الخطاب الكامل لعبد المالك سلال بمناسبة انعقاد “المنتدى الاقتصادي” الجزائري-التركي
ألقى الوزير الأول عبد المالك سلال كلمة بمناسبة انعقاد “المنتدى الاقتصادي الجزائري التركي ” اليوم الثلاتاء على هامش الزيارةالرسمية لرجب طيب أردوغان الوزير الأول لجمهورية تركيا هذا نصها بالكامل :
بسم الله الرحمن الرحيم،
معالي السيد الوزير الأول،
أصحاب المعالي،
أيتها السيدات، أيها السادة.
” يسعدني بالغ السعادة أن أرحب بكم في الجزائر متمنيا لكم إقامة طيبة في ربوعها. وإنني أعلم تماما، معالي الوزير الأول، وأخي العزيز، العناية التي أوليتموها لتشجيع رجال أعمال بلادكم على مرافقتكم في هذه الزيارة التي أنا واثق بها بأنها ستكلل بالنجاح.
ولا ريب أن هذا اللقاء الاقتصادي، الذي يضم عددا هاما من الفاعلين في الساحة الاقتصادية لبلدينا، يبرز إرادتنا المشتركة لإعطاء وثبة جديدة للتعاون بين الجزائر وتركيا.
وبهذا الصدد، أود أن أعرب لكم عن ارتياحي الكبير لكون المبادلات التجارية بين بلدينا لم تسجل فحسب كثافة معتبرة، حيث تضاعفت خمس مرات تقريبا، خلال العشرية الأخيرة، لتبلغ 5 ملايير دولار سنة 2012، بل أيضا وخاصة لأن تعاوننا الاقتصادي قد شهد قفزة نوعية حقيقية، لاسيما من خلال الارتفاع المحسوس لحجم الاستثمارات التركية بالجزائر وإنجاز مشاريع واعدة من قبل مؤسسات تركية بالشراكة مع مؤسسات جزائرية وخاصة في مجال البناء وصناعة النسيج والحديد والصلب
ومن البديهي أن التطور الذي شهدته علاقاتنا الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، سيتعزز لا محالة، نظرا إلى القدرات وعوامل التكامل التي تزخر بها اقتصاديات بلدينا. وهكذا، فإن قطاعات الطاقة والمناجم والصناعة والفلاحة والسياحة والصحة، والتكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال، تعد كلها مجالات يمكن أن تحظى بتعاون متبادل بما يعود بالفائدة على بلدينا.
وبالتالي، فإن المؤسسات التركية التي تنشط في الجزائر مدعوة إلى تعزيز وجودها لمرافقة بلادنا في حركيتها التنموية.
معالي السيد الوزير الأول، والأخ العزيز،
أصحاب المعالي،
أيتها السيدات، أيها السادة،
إن الجزائر، بعد أن تحملت في سنوات التسعينيات، الشروط القاسية لصندوق النقد الدولي، التي أدت إلى غلق المئات من المؤسسات العمومية والخاصة وتسريح مئات الآلاف من العمال حيث بلغت نسبة البطالة حوالي 35%، قد أصبحت في سنة 2013، تتميز بوجه جديد.
فمنذ انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، تم الشروع في انتهاج سياسية حازمة وصارمة للتقويم السياسي والاقتصادي والاجتماعي واليوم ، فان استتباب السلم بفضل سياسة الوئام المدني والمصالحة قد سمح لبلادنا بالتطلع الى المستقبل بكل تفاؤل وطمأنينة . ولا أدل على ذلك من ان البطالة التي كانت تقدر ب 35 % سنة 1996 أصبحت اليوم أقل من 10 %، وبلغ النمو الاقتصادي نسبة 5 % سنة 2013، وارتفع مستوى المعيشة بشكل ملحوظ، وبات المواطنون يتمتعون بقدرة شرائية عالية، وهي نتائج نادرا ما تسجل في وقت وجيز في هذا التاريخ الاقتصادي المعاصر.
ومع ذلك، فإن التجارب المريرة التي عشناها خلال عقدين من الزمن، تحثنا على التزام التبصر، وتفادي الوقوع في فخ الرضا عن النفس.
ونحن واعون كل الوعي بأن الرفاهية والوفرة المالية التي تتمتع بها بلادنا اليوم، تعتبر مكسبا هشا، حيث يتعين علينا أن نرفع تحديات كبيرة من أجل الحفاظ على هذا المكسب وتعزيزه.
ولهذا الغرض، فقد اتخذت تدابير ناجعة، يمكن أن نذكر منها صندوق ضبط الإيرادات الذي تم إنشاؤه منذ حوالي عشر سنوات، والذي من شأنه أن يمكننا من مواجهة أي تراجع محتمل لإيراداتنا الخارجية.
كما إن المستوى الذي بلغته احتياطات الصرف سيسمح لنا بالإبقاء على مستوى الاستيراد الضروري لضمان السير العادي لاقتصادنا والتموين الملائم لسوقنا، على مدى أربع سنوات على الاقل.
وهكذا، فإن هذين “الإجراءين التأمينيين” سيسمحان لنا اليوم بمباشرة مرحلة اقتصادية انتقالية مستعجلة وضرورية في كنف الطمأنينة، ترمي إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في:
ترقية تنوع اقتصادنا على نحو يسمح بالحد تدريجيا من تبعيته الشديدة للمحروقات التي تشكل 97% من إيراداتنا بالعملة الصعبة و40% من الناتج الداخلي الخام.
والانطلاق في حركية واسعة النطاق من أجل تكثيف ومضاعفة الاستثمارات المنتجة للثروات والمستحدثة لمناصب شغل قارة ودائمة على وجه الخصوص.
ورفع حجم العرض الداخلي من السلع والخدمات، كما وكيفا قصد الاستجابة للحاجة إلى نمط استهلاكي يمون اليوم بنسبة كبيرة من الواردات.
وإن هذا النمط الاستهلاكي المدعم بالزيادة في الأجور والإنفاق العمومي لفائدة المنشآت الأساسية، سيكون من الصعب الحفاظ عليه في حالة تراجع أسعار المحروقات في السوق الدولية.
والعمل على جعل اقتصادنا، في مرحلة لاحقة، تنافسيا وقادرا على فرض منتجاته في الأسواق التنافسية الأجنبية مثلما هو الشأن حاليا بالنسبة لبعض المنتجات الفلاحية وبعض السلع الصناعية.
غير أن هذه المرحلة الانتقالية تفرض علينا تعزيز دور إدارتنا التي يجب أن تزود بكفاءات بشرية ووسائل مادية ولاسيما التكنولوجية. ويبدو لنا أن الخبرة الخارجية في مجال التسيير والتكنولوجيا تعتبر ضرورية للغاية انطلاقا من أن الانتقال إلى اقتصاد سوق ناجع يعد أمرا صعبا ومعقدا. وفي هذا المجال فإن الشراكة مع تركيا، خصوصا، مطلوبة بقوة.
وهنا، فإن دور المؤسسات سواء العمومية أو الخاصة أو الوطنية أو الأجنبية يعتبر أساسيا، حيث أن مسؤولية هذا الانتقال ونجاحه تقوم على المؤسسات الناجعة.
وإن الجزائر التي تتوفر على الوسائل المالية والبشرية لإنجاح هذا الانتقال، تتميز بسوق ذات مصداقية ومزايا مقارنة معتبرة من حيث كلفة الطاقة، واليد العاملة، وغيرها، كما تتمتع بمستوى مقبول لأمن الأشخاص والممتلكات وكذا باستقرار سياسي واجتماعي مرض. بل إن الجزائر تتوفر، فضلا عن ذلك، على قدرات اقتصادية هائلة لم يتم استغلالها بما فيه الكفاية. كما سمحت مخططات التنمية التي شرع في تجسيدها خلال العشرية الأخيرة، بتزويد البلاد بمنشآت أساسية مماثلة وتفوق حتى تلك المتوفرة في البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سواء تعلق الأمر بالطرق أو الطرق السريعة أو الموانئ أو المطارات أو وفرة المياه والطاقة، ولاسيما الكهربائية وغيرها.
ومن شأنها هذه المنشآت الأساسية أن تتيح إمكانيات الاستثمار من حيث العدد والحجم. وتعد الشراكة مع تركيا بالنسبة لنا إحدى الأدوات الكفيلة بمرافقة هذا الانتقال وتجسيده من خلال شركات مختلطة واستثمار مباشر وشراكة ومساعدة تقنية وخبرة.
وإننا الآن، بصدد تحسين مناخ الأعمال من خلال اتخاذ التدابير الضرورية الرامية إلى إزالة كل العراقيل التي تعيق أو تؤخر أو تصعب عملية الاستثمار. وسنسهر على ضمان ديمومة الاستقرار القانوني وبالتالي ضمان أمن الاستثمارات.
كما أن انضمام الجزائر، عن قريب، إلى المنظمة العالمية للتجارة من شأنه أن يدفعنا إلى تكييف تشريعنا الاقتصادي والتجاري مع المعايير الدولية.
ويقتضي تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية العمل على ضمان استمرارية التعاون بين بلدينا وتنويعه بحيث يشمل كل قطاعات النشاط دون استثناء.
وهكذا، سيجد المتعاملون الاقتصاديون ورجال الأعمال الأتراك في الجزائر فرصا كبيرة للأعمال وتسهيلات من أجل تثمين استثماراتهم والمساهمة في تنويع مجالات تعاوننا الاقتصادي الذي نحرص على تجسيده.
ولهذا، فإننا نعرب مجددا لرجال الأعمال عن إرادتنا الحازمة للعمل على بناء “شراكة مثالية” بين بلدينا، في خدمة المصالح المتبادلة لشعبينا الشقيقين.
وإذ أشكركم، في الختام، على كرم الإصغاء، فإنني أتمنى أن تتوج أشغالكم بأعمال جيدة من أجل رفاهية شعبينا، لأن حضارتنا المشتركة تستوجب علينا أن نبني ونبنى أكثر فأكثر، مثلما تتطلب منا توسيع قوس الالتزامات الممكنة إلى حدها الأقصى، بين رجال ونساء بلدينا، انطلاقا من أن الإرادة متى توفرت فإنه لا يسع أي قوة أن تتمكن من إخمادها وتثبيطها“.