الموت.. يأتي الموت فجأة من دون مقدّمات
يأتي الموت فجأة من دون مقدّمات، حيث يسرق منّا الفرحة والسّعادة. ويقلب حياتنا رأساً على عقب. يخطف منّا أحبّتنا، ويفرّق جمعنا، ويُخيّم على قلوبنا الأحزان. يأتي الموت فيصبح القمر بعد فقدان الأحبّة معتماً، والشّمس مظلمة. وتصبح حياتنا صحراء قاحلة بلا أزهار ولا ملامح ولا ألوان.
عندما يرحل الأحبّة لا نصدّق أنّهم لم يعودوا موجودين في عالمنا، لا نصدّق ولا نريد أن نصدّق أنّهم رحلوا وتركونا نعاني مرارة فقدانهم، فكم هي مريرة لوعة الأشواق إليهم. وكم هي باردة وكئيبة ليالي العمر دون دفئهم وحنانهم الذي كان يغمرنا. الموت، تلك الكلمة التي تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني الحزينة، والألم على فراق الأحبّة، فإنّ الموت لا يستأذن أحداً، ولا يجامل أحداً، وليس له إنذار مبكّر؛ فالعديد من الشّعراء لم يجدوا شيئاً للتّعبير عن فقدان أحبّتهم إلا برثائهم عن طريق قول الشّعر في ذكراهم.
وقد قال الإمام الشافعي في إحدى قصائده عن الموت والدنيا.
النّفس تبكي على الدّنيا وقد علمت أن السّعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلّا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدّهر نبنيها.
أين الملوك التي كانت مسلطنةً حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها.
فكم مدائن في الآفاق قد بُنيت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها .
لا تركننّ إلى الدّنيا وما فيها فالموت لا شكّ يفنينا ويفنيها.
لكلّ نفس وإن كانت على وجل من المنيّة آمال تقوّيها.
المرء يبسطها والدّهر يقبضها والنّفس تنشرها والموت يطويها.
إنّما المكارم أخلاق مُطهّرة الدّين أولّها والعقل ثانيها.
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفضل سادسها .
والبرّ سابعها والشّكر ثامنها والصّبر تاسعها والّلين باقيها.
والنّفس تعلم أنّي لا أصادقها ولست أرشد إلا حين أعصيها .
واعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرّحمن ناشيها .
قصورها ذهب والمسك طينتها والزّعفران حشيش نابت فيها أنهارها.
لبنٌ محمّضٌ ومن عسل والخمر يجري رحيقاً في مجاريها.
والطّير تجري على الأغصان عاكفةً تسبّحُ الله جهراً في مغانيها.
من يشتري الدّار في الفردوس يعمرها بركعةِ في ظلام الّليل يحييها.