع الكتب التي تتضمن مفاهيم متشددة في المعرض الدولي للكتاب، من جهته تحدث العقيد أحمد عظيمي أستاذ بمعهد العلوم السياسية عن الدعاية الإرهابية عبر الأنترنت.
وتدخل في النقاش السفير الروسي السابق في الجزائر في الفترة الممتدة بين 1991-1995، ليتحدث عن تجربته الشخصية، مشيرا إلى أن تجربة الجزائر جديرة بالمتابعة والإهتمام أفضل من التجربة الإسرائيلية التي تحوّلت إلى أنموذج في روسيا قبل أن تفشل هذه السياسة.
وخلال المناقشات أبدى اللواء أنجير فالديك، وهو عميد جهاز الإستخبارات الخارجية لروسيا، اهتماما بالمناقشات التي أشرف عليها مدير معهد الإستشراق لأكاديمية العلوم في موسكو نعومين فيتالي، الذي يُعتبر من أبرز مستشاري الرؤساء المتعاقبين على الحكم في روسيا.
في المقابل، طالب رئيس جمهورية أنغوشيا، وهي أحد الأقاليم الروسية الواقعة في منطقة شمال القوقاز، من المسؤولين عن الملتقى تزويده بكل التوصيات الجزائرية، التي تم التوصل إليها في محاربة الإرهاب من أجل الإستعانة بها وتطبيقها في محاربة الإرهاب ببلاده.