النهار تدخل عالم السحرة بالعاصمة: المشعوذون يحكمون سيطرتهم على المواطنين
كثيرا ما تحذرنا الأمهات ألا نتخطى بقعة ماء قرب باب المنزل و أن نتجنب رصاصا ذائبا نصادفه في طريقنا
وكثيرا ما تنصحنا أيضا بان لا نقترب من بقايا الشعر أو الأضافر الموضوعة أو المتروكة على الأرض، وحجتهن في ذلك هو أن هذه الأمور كثيرا ما تستعمل في أغراض السحر من اجل إسقاط المعني في الفخ ، و بتلك النصائح يخيل إليك أن العالم كله سحر ، و السحر فضاء واسع و من نوع خاص لا يفك شفراته إلا محترفوه. لم يكن من السهل علينا دخول مقرات المشعوذين و” القزانات”. دون إخفاء حقيقتنا إلا أننا تحججنا بإصابتنا بسحر و كانت لنا فرصة للغوص في عالم السحرة أو الأغنياء الجدد كما يلقبهم العديد ممن سقطوا ضحايا لهم.
العجوز” موسديرة” مبطلة السحر
قد تحسب لأول وهلة عند الذهاب إلى العجوز ” رميلة” المعروفة بموسديرة غرب العاصمة انك قد تجد عرسا أو اجتماعا لرجال الأعمال حسب السيارات المتواجدة بالقرب من منزل العجوز ، سيارات مرسيدس توارغ وبيجو 406 و غيرها لأشخاص ينتظرون دورهم للدخول إلى مبطلة السحر “موسديرة” . و بساحة المنزل مئات النسوة يحملن تذاكر للدخول بأيديهم حقائب تحوي ملابس.
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا عندما وصلنا إلى منزل العجوز، و المفاجأة كانت كبيرة لما قيل لنا أن التذاكر انتهت؟؟ لان من يريد الحصول على تذكرة لابد من الذهاب إليها عند الرابعة مثلا أو الثالثة صباحا كما قالت بعض النساء ممن وجدنا هن خارجا. و خلال دردشتنا مع بعض النسوة تبين لنا أن كلعن يردن إبطال السحر لهن أو لأحد أفراد العائلة كالعجوز “أم الخير” من الشراقة التي اتقيناها مع حفيدتها التي تعاني من مشكل العنوسة و تقول العجوز أن حفيدتها يتقدم لها عرسان كثر لكن في فترة قصيرة يقومون بإلغاء الخطبة فتشك أن سلمى تعرضت للسحر عديد المرات ، و أضافت لنا كريمة البالغة من العمر 38 سنة و تبدو جميلة المظهر و تقول أنها قلقة بسبب عدم تقدم لها أي شاب للزواج فجاءت لإبطال السحر الذي تشك في أن صديقتها أنها من تسبب في ذلك ، و غير بعيد عن النساء توجهنا إلى الرجال في الخارج للتحدث إليهم فحدثنا شاب 23 سنة صادفناه أمام باب العجوز موسديرة فقال لنا انه يعرف أن عشيقته هي التي سحرته من اجل الزواج منها فلم يقبل أهله بتلك الفتاة فكانت السبب في ابتعاده عن أهله و التخلي عنهم .
سألنا ابنة العجوز التي تبدو في السبعين من عمرها دون الكشف عن هويتنا…عن الكيفية، فسألتنا عما نعاني، فادعيت الإحساس بدوار و الهروب من الأمور الحقيقية، و لا نصيب و لا حظ لي مع الجنس الآخر… تظاهرت بالحزن و اليأس باحترافية ، فأجابت يجب عليك وضع 6 حبات بيض داخل الملابس الداخلية أو صورة شمسية مع البيض و تدويرها 7 مرات حول رأس المعني بإخراج السحر ووضعها تحت الوسادة حتى الصباح ، واخذ البيض للعجوز موسديرة .
و لاحضنا كذلك فتاة صغيرة في العاشرة من عمرها بملابس رثة تحمل صحنا به خبزا ساخنا و تدور وسط هؤلاء النسوة تقربنا منها و سألناها من أين لها ذلك الخبز إجابتنا أنها تسكن بالقرب من منزل مبطلة السحر و أمها تقوم بطهي الخبز قصد التصدق به على النسوة اللائي ينتظرن أدوارهن طويلا غادرنا المكان في وقت متأخر دون الكشف عن هويتنا .
و في اليوم الموالي عدنا إلى العجوز موسديرة حامين بيضا داخل ملابس، على الساعة السادسة صباحا فحملنا التذكرة رقم 26 و كان دورنا على الساعة الرابعة مساءا …..
دخلنا منزل العجوز الذي كاد سقفه يتهاوى ، الأوساخ متراكمة و ملابس وسخة و حتى الافرشة التي تجلس عليها كانت تبدو في أسوء حالة و الروائح الكريهة جراء البيض المكسر .جلسنا أمامها فأخذت تكسر البيض الذي أخذناه معنا و تتمتم كلامها غير مفهوم و نظراتها حادة يكفي على العجوز أن تقول لك صاف أو غير صاف معنى ذلك إذا لا يزال بك مفعول السحر أو انتهى فان كنت صاف فلاباس و إن لم تصفى فعليك إعادة الكرة و الرجوع إليها دفعنا ثمن تكسير 6 حبات بيض 100دج و إذا كانت 12 حبة فعليك بدفع ضعف المبلغ … و هكذا…
الشوافة و القزانة
وجهتنا هذه المرة كانت أعالي العاصمة أين سمعنا عن العديد من الشوافات بأحد الأحياء ، يمينة المروكية ،مليكة المروكية هؤلاء جزائريات وأطلق عليهن هذه الأسماء كما قيل لنا لقوة تأثير عملهن. توجهنا إلى يمينة المر وكية التي تعمل شوافة من 08 صباحا إلى الخامسة مساءا لتغادر متجهة إلى فيلتها ، تبدو يمينة في الستين من عمرها تمارس عملها بالأوراق أو الكارطا و تكشف عن أمور مستقبلية.. مقابل دفع اجر اعتباري لا يقل عن 500 دج .
و بنفس الحي سألنا عن مليكة المر وكية ذات الصيت زودنا احد سكان الحي بعنوانها ، فقصدنا منزلها الذي وجدنا به عائلة أخرى غير الشوافة التي كانت تقطن هناك ، سألنا عنها جيرانها فأجابنا احدهم بان مليكة رحلت منذ مدة قصيرة حوالي شهرين بعدما تعرضت لاعتداء من طرف عدد من الشباب ذهبوا إليها قصد معرفة “الزهر” فاعتدوا عليها بالسلاح الأبيض و سرقوا منها مبالغ مالية و مجوهراتها بعد ذلك مباشرة رحلت و لم نتمكن من الحصول على عوانها الجديد .
العالية شوافة الطبقة الراقية
العالية إحدى الشوافات بأعالي العاصمة ، تقطن مع ابنتها الوحيدة ، و المدهش في الأمر هو أن العالية لا تستقبل كل أيام الأسبوع إلا الأحد و الأربعاء ، عند وصولنا إليها تعرضنا إلى قذف و شتم من طرف شباب الحي الذي تقطن به ، نصحنا احد التجار بالقرب من مسكنها انه يتوافد إليها أناس من طبقة الراقية “الهاي كلاس” ، فتيات جميلات تبدو عليهن علامات الثراء يتوجهن إليها ، فأصبحت العالية لا تستقبل إلا أصحاب “الشكارة “كما أضاف لنا احد الشبان انه في احد الأيام امرأة قصدتها و لا تملك المال الكثير فتعرضت إلى تجريدها من معطفها و حذائها و خاتما في يدها و أسورة ذهب ، هذا ما جعلنا نتجنب الدخول إليها .
المصري أو ساحر كوبيماد
الحديث عن السحرة و المشعوذين يقودنا إلى “المصري” الذي كان يتواجد بحي كوبيماد بحي كوبيماد بالينابيع بالعاصمة قبل 5 سنوات يدعي الرقية الشرعية و إخراج الجن لنكتشف من خلال جيرانه انه كان يمارس الشعوذة و أن الناس لا يزالون إلى يومنا هذا يتوافدون للبحث عن المصري بمسكنه القديم ، و على لسان احد الذين زاروه في إحدى المرات انه يبلغ من العمر حوالي 50سنة له لحية كبيرة و بمنزله ثعابين يضعها داخل قارورات و يدعي انه يخرج الجن من الإنسان فيضع شريطا قرآنيا بمذياع كبير بصوت مرتفع و يتكلم بطريقة جد سريعة و كأنه يقرا سور قرآنية “بالمقلوب” و يملك عصا يخرج بها الجن الذي يصرخ عليه بالخروج و هو يضرب الإنسان على رجليه و أن لم يخرج ينتظره ليخرج من الأظافر . توجهنا إلى حي ” كوبيماد” بحثا عن المصري و سألنا الجارة التي كانت تسكن بجواره فرفضت الحديث عنه و أنكرت أنها تعرفه.
مدخول السحرة في اليوم يعادل المدخول الشهري لموظف متوسط
بعد أن ذكرنا طريقة عمل هؤلاء الحرفيين في السحر تجدر الإشارة إلى أن مدا خيل السحرة و المشعوذين حسب حديث من يلجئون إليهم و دفعهم لمبالغ مالية باهضة من اجل الاطلاع على خفايا المستقبل و رغبة البحث عن الكنوز المدفونة هي ما تغري مشاعر الناس لذا وجد السحر طريقه إلى نفوس الناس بكل مستوياتهم الثقافية و الاجتماعية ، نساء و رجال من كل الأعمار يبحثون عن الخروج من المأزق و ربما في حروز الزهر حل لذلك و أمام تنامي حالات اليأس لدى الشباب سيما الفتيات و ارتفاع نسبة العنوسة لديهن لعدة اعتبارات فان السحر و الشعوذة أصبح الطريق الأوحد نحو الفرج ، و لكن الأخطر من هذا فان هؤلاء المشعوذين و السحرة تحولوا بين عشية و ضحاها إلى أغنياء جدد فالعجوز موسديرة تستقبل يوميا ما بين 150 إلى 200 شخص بمعدل 150 دج لكل شخص و بعملية حسابية بسيطة فان مداخيل العجوز تتجاوز المليوني سنتيم يوميا ، و بغض النظر عن شرعية ما تقوم به هذه العجوز من عدمه ، فان الأكيد أنها تبقى و أمثالها بعيدين عن أية رقابة فمن الخاسر يا ترى ؟؟؟.