إعــــلانات

الجزائر” عاصمة النظافة” حلم لن يقدر على تحقيقه الجزائريون

الجزائر” عاصمة النظافة” حلم لن يقدر على تحقيقه الجزائريون

ماذا بعد أن صنفت مجموعة “اوربان كلين اونفيرونانت” العاصمة في المرتبة الثالثة من حيث القذارة بعد مدينة “بانجول” في غامبيا و”كيغالي” في رواندا

ورجحت الدراسة أن الأمر يعود إلى نقص الحس المدني لدى الجزائريين  الذين لا يرمون بالفضلات داخل سلة  المهملات  في حين تنتشر الزجاجات البلاستيكية   في كل الأماكن  لماذا يعد الجزائري قذرا وشركة نات كوم ترفع من النفايات المنزلية ما يعادل 680 ألف طن سنويا من ولاية الجزائر لوحدها ….؟
 لو حاولنا تسليط الضوء على الموضوع من زاوية الأرقام وحساب كمية النفايات المنزلية التي “ينتجها” سكان العاصمة فان الأمر يعد معقولا جدا فمعدل 680 ألف طن تنتجها العاصمة من النفايات  لا يصل إلى ما تنتجه مدينة مثل باريس والذي يعادل921الف  طن  لتتجاوز المليون في بعض السنوات  … لكن لماذا تعد العاصمة مدينة “قذرة”    تنبعث منها الروائح الكريهة من كل شارع وزقاق ؟
  في محاولة منا لتفسير كيف تم الوصول إلى هذه المرتبة المخزية من بين دول العالم   كان لنا  لقاء مع  السيد”محمد وعلي عياتي” وهو مفتش عام لدى الإدارة العامة ل”نات كوم” وفي إجابته عن أسئلتنا استهجن محدثنا نتائج الدراسة البريطانية  وشكك في جديتها  مؤكدا أن العاصمة فعلا لا تعد مدينة نظيفة لكنها ليست قذرة  بل هناك العديد من المدن الأكثر اتساخا وقذارة في العالم كالقاهرة وبومباي  مضيفا :”هناك جهود يومية تبذلها المؤسسة لتنظيف العاصمة ورغم أننا غير راضين عن النتائج المحصل عليها إلا أننا نحاول في كل مرة أن نغير في خطة العمل  فمثلا عوض مرور الشاحنات مرتين  هناك أحياء نضطر إلى المرور منها أربع مرات يوميا .”
 لكن الأمر حسب نفس المتحدث لا يتوقف على النفايات المنزلية  بل مخلفات الأسواق الفوضوية وباعة الأرصفة كما هو الحال في ساحة الشهداء و وأرصفة باش جراح هذه البلدية التي ما فتئ محدثنا يضرب بها المثال عن مدى انتشار النفايات بها  وحتى بالنسبة للأسواق المنظمة  كما هو حال سوق “دبي” بباب الزوار والدي أكد السيد عياتي  أن هاته السوق لوحدها تنتج ما يملئ  6 شاحنات يوميا  .
 و في تحليل “مجهري” للنفايات المنزلية يؤكد السيد عياتي   انه في السنوات الأخيرة لم تعد النفايات المنزلية تتضمن التشكيلة المعتادة فبعد أن عمد الكثير من أصحاب الشقق إلى إجراء تعديلات عليها يقول المفتش العام ل”نات كوم”  “أصبحت النفايات المنزلية تحوي ركام  الآجر والحديد و قطع الاسمنت وهو ما لا يقدر على حمله أعوان المؤسسة  بما  يتوفر لديهم من إمكانيات هذا دون الحديث عن أخطار   الكتل الإسمنتية وما تحويه من فولاذ  على أجسادهم”.

غسل الشوارع مهمة الأمطار ولو شحت السماء
و في رده عن سؤالنا  حول عملية الغسل  التي لا تقل أهمية عن عملية جمع النفايات خاصة أن العاصمة أصبحت في الليل فضاء مفتوح لإيواء المتشردين والمنحرفين و ما يخلفونه من فضلات  ناهيك عن الروائح الكريهة  والأكيد  هنا أن هذه الإشكالية تحيلنا على حقيقة أخرى  هي الغياب شبه  التام للمراحيض العمومية هذا حتى لراجلي العاصمة نهارا  تبين من خلال إجابة المفتش العام ل”النهار” أن عملية الغسل ليست من أولويات  الشركة  باعتبارها عملية الغسل تبرمج بعد انتهاء فصل الشتاء مع نهاية شهر افريل  لأن الأمطار كفيلة بتنقية الأرصفة  مما يفسر انه ولفصل كامل تبقى العاصمة رهن ما تجود به السماء ولو أخذنا فصل الشتاء الحالي  فقد شحت السماء   منذ شهر ديسمبر الماضي  و ليست سلالم محطة القطار آغا  والتي يسلكها آلاف العاصميين يوميا إلا مثال حي عن” بؤرة” قذارة وروائح كريهة    استوطنت المكان منذ زمن لا ينفع  معه مكنسة عون النظافة  ولا شاحنة  نات كوم  وعموما تعد السلالم  نقطة ضعف كبيرة إذ رغم أنها في العاصمة تعد سبلا لاختصار  المسافات إلا أنها تعد من أقذر الأماكن على الإطلاق.
استفسرنا عن الحلول التي يمكن  لمؤسسة نات كوم أن تتخذها خاصة وان  مشكل النفايات المنزلية في العاصمة   أصبح المؤسسة معه في “دوامة” على حد تعبير مسؤولها والذي أفادنا “الحل يكمن في وجود بدائل تقوم بالعملية التحسيسة والتوعية لدى المواطن  حتى يتخلى عن سلوكيات اللامبالاة فبقدر ما  يحرص على نظافة بيته عليه أن يحرص على نظافة محيطه” أما عن فرض مخالفات نقدية أو ضرائب إضافية على من لا  يلتزم بمواعيد إخراج أكياس النفايات على الأقل كما هو معمول به في الغرب  يقول السيد عياتي “لا يمكننا اللجوء لهذا ولا المطالبة به فالشعب تردت قدرته الشرائية وأثقل كاهله  التهاب الأسعار  إلا إننا سنحاول أن نطلب الغرامة من أصحاب المتاجر”.

نظافة المحيط خارج مجال تغطية المواطن

 نتائج الدراسة  البريطانية كانت خلال الأيام الماضية حديث الكثير من المواطنين إضافة إلى موضوع نقاش  في الكثير من منتديات الحوار على الانترنت والذي أعرب فيه الكثير من المواطنين داخل وخارج الوطن استيائهم من المرتبة التي نالتها العاصمة مبدين قرفهم من مظاهر القذارة والأوساخ التي أصبحت عنوان  شوارع وأماكن كثيرة بالعاصمة وفي محاولة منا لأخذ آراء المواطنين حول الموضوع  صرحت لنا الآنسة “مونية.خ”  وهي مديرة الموارد البشرية بمؤسسة خاصة معروفة فقالت ” يؤسفنا جدا هذه الحال ولو أني أظل استغرب المرتبة فقد عدت لتوي من مصر ولا  أجد عاصمتنا بمثل حالة القاهرة التي تعج  بالأوساخ وكل مظاهر التلوث لكن فعلا تظل العاصمة وسخة” أما “سالم ” وهو أستاذ ثانوي فقد علق على الموضوع” نستاهلو بل  أكثر من هذا  انظري إلى  الشوارع   الكل يساهم في نشر الأوساخ   والدولة غائبة عن الردع أو حتى توفير الوسائل لتمكين المواطن من اكتساب  عادات صحيحة في التعامل  مع القمامة  حتى فعل رمي الورقة بسلة المهملات  غائب  عن السلوك اليومي للجزائري والمضحك المبكي في الأمر هو انه حتى سلات المهملات وصهاريج القمامة يتم سرقتها من طرف المواطنين…..إنها الفوضى واللامبالاة في عواقب ذلك والنتيجة هي أمراض تطال صحتنا و مراتب مخزية ”

 للشارع رب يحميه
 يرى الأستاذ ناصر جابي باحث في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة ” إن الجزائريين ليسوا أبناء المدن   بل انضموا إليها وهم يفتقدون لثقافة المدينة مما اوجد بالضرورة انفصام واضح بين الفضاء العام والفضاء الخاص الذين ينتمون إليه فالفضاء العام لا يعنيهم وفي اعتقاد سار المفعول الكل يفكر أن  للشارع” رب  يحميه” ليبقى أمر  من يتولى هذا الشارع  شأن مبهم  هل هي الدولة  ؟ هل هي البلدية ؟ وبمقابل هذا  الدولة لم تنجح في تسيير أمور التنظيف و حتى أمور أخرى  كما هو الحال بالنسبة لمواقف السيارات التي تم تسليم إدارتها ل”أطفال”مما يكرس هذا الانفصام بين المواطن و الدولة، بين ما يملك وما تملك”

نشر الأوساخ انتقام وتفريغ مكبوتات
تقول الأستاذة نسيمة جعفري باحثة في علم النفس انه من بين الأسباب التي أدت بالفرد الجزائري التخلي عن قواعد النظافة  في سلوكياته اليومية ذلك انه لم  يتلق القواعد الأساسية لذلك خلال تنشئته الاجتماعية ودلك مند الطفولة المبكرة فالطفل لم ينشئ على قواعد النظافة بالكيفية المطلوبة فعملية  قضاء الحاجة لدى الطفل والتي تعد حاجة غريزية لديه لا يستطيع الطفل أن يتحكم فيها   لكن الأم  الجزائرية غالبا ما تحرص على”تسريع” اكتساب قواعد النظافة  لدى صغيرها  بالصراخ والوعيد  رغم أن السلوك الصحيح يتطلب منها الصبر و  المرونة  
من جهة أخرى وفي حين تعد عملية قضاء الحاجة  عملية تبعث  على السعادة في نفسية الطفل لما فها  من  إحساس بالراحة  يعد الأمر بالنسبة   للام أمرا مقرفا يظهر في اشمئزازها منه وكل هذا ينعكس على نفسية الطفل   الذي يحاول أن يعوض هذه اللذة التي حرم منها في الصغر وإشباعها بطريقة غير سوية وهو ما يتجلى في القذارة التي تنتشر في الجدران  والشوارع مما يعادل عملية تفريغ وانتقام من كبت الطفولة ومكبوتات أخرى تراكمت عبر الزمن . “
مما سبق يتبين أن العاصمة لن تصبح نظيفة وفي مراتب مشرفة ضمن  عواصم العالم إلا بعد  ضبط إستراتيجية محكمة ومضبوطة  عوض الحلول الترقيعية التي جعلت الأمور  تراوح مكانها  أما الحديث عن وعي الجزائري  وتواصله الفعال مع نظافة محيطه   فتلك أشواط طويلة لم تبذل فيها أي خطوة  بعد.

رابط دائم : https://nhar.tv/lR0SW