“النهار” تلتقي بأخطر بارونات تهريب البشر وأموال “الحراڤة” تستغل في المتاجرة بالمخدرات وتبييض الأموال
المقايضة بالبشر.. “حراڤ” بـ 5 كلغ من المخدرات والعائلة تقاس بـ “الحولي” والعائلات تغزو عالم “الحرڤة” و700 منها تقيم بمحتشدات إسبانية
من العادي أن نسمع أن “حراڤة” ابتلعهم البحر أو واجهوا ظروفا صعبة خلال مغامرتهم، لكن أن نعرف أن الأموال التي يدفعها “الحراڤة” تستغل للمتاجرة في المخدرات والهرويين وتبيض الأموال وقد تتجاوزها للتجارة بالسلاح، فهو ما لم نكن نسمع به مطلقا. والأغرب من هذا وذاك أن تجار الموت الذين ينشطون في هذا المجال عبر الحدود الجزائرية المغربية ونظيرتها المغربية الاسبانية، تقوم بعملية المقايضة بالشباب، حيث “الحراڤ” الواحد يعادل 5 كلغ من المخدرات والعائلة تقاس بكمية من الغبرة وأصحاب التخصص يطلقون على العملية اسم “الحولي” وهذه المخدرات تدخل الجزائر.
عمليات مقايضة بالبشر.. 4 “حراڤة” بـ20 كلغ من المخدرات
وفي الوقت الذي يعتبر العديد من المواطنين أنه و”الحراڤ” على السواء وأن هذا الأخير عندما يركب زورق الموت عليه أن يدفع مبلغا ماليا لايتجاوز 15 مليون سنتيم بعد أن قررت الكثير من العائلات “الحرڤة”، إلا أن الواقع غير ذلك، لأن تجار الموت قد استغلوا حال الشباب البائس للمتاجرة به وهو ما يجري حاليا بالمغرب والجزائر.
وحسب بعض بارونات تهريب البشر أو المهاجرين السريين أو كما هو متعارف عليه محليا بـ”الحراڤة”، فإن عمليات تهريب الشباب بالجهة الغربية من الوطن، عبر الحدود الجزائرية المغربية تتم بطريقة تختلف عن تلك المتداولة بمناطق أخرى، حيث يمنح المهرب المال مقابل بلوغ “الحراڤة” الجهة الأخرى، باعتبار أن شبكات التهريب التي تنشط بالمغرب تشترط استلام أموال “الحراڤة” كاملة. وبالمقابل، فإن المهربين الجزائريين يستلمون بدلها كمية من المخدرات. وقال أحد تجار الموت الذي التقته “النهار” بتيارت إن عمليات المتاجرة بـ”الحراڤة” تتم عبر وسطاء تشترط فيهم الأمانة والوفاء، يضاف إليها شرط أن يكون المعنيون غير مشبوهين لدى مصالح الأمن. وفي هذا الإطار فإن البارونات الجزائريين التي التقينا بهم أفصحوا عن بعض الأسماء المغربية التي يتم التعامل معها على غرار ميمون الملقب “بيجي” و”محمد ولد المير” و”أحمد الطويل” و”هشام”.
وفي السياق ذاته، كشف محدثونا عن بعض الأماكن المعروفة لدى المتعاملين في مجال “الحرڤة”حيث يقومون بمعالجة ملفات “الحراڤة” بطريقة عصرية وباستعمال أجهزة إعلام آلي جد متطورة بالإضافة إلى التواصل بشرائح الثريا عبر ثالوث الموت “الجزائر، المغرب واسبانيا”، حيث تستقر الشبكات المتخصصة، وقالوا إن البارونات أو الرؤوس الكبيرة لهذه الشبكات تحبذ الأماكن الراقية لدراسة الملفات والتأشير عليها بالموافقة أو الرفض، ويتعلق الأمر بعدد من الفنادق الراقية التي يقصدها المتحكمون في سوق “الحراڤة” ووسطائهم، والأدهى في أمور هذه البارونات أن جلهم مسلحون للحماية الشخصية وتخوفا من حدوث أي طارئ.
“احصل على 26 مليون أسبوعيا من عمليات تهريب البشر”
خلال زيارة قادتنا إلى ولاية تيارت، شاءت الصدف أن التقت “النهار” بأحد بارونات تهريب البشر المدعو “م.ن” الذي أكد أن الفقر والحاجة ولامبالاة المسؤولين الجزائريين دفعت به إلى المخاطرة والسفر نحو المجهول، موضحا أن حكايته مع “الحرڤة” بدأت سنة 1997 عندما قرر المغادرة إلى أوروبا عبر البر، غير أنه فشل ليعيد الكرة مرة وأخرى لينجح في المحاولة الثالثة، حيث استطاع الدخول إلى الحدود المغربية ليجتاز هذه الأخيرة ويعبر إلى اسبانيا، غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إنه تمكن من مخالطة بعض الجهات التي تنشط في تهريب البشر ليصبح بعد مرور 10 سنوات على رأس شبكة تهرب الأشخاص بالجزائر ويقصده آلاف الشباب من كافة أرجاء الوطن.
وقال “م.ن” إنه يجني ما مقداره 26 مليون سنتيم أسبوعيا. كما تمكن من ربط علاقات وطيدة مع شبكات تنشط في إطار الهجرة السرية بالمغرب واسبانيا وايطاليا، حيث يتم العمل مع هذه الجهات بالتنسيق وفي تنظيم محكم، مشيرا إلى أن عمليات “الحرڤة” تتم إما “برا” وهي أقل ثمنا وتكون عبر الحدود المغربية أو بحرا من خلال التواصل مع شبكات أخرى بوهران وأكيد أن المال الذي يدفعه “الحراڤ” سيكون أكبر.
البارونات يضطرون إلى شراء السلاح لضمان سلامة “الحراڤ”
وفي السياق ذاته، قال المتحدث إن السلطات الجزائرية والمغربية قامت باعتقاله في العديد من المرات بسبب “الحرڤة”، آخرها كانت السنة الماضية، حيث أدين بسنة حبسا نافذا مع تغريمه بمبلغ مالي قدر بـ 120 مليون سنتيم. كما قامت هذه الأخيرة بتعذيبه بطريقة بشعة، إذ لاتزال آثارها ظاهرة على جسده المقطع، ناهيك عن المخاطر التي تواجهني عبر الحدود المغاربية حيث يتربص بي قطاع الطرق من المغربيين بـ”الحراڤة” الجزائريين للسطو والاعتداء عليهم وقد يتجاوز الأمر إلى مواجهات باستعمال السلاح الناري بين الطرفين، وتنشط قوافل قطاع الطرق عبر البوابات التالية بوابة سبت، بن يونس، بني صار وغيرها.
وفي هذا الإطار، أكد” م.ن ” أن الكثير من البارونات تضطر لشراء السلاح لضمان سلامتهم وسلامة “الحراڤة”. وبشأن العملية التي تلي تهريب “الحراڤة” إلى الحدود المغربية، قال المتحدث إنه يتم الاتصال بالشبكة التي تنشط بالمغرب، حيث تقوم بتزوير جوازات سفر مغربية للجزائريين لتمكينهم من الدخول إلى اسبانيا عبر معابر باريتشولي وماريواني.
العائلات تغزو عالم الهجرة السرية و700 منها تقيم بمحتشدات إسبانية
واستغرب بارون آخر لتهريب البشر التطور الرهيب الذي شهدته ظاهرة “الحرڤة”، خاصة بولاية تيارت، بالرغم من التهويل الذي عرفته قضية “الحراڤة” من طرف الرأي العام ووسائل الإعلام والسلطة. وبالمقابل، فإن الشباب لايزال مهووسا بها، قصد تحسين ظروفهم الاجتماعية، مشيرا إلى أنه في السابق كان المتعارف عليه هو هجرة الشباب ثم تطور الأمر إلى اقتحام فتيات بعمر الزهور عالم الهجرة السرية، لكن اليوم إقبال العائلات أصبح واضحا وصريحا، بالرغم من أن عملية “الحرڤة” مكلفة، إذ تقدر بـ15 مليون سنتيم.
وأكد محدثنا أنه أصبح مؤخرا يتلقى عروضا من عائلات الإطارات، حيث أن الزوج والزوجة يحتلون مراكز مسؤولية ومن خريجي الجامعات وقد تمكن المعني من تهريب عائلة لمحامي وطبيب وأخرى لمهندس.
وأبرز المعني أن عملية دفع العائلة للأموال تكون بين الوسيط والبارون. أما العملية الثانية فتكون بين البارون والشبكة التي يتعامل معها، إذ أن تهريب عائلة يكون مقابل كمية من الغبرة، موضحا انه بالإضافة إلى تهريب “الحراڤة” عبر الحدود البرية، فإنه يهربها عبر البحر لأنه يمتلك العتاد، غير أن الفرق بين العمليتين يكمن في الأموال المدفوعة، حيث أن التهريب عبر البحر أغلى من البر.
كما أن أسعار “الحرڤة” في فصل الصيف تتراوح بين 5 إلى 8 مليون سنتيم، لكن في الشتاء تعرف ارتفاعا حرا، حيث يصل إلى 13 مليون للفرد الواحد، على اعتبار أن شراء العتاد يكلف أموالا كثيرة وعلى البارون استرجاع أمواله، حيث يبلغ ثمن باخرة صغيرة 30 مليون سنتيم، موضحا أنه يعمل عبر الرابط بين المغرب واسبانيا عبر مليلية.
ابن مدير معهد التعليم العالي بارون لتهريب البشر
ومن جهته، قال (ب.ب) الملقب بماسي صاحب 22 سنة أنه ينشط في شبكة تهريب البشر بولاية وهران ويعد بارون بتيارت، حيث يتكفل بتهريب أبناء المنطقة عبر البحر، وصرح أنه تمكن من تهريب 50 شخصا بمبلغ 10 مليون سنتيم للشخص الواحد وذلك بمعية ثلاثة أفراد آخرين من الشبكة. وفي ذات الإطار قال المعني إنه دخل السجن 10 مرات. كما أنه يستغل أموال “الحراڤة” في المتاجرة بالمخدرات، غير أن الغريب في أمر هذا “الحراڤ” أنه ينحدر من عائلة لإطارات، حيث أن والده المرحوم كان مديرا سابقا لمعهد التعليم العالي بالعاصمة توفي وحسرته كبيرة على ابنه. كما أن كل إخوانه وأخواته من كوادر دولة.
“حراڤ” يبحث عن 4 أشخاص للمغادرة
تفاجأت “النهار” خلال زيارة وزير التضامن الوطني والجالية الجزائرية بالمهجر لموقف أحد الشباب “الحراڤ” الذي رفض عملية توزيع المحلات والقروض المصغرة التي استفاد منها مجموعة من “الحراڤة”، مؤكدا أنه لا يريد شيء من الجزائر غير أن يغادرها وإلى الأبد بعد أن حاول العديد من المرات وفشل في المغادرة.
وأسرّ المتحدث لـ”النهار” أنه دفع كل مستحقات عمليات “الحرڤة” ولا ينقصه لركوب البحر للوصول إلى الضفة الثانية غير أربعة أماكن ويقصد بها أربعة “حراڤة”. والغريب في الأمر أن هذا الأخير كان منهمكا وقت كان الوزير يوزع المحلات على أقرانه في البحث واغتنام فرصة وجود العديد من “الحراڤة” ممن فشلوا سابقا في الهروب للبحث عن شركائه ووصل الحد به إلى استعطاف الشباب للهروب معه، بالإضافة إلى قصده لبارونات تهريب البشر الذين رفضوا بدورهم وأكدوا له توبتهم واعتزالهم المهنة.
من جهة أخرى قال (ع.م) إنه لوكان يمتلك المال لقام بـ”الحرڤة” واجتاز الحدود بعد أن رفضت السلطات الجزائرية التكفل بابنه المعاق عبد الرحمان صاحب الثلاث سنوات، مؤكدا أن “الحرڤة” جاءت نتيجة “الحڤرة” والتعسف الإداري بعد رفض المسؤولين التكفل بمشاكلهم.
مسؤولون يؤكدون على ضرورة القضاء على “الحرڤة”
وفي سياق ذي صلة، اعتبر النائب بالمجلس الشعبي الوطني حمدي بخري على هامش الزيارة التفقدية لوزير التضامن الوطني والجالية الجزائرية المقيمة بالمهجر والتي حظي خلالها “الحراڤة” بمبالغ مالية معتبرة تجاوزت 2 مليار سنتيم لإنجاز مشاريع ومؤسسات مصغرة، أن ظاهرة “الحرڤة” استفحلت في الآونة الأخيرة بولاية تيارت جراء الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعاني منها الشباب بالولاية خاصة انعدام العمل وأزمة السكن، غير انه أكد أن “الحرڤة” عملية انتحارية وخلّفت العديد من الضحايا، حيث أنه في الفترة الأخيرة ووري التراب 20 “حراڤا” خلال أسبوع واحد وهو ما أثار جدلا كبيرا بالمجالس الشعبية البلدية والمجلس الشعبي الولائي لإيجاد مخرج لهذا الداء الذي بات ينخر المجتمع التيارتي، وبالرغم من المخاطر التي تهدد “الحراڤة” إلا أن الشباب مقتنع بالفكرة.
وفي ذات السياق، أوضح الأمين العام بالنيابة لولاية تيارت أن ظاهرة “الحرڤة” موجودة بجميع ولايات الوطن وفي الوقت نفسه قال إن هناك فئتين من “الحراڤة” ويتعلق الأمر بـ”الحراڤة” المهمشين وهي مجموعة من الشباب أرادت ركوب البحر هروبا من الظروف الاجتماعية الصعبة، بينما هناك إطارات وعائلات لا بأس بها تريد مغادرة الوطن وهو الأمر الذي اعتبره خطيرا ويستدعي تدخل الجهات الوصية للقضاء على هذه الظاهرة.
وقال الأمين العام للولاية بالنيابة إن مصالح أمن ولاية تيارت ستباشر في الأيام القادمة في إعداد دراسة ميدانية حول “الحرڤة” بتيارت، خاصة وأن هناك من الشباب من يملك المال والإمكانيات المادية، إلا أنه يفضل المغامرة و”الحرڤة” وربما لأن ظاهرة “الحرڤة” أصبحت موضة بالولاية.
وبشأن ارتفاع عدد “الحراڤة” الذي يقارب 7000 شخص، فقد فند المتحدث وجود مثل هذا الرقم “للحرڤة”، موضحا أن الجهات المسؤولة لا تملك أرقاما وإحصاءات حول هذه الظاهرة.
وأشار المعني إلى أن المسؤولين بالولاية يعملون على إيجاد حلول لهذه الظاهرة من خلال فتح مناصب شغل للشباب. وفي هذا الإطار ثم إنجاز 2430 محل تجاري ومهني من ضمن 4200 محل مبرمجة في إطار برنامج رئيس الجمهورية الرامي إلى انجاز 100 محل في كل بلدية.