الشنق، الأقراص الطبية والأسلحة.. أسهل الوسائل لركوب قطار الموت
فاطمة حاولت الانتحار بشرب الأسيد من أجل عشيقها.. وسلمى أطلقت رصاصة على رأسها
يشاع في المجتمع أن وضع حد للحياة مسلك يتخذه الشباب فقط، خاصة المراهقين بسبب فقدان الأمل، البطالة، الاكتئاب وعدم تحمل صعوبات الحياة اليومية، وربما نقص التجربة في هذه الحياة المليئة بالمشاكل اليومية التي يتلقاها أي شاب في أي بلد، غير أنه في حالات عديدة يقدم أشخاص من كبار السن وأرباب عائلات على الانتحار، وفي المقابل لم تنج كثير من العائلات من إقدام أولادها القصر على وضع حد لحياتهم.
كشفت سجلات نيابة مديرية القضايا الجنائية للشرطة القضائية عن حدوث أكثر من 90 حالة انتحار على المستوى الوطني خلال 4 أشهر من هذه السنة، بلغ عدد الضحايا الذكور 73 شخصا، مقابل 21 أنثى. وعلى النقيض من ذلك، كان عدد محاولي الانتحار من جنس الإناث أكبر حيث قدر بـ185 محاولة مقابل 92 محاولة من قبل الذكور.
وأكد محافظ بالشرطة أن غالبية حالات الانتحار تنحصر في فئة عمرية تتراوح بين 18 و45 سنة باستثناء حالات انتحار القصر، هذا ما يقودنا إلى قناعة مفادها تفشي وتجذر ظاهرة انتحار القصر في مجتمعنا، التي تتراوح أعمارهم بين 14 و19 سنة، حيث سجلت مصالح الشرطة أكثر من 10 حالات انتحار للقصر هذه السنة، بمعدل من 3 إلى 4 حالات في الشهر، فيما حاول قرابة 30 شخصا قاصرا وضع حد لحياتهم.
وحسب نفس المتحدث، فإن ولاية تيزي وزو احتلت المرتبة الأولى وطنيا بأكبر عدد حالات الانتحار بـ 15 حالة في نفس الفترة، تليها بجاية، العاصمة والمدية، ومن حيث محاولات الانتحار فقد تصدرت ولاية تلمسان القائمة بـ 28 محاولة انتحار تليها تيارت بـ 11 محاولة.
البطالة، مشاكل أسرية ودراسية وأخرى عاطفية أهم دوافع الانتحار
وأوضح محافظ الشرطة لدى لقائه مع “النهار” أن معظم المنتحرين من الجنسين في الجزائر يعانون البطالة التي تتسيد سلم مسببات الانتحار، وكذا المشاكل الاجتماعية، وركز محدثنا خاصة على أن الفراغ الروحي من أكبر دوافع الانتحار لدى الشباب ولا فرق بين الولايات ما يؤدي بالشخص إلى الإقدام على وضع حد لحياته، ولا يمكن غض النظر عن الانحراف والإدمان على المخدرات التي تساهم كثيرا في تفكير الإنسان في التخلص من حياته كحل أخير. كما أضاف محدثنا أن الكثير من المنتحرين هذه السنة طلبة جامعيون، كشفت تحريات الشرطة أن سبب إقدامهم على هذا الجرم هو الرسوب الدراسي، فيما كانت أكثر الفتيات المنتحرات لأسباب عاطفية محضة وخلافات عائلية، وكذا انتحار القصر الذي أخذ منعرجا خطيرا هذه السنة، إذ تعود حوالي 80 بالمائة من هذه الحالات لأسباب دراسية أو اضطرابات نفسية. كما يجدر الذكر أن حالات قليلة مبعثها اضطرابات نفسية أو اختلالات عقلية.
فاطمة حاولت الانتحار من أجل عشيقها وسلمى تعاني من اضطرابات عصبية
تقربت “النهار” من “فاطمة” بزرالدة التي حاولت الانتحار منذ 5 سنوات وتحدثت عن تجربتها في محاولة وضع حد لحياتها، وتقول “كنت على علاقة مع شاب من العاصمة دامت مدة 3 سنوات وعدني خلالها بالزواج، وبعد فترة وجيزة تكتم عن الموضوع ولم يعد يتحدث عنه، وكانت عائلتي قد علمت بعلاقتي به ما جعلني أبرر ذلك بأن نيته حسنة في الزواج مني في أقرب الآجال وهو ما أكده “عشيقي” لأخي عن الموضوع، لكنه بقي الأمر معلقا”.
وأضافت فاطمة، التي عبرت عن ندمها وأسفها العميق عما فعلته في لحظة قلق حين أقدمت على الانتحار بشرب كمية من حمض الأسيد كانت في المنزل. وتشير فاطمة الى أنها مكثت بالمستشفى شهرين كاملين لأنها كانت في حالة خطيرة، واليوم تحمد الله على عودتها للحياة، وأكدت أنها في كل الحالات لم تتزوج من الشاب الذي حاولت الانتقام من نفسها بسبب خداعه، واليوم فاطمة أم لفتاتين، في حين بلغها أن عشيقها الأسبق تزوج من امرأة أخرى.
ومنذ أقل من شهرين، روت لنا “كريمة” قصة صديقتها “سلمى” من المدية البالغة من العمر 17 سنة، والتي أكدت أنها تعاني من اضطرابات عصبية جد خطيرة، ما أدى بها إلى محاولة الانتحار بسلاح ناري ملك لعمها بعد أن نهضت في الصباح الباكر ووجدت عائلتها قد غادرت المنزل باتجاه الجدة، وفي لحظة غضب مع الاضطراب الذي كانت تعاني منه ذهبت مباشرة الى عمها، الذي يقطن بالقرب من منزلهم، وأخذت سلاحه وأطلقت النار على نفسها، ولحسن حظها، فقد تمكن الأطباء من إسعافها وإنقاذ حياتها.
الشنق، الأسلحة، الأقراص الطبية وغيرها أسهل طريق إلى الموت
وعن الوسائل الأكثر استعمالا عند الإقدام على وضع حد للحياة، أكد نفس المصدر أن الشنق من أكثر الوسائل استعمالا في عمليات الانتحار، باعتبارها أسهل طريقة للموت، والتي قليلا ما تفشل العملية في إزهاق روح المعني، ومعظم حالات الانتحار التي سجلت عند الفتيات استعملن فيها أقراصا طبية خاصة تلك المتعلقة بالضغط الدموي والمهلوسة، والتي تكون حالات النجاة من الموت بعد تدخل المصالح الطبية. ولا يخفى أن القصر يستعملون المواد السامة للتخلص من الحياة كحمض” الأسيد” و”روح الملح” وماء الجافيل، والتي أكد محافظ الشرطة على الحذر منها وانتباه العائلات لهذه المواد الخطيرة وسريعة القتل.
غياب الوازع الديني أكبر الأسباب ومن حق المنتحر أن يصلى عليه لأنه إنسان
أكد مفتاح شدادي، إمام بمسجد الكوثر بالبليدة، أن إقدام الإنسان على وضع حد لحياته يعتبر تهديما لبنيان الله عز وجل، فالإسلام أرشد الإنسان المسلم بأن يحافظ على جسده وجعله أمانة عنده لا يجوز له التعدي عليه بالانتحار الذي يعتبر جريمة، وحتى إلحاق أي ضرر به، أي أنه لا يصل الى القتل، مثل قطع عضو من أعضائه مهما كان نوع الأذى. وأضاف الإمام أن الانتحار جريمة من أكبر الجرائم الخطيرة، واعتبر أن هذه الجريمة لا يقوم بها إلا ضعيف الإيمان لقوله تعالى “ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”، مضيفا أنه لابد على الإنسان أن يصبر على المصائب ويتحمل الأمراض ومظاهر الفقر التي تضيق معيشته.
وتحدث الإمام عن الفتوى الراجحة في مثل هذه الحالات، قائلا “إن المنتحر لا يصلى عليه حسب بعض العلماء لأنه قتل نفسه، أما في الجزائر فنصلي عليه ومن حقه أن يصلى عليه رغم أنه محرم شرعا قتل النفس، وهذا ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي تنهى بالزجر والوعيد”. وأضاف مفتاح شدادي أن المنتحرين من أهل جهنم لأن الانتحار كفر، فالمنتحر أراد أن يضع حدا لحياته التي تعتبر من الأمور الإلهية.
وأوضح الإمام في حديثه لـ” النهار” أن الأسباب المؤدية بالإنسان إلى الانتحار مرتبطة بغياب التربية الدينية في مجتمعنا وعلى مستوى الأسرة والمدرسة، مشيرا الى ضعف دور المساجد الجزائرية في التطرق لموضوع الانتحار، شأنها شأن كل المؤسسات المسؤولة المعنية بالتربية والتحسيس.
وفي سياق تحليله للظاهرة، أبرز إمام مسجد الكوثر أن هناك سببين يؤديان بالإنسان إلى التفكير في الموت كآخر حل، وهما الفقر المدقع والترف الفاحش وتوفر كل شيء يضعف إيمان الشخص، ولذا لابد على الإنسان أن يعيش في وضع متوسط. وتأسف الإمام عن هذا الداء الذي يصيب كل البلاد الإسلامية لضعف الوازع الديني وابتعاد الناس عن التدين الصحيح والمعتدل، وأكد مفتاح شددي أنه لا إفراط ولا تفريط في الدين.
وفيما يخص استفحال ظاهرة انتحار القصر في مجتمعنا، أكد مفتاح شدادي أن الأسرة المسؤول الأول عن انتحار أبنائها، فكثيرة هي العائلات التي لا تتابع أبناءها، مثلا نلاحظ اليوم أطفالنا وهم يقضون ساعات أمام الكمبيوتر بمقاهي الأنترنت دون رقابة، وعندما يتابع الطفل كيف يعيش أطفال الغرب في بحبوحة الخير ولا يستطيع تحقيق ذلك يؤدي به للتفكير في وضع حد لحياته، و هذا لا يعني أن المؤسسات الأخرى ليس لديها دور في ذلك فالمنتحر من مسؤولية الجميع من مدرسة وأسرة ومسجد….الخ
الانتحار أصبح بديلا عن قساوة الظروف المعيشية
أكدت سهيلة زميرلي، أخصائية نفسانية، أن الجروح العميقة والشديدة التي يتعرض لها الإنسان في حياته يمكن أن تدفعه للتفكير في إنهاء حياته بنفسه، وتغيير نظرته للواقع والأحداث والظروف التي يمر بها، والتي تجعل فكرة الانتحار بديلا أحسن وأسهل من ذلك الذي يعيشه، وكلما كانت الظروف الاجتماعية القاسية أصعب، لا يمكن للإنسان الخروج منها، تتعمق أكثر فكرة الانتحار لديه.
وأضافت الأخصائية أن منع المراهق من البقاء خارج المنزل لوقت متأخر ورفض الأهل تحقيق بعض من متطلباته لقناعة أو قصور مادي في شراء ما يرغب به، خاصة ونحن في زمن حيث يوجد الفقير والغني والمفارقات الكبيرة، دون نسيان الفشل الدراسي، أهم الأسباب المؤدية الى الانتحار، مركزة على العلاقات الفاشلة مع الجنس الآخر باعتبارها عاملا من بين أكثر الأسباب التي تمس فئة الشباب، وكثيرا ما نسمع بانتحار عضو أو حتى رب أسرة بعد تدهور وانهيار وضع الأسرة الاجتماعي والاقتصادي.
وتحدثت الأخصائية عن انتحار القصر الذي أصبح ملفتا للانتباه، وردته الى فقدان شخص عزيز، وخصوصاً الأب أو أحد المقربين، الى جانب غياب الأب انطلاقاً من فكرة أن سلطة الأب وعاطفة الأم هما الركنان الأساسيان في توازن العلاقات الأسرية، لأنهما سند ودعم عاطفي. فالأب الذي لا يعرف إلا القساوة والتعنيف، ولا يستطيع تأكيد ذاته إلا من خلال الصراخ والعقاب الجسدي، لا يمكنه أن يفرض السلطة العادلة والثابتة، فينشأ الأبناء على فكرة السلطة القاسية والقمعية، وعندما يصلون إلى مرحلة المراهقة فإنهم يستجيبون بطريقة عدوانية مماثلة لمستوى الأسرة الاجتماعي.