الجزائر.. التجارة الإلكترونية تُنقذ كبار السنّ من كمّاشة الشيخوخة
عددٌ متنامي من الجزائريين باتوا يدركون اليوم، أن مهارات التقنيات الرقمية الحديثة، ومساحات استغلالها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لم تَعُد حِكرا على فئةٍ دون أخرى، يكفيك أن تملك جهازا ذكيا حتى تواكب عصرك،
وتكون على قدر من الفرص المتاحة لغيرك، في عالم رقمي مليئ بالفرص والمناسبات السانحة، فالنمط الاجتماعي الجديد أمام التحولات الرقمية، بات يفرض قواعده الجديدة على المجتمعات العصرية، في شتى مناحي الحياة الإجتماعية، الإقتصادية وحتى السياسية وغيرها،
إلا أن الحصة الإقتصادية من بين هذه المجالات، تُعد الأعلى أسهمًا في التداول والإستغلال، وذلك لما توفره هذه المواقع من فرص نجاح متكافئة وتحفيزات متساوية لجميع مستخدميها خاصة في شقها الإقتصادي، تحت مُسمّى التجارة الإلكترونية.
استقطابٌ متزايد.. وما لم تحرزه القوانين التنظيمية، تكفلت به كورونا
كما تراهن الجزائر منذ سنوات على تمهيد الطريق أمام الإستثمار في التجارة الإلكترونية، وذلك لما توفره التكنولوجيات الحديثة من مزايا وتسهيلات، وجب استغلالها استغلالا يمتد إلى كافة أطراف الشبكة العنكبوتية، ومع ارتفاع معاملات البيع والشراء، والخدمات المختلفة على الأنترنت، أقرّت الجزائر عام 2018 القانون 18 -05 والمتعلق بالتجارة الإلكترونية، بغرض تنظيم هذا النشاط الإلكتروني، وتحديد إلتزامات الممونين والعملاء الإلكترونيين، ومنه استقطابُ عدد لا بأس به من التجار الرقميين.
عبد الباسط جفال، صاحبُ مؤسسة تسويق، يقول في تصريح “للنهار أونلاين” أنه دخل عالم التجارة الإلكترونية من باب التسويق الإلكتروني عام 2013، معتبرا إياها ضرورة حتمية، أمام النظام العالمي الجديد، خاصة بعد فترة جائحة كورونا التي ساهمت في ولوج الملايين من العملاء والزبائن، إلى هذا الفضاء الشاسع، وذلك بفضل أوقات المكوث بالبيت، والقيود المفروضة خلال فترات الحجر الصحي، بالمقابل تلجأ فئة أخرى إلى هذا الفضاء، هروبا من الالتزامات الوظيفة، و محاولة منها لتحقيق الإستقلالية المالية، واعتماد الأنترنت كمصدر دخل إضافي، قبل أن تصبح هذه المصادر الإضافية هي الدخل الأساسي حسب السيد جفال.
وجهة نظر، نفسها وجدناها لدى السيد بوعون عيسى وهو مسؤول مركز بمؤسسة خاصة للتوصيل، حيث يقول أن التجارة الإلكترونية في الجزائر، لقت تطورا ملحوظا خلال الثلاث سنوات الأخيرة، أي منذ فترة الجائحة الصحية، وتداعياتها، خاصة أيام العيد والمناسبات التي تشهد فيها الأسواق إقبالا كبيرا للمواطنين، ونظرا للاحترازات الصحية المعمول بها، فقد ساهم ذلك في التوجه نحو المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي، من أجل تقديم طلبيات في الخدمات والألبسة والأغراض، يضيف، وبالطبع هناك خطوات كبرى منتظرة للتجارة الإلكترونية في الجزائر، خاصة مع توجه الجزائريين نحو الاستعمال المتزايد لبطاقات الدفع الإلكتروني.
وللحصول على نظرة شاملة حول واقع التجارة في الجزائر عموما، ومدى اندماجها مع هذا العالم الرقمي على وجه الخصوص، سيما في ظلّ القانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية، والمحدد للقواعد العامة الخاصة بها، تقربنا من مصالح المركز الوطني للسجل التجاري، حيث تُفيد الأرقام المقدمة لنا من طرف السيدة نجاة عُلمي، بصفتها مديرة التعاون والاتصال، أن عدد المسجلين في السجل التجاري ضمن نشاط التجارة الإلكترونية، وإلى غاية تاريخ 20 جوان 2022 قُدر بـ 2308 مشترك ما بين أشخاص طبيعيين ومعنويين، موضحة في ذات السياق، أن هذا الرقم وإن كان ضئيلا مقارنة بعدد المسجلين في السجل التجاري، والذي يقارب المليوني مشترك، إلا أنه يحوز نسبة 50 في المائة، من المشتركين ضمن فئة كبار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين 40 و60 سنة، فيما قُدرت نسبة الأشخاص ما فوق الـ 60 عاما بحوالي 15 في المائة، من منتسبي المركز، ضمن نشاط التجارة الإلكترونية.
كبار السنّ.. حلقةٌ بارزة في عالم التجارةِ الإلكترونية
بالتعمق قليل في موضوع التجارة الإلكترونية، وواقعها النشط بالمجتمع الجزائري، واستنادا إلى الأرقام سالفة الذكر، وجدنا أن الفئة الأبرز في كل هذا، تتمثل أساسا في كبار السنّ، والتي اختارت هذا الفضاء سواء للتسوق، أو التجارة، أو حتى التوفيق بينهما، دون الإلتفات إلى الفوارق الإجتماعية بينها وبين الشباب، الذين يعتقد البعض أنهم يحوزون على أسهُم هذا الفضاء دون غيرهم، إلا أن الواقع غير ذلك، فهو يُبين عن مئات التجار من كبار السن، برتب رجال أعمال في أوجّ عطائهم.
ومن بين القصص الملهمة التي يمكن لمئات الشباب الإقتداء بها، قصة السيدة دليلة ذات الـ 55 عاما، والتي استطاعت تحقيق هدف ولوج مجال الخياطة الإلكترونية، قبل أن تتعداها إلى التجارة والتسويق لمنتجاتها وخدماتها عبر النت، كل هذا بفضل شغفها الواسع وطموحها الكبير رغم التزاماتها العائلية، ومسؤولياتها اليومية، إذ استطاعت في غضون سنتين أن ترفع التحدي أمام عدم قدرتها التحكم في التقنيات الحديثة في البداية، إلا أنها اليوم وبعد صبر كبير وتحدي فريد من نوعه، تُعد قدوة لملايين الشباب، ممن يرغبون في إقامة مشاريعهم التجارية الإلكترونية، بل وتعمل على تدريب عشرات النساء، وقد أسرّت إلينا أنها تُدرّس سيّدة في السبعين من عمرها، وأخرى في الخامسة والستين، ناهيك عن أخريات لا تقل أعمارهن عن الخمسين عاما، ومع ذلك فقد لقت منهن تجاوبا كبيرا، أمام تجربتها في هذا العالم الرقمي، وما تقدمه لهن من نصائح.
تقول السيدة دليلة، أو “خالتي وهيبة” كما يناديها زبائنها “في الأيام الأولى وجدت صعوبة وضغوطات كبيرة، حتى أنني كنت أفقد العديد من الطلبيات”،(تضحك) ثم تضيف، لكن الآن الأمور جيدة، أتعامل مع الزبائن عن بعد ودون إضاعة وقت أو حتى وقف العمل لأجل استقبال الزبائن، فقط أتعامل عبر النت أما بالنسبة للدفع فهناك من يدفع عبر البريد وهناك من يفضل التنقل أو الدفع عند استقبال البضاعة.
كما تقول السيدة مختاري سهيلة، صاحبة الـ 60 عاما، في حديث مع النهار “أونلاين”، وهي رائدة أعمال في التسويق المباشر، أن عدم التحكم في تقنيات التسويق الإلكتروني عرّضها لخسائر كبيرة، معتبرة أن التسوق المباشر قد يأخذ وقتا طويلا مقارنة بالتسوق الإلكتروني، الذي يوفر جهدا ووقتا بفضل تقنيات التسويق الحديثة، لمن يتقنه طبعا، تضيف أن المنتج على الأنترنت تكفيه ورقة فنية واحدة للتعريف به، وعرضه لملايين الزبائن دون حاجة عرضه بالمحلات التجارية، وهو ما يبرر تتمة قولها أن كل مشترياتها من الأنترنت.
أما السيد بوعون عيسى، وهو مسؤول مركز في مؤسسة خاصة للتوصيل، فيقول أن تجربته مع كبار السن في البداية، كانت غالبا ما تصطدم ببعض العراقيل، وذلك لعدم تحكم هذه الفئة في الوسائط التكنولوجية الجديدة، إلا أنه وبمرور الوقت والتكرار، هناك قابلية كبيرة في التأقلم مع الوضع، والآن هم يديرون تجارتهم بصفة جيدة، بل وهناك من يساهم في توظيف أشخاص أخرين، ضمن برنامجه التجاري عبر النت.
نقائص عمّقت من مفاهيم متعددة للتجارة الإلكترونية.. يستوجبُ تداركها
تماشيا والتصريحات الرسمية المحفزة والمشجعة حول واقع التجارة الرقمية في الجزائر، يرى خبراء ومتابعون، أن الواقع الجزائري لم يصل بعد إلى التجسيد الفعلي والتام لمفهوم التجارة الإلكترونية، بمعناه الإقتصادي المساهم في خلق الثروة، حيث يوضح السيد فؤاد ابراهيم قية، بصفته خبير تكنولوجيا أن غالبية العمليات التجارية، التي يقوم بها الجزائريون عبر النت، لا تتعدى إطار التجارة عبر الواب، وذلك على أساس أنها عمليات تتم عبر النت، ابتداء من عرض المنتج وتسويقه إلى اختياره وشراءه من طرف الزبائن، إلا أن الحلقة المفقودة في هذه العملية، فهي تتمثل في الدفع الالكتروني، الذي لم يعمم بعد على كافة المواقع التجارية، وهو الأمر الذي وقفنا عليه خلال اطلاعنا على بعض المنشورات التي يختتم أصحابها إعلاناتهم (الدفع عند الإستلام).
رغم هذا لا تخلو الساحة من توجه المئات من الجزائريين إلى إستعمال البطاقات البنكية، التي تقدمها أغلب البنوك الوطنية، والتي تعتمد نظام الدفع الإلكتروني، حيث يشير التقرير الأخير لتجمع النقد الآلي، عن ارتفاع كبير في عدد البطاقات البنكية المتداولة، والذي تجاوز عتبة 11 مليون بطاقة بنكية، في حين يُراهن التجمع على بلوغ رقم 16 مليون بطاقة بنكية، أفاق العام 2024، ما يمهد الطريق أمام عمليات الدفع الإلكتروني.
في انتظار ارتفاع عدد المواقع التجارية التي تعتمد على خدمة الدفع الإلكتروني في الجزائر، سواء بالبطاقات البينبنكية أو البطاقة الذهبية، سيكون أمام كبار السن في الجزائر الرهان الأكبر، والمتمثل في التعامل مع نظام الدفع الإلكتروني، والإستغلال الأمثل للتقنيات الحديثة، في ظل تغيّر نمط الحياة الحالي، من حسن إلى أحسن.