الأكواخ القصديرية تحاصر أطراف حيدرة أرقى بلدية في الجزائر
تتميز بلدية حيدرة بأنها أرقى منطقة بالعاصمة و أغناها لكن وراء تلك الصورة الراقية توجد العديد من العائلات تعيش حياة البؤس و الفقر في بلدية ذاع صيتها في وقت “مضى”
تقارير كشفت عن تحولها إلى منابع تجنيد الانتحاريين وقواعد لتنظيم “القاعدة”
طوارئ في رئاسة الحكومة لغلق ملف “أحزمة البؤس” بضواحي العاصمة
نائلة.ب
يعقد رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم هذا الأسبوع اجتماعا موسعا مع والي ولاية الجزائر محمد الكبير عدو ووممثلي مختلف القطاعات المعنية لتدارس مشكل انتشار السكنات القصديرية بالعاصمة ومحاولة إيجاد حلول عاجلة و جذرية و ذلك استجابة لتقارير أمنية تفيد بأن هذه السكنات الفوضوية أصبحت منطقة نشاط هامة لعناصر الجماعات الإرهابية التي أصبحت تجند أفراد شبكات الدعم و الإسناد وسط سكان هذه الأحياء إضافة إلى انتحاريين حيث كان مروان بودينة ( معاذ بن جبل) انتحاري مبنى رئاسة الحكومة ينحدر من الحي القصديري بن بولعيد بالمقرية و تم توقيف العديد من عناصر الدعم يقيمون في الأحياء القصديرية. و تسعى السلطات العمومية من خلال هذا اللقاء إلى بحث الإمكانيات المتوفرة لـ”تجفيف منابع التجنيد و التوظيف في صفوف الجماعات الإرهابية” بعد أن تحولت الأحياء القصديرية إلى القواعد الخلفية للإرهاب حيث لجأت قيادة ما يعرف بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ” مؤخرا حسب تحقيقات أمنية إلى تجنيد أتباعها من هذه الأحياء باستغلال الغبن الاجتماعي و تشير تحقيقات سابقة في قضية الانتحاري مروان بودينة أن رئيس شبكة تجنيده وعده بمقابل مادي مغري مقابل القيام بعملية انتحارية و كان قد اتصل بوالدته قبل 3 أيام من تنفيذ العملية الانتحارية و أبلغها أنه سيتم تسوية مشكل السكن الذي تعاني منه منذ سنوات قريبا جدا .
و تطرح أجهزة الأمن صعوبة مراقبة هذه الأحياء خاصة في ظل انعدام إحصائية حقيقية على خلفية المتاجرة بالبيوت القصديرية بصفة غير شرعية .و قال مسؤول أمني بالعاصمة ” يمكن لأي شخص أن يبني سكنا فوضويا دون علم السلطات الإدارية و الأمنية و يكون مجندا في صفوف الإرهاب ” ، و كانت تحقيقات أمنية قد أشارت إلى محاولات نشطاء الجماعات الإرهابية التغلغل وسط السكان في الأحياء القصديرية و الفوضوية في ظل تراجع تعاون المواطنين معهم لجمع المعلومات أو استغلال هذه البيوت القصديرية كورشات صناعة المتفجرات و القنابل التقليدية وإعادة تهيئة السيارات المسروقة و مركز عبور و تنقل الإرهابيين ، و كانت صدرت تعليمات في وقت سابق لمختلف أجهزة الأمن للقيام بحملات أمنية داخل هذه الأحياء التي تعد أيضا معقل شبكات الجرائم و المتاجرة بالمخدرات و الدعارة و السرقات و يسهل التنسيق بينها و بين الجماعات الإرهابية.
و كان والي الجزائر قد قدر في لقاء سابق عدد البيوت القصديرية بالعاصمة بـ 40 ألف بيت و حمل المسؤولية لرؤساء البلديات، واعترف أنه “لا يمكن منح سكنات لكل العائلات التي تقطنها” مشيرا إلى صعوبة القضاء عليها حيث كانت في سنوات سابقة قبلة الفارين من اللأمن في مناطقهم قبل أن تتحول في السنوات الأخيرة إلى إحدى القواعد الخلفية للإرهاب. قي في حيدرة الغناء الفاحش و حياة البؤس كلاهما جمعا في هذا الحي الراقي وجه يظهر من خلال منازل فاخرة و مشاريع في طور الانجاز و مباني ضخمة للعديد من السفارات، و وجه آخر رسمه حي “دودو مختار” القصديري الذي تفنن قاطنوه في رسم معالم البؤس و الشقاء. فبمجرد أن وضعنا قدمنا بالمكان حتى انتابنا شعور و كأننا ابتعدنا عن العاصمة و توجهنا نحو احد مداشر الجزائر الشاسعة فالسكنات كانت عبارة عن جحور لا غير و برغم من فقر المكان إلا أن الفوارق الاجتماعية وجدت لها مكان هناك، فمنهم من كانت جدران بنايته مبنية بالاسمنت و سقفها عبارة عن صفيحة قصديرية و هناك أيضا سكنات مشكلة من صفائح حديدية و خشبية موضوعة بشكل غير متناسق كما توجد بعض البيوت القصديرية التي تظهر بها فجوات كبيرة بإمكان للفئران الدخول عبرها و بنفس المكان وجدنا عدد من الأطفال بألبستهم الرثة منهم من كان ينتعل حذاء قديما و منهم من كان حافي القدمين تظهر عليهم سمات الاحتياج و الفقر.
في بداية جولتنا بالحي وقفنا عند بعض شيوخ و رجال كانوا يرتدون ألبسة شعبية “القشابية و البرنوس” يجلسون على الأرض اقتربنا منهم فسمعنا لهجات مختلفة يتحدثون بها فلما كشفنا عن هويتنا لهم تساءلوا عن سبب مجيئنا و طلبوا منا الرحيل مرددين عبارة “لا نحتاج لأحد لا لصحافة أو غيرها و نحن مقتنعين بحياتنا لولا تدخل الحكومة التي تنوي طردنا من المكان” إلا أن ذلك السلوك لم ينطبع على الجميع بل هناك من رحبوا بنا و طلبوا منا سماعهم و تفقد مساكنهم من الداخل فلم نرفض طلبهم و ذهبنا رفقة احد السكان إلى بيته الذي كان عبارة عن خردة مرمية بأرجاء المكان الذي ترتع فيه الفضلات والأوساخ ويأوي في نفس الوقت عائلة و قبل دخولنا البيت شد انتباهنا بئر يخرج منه العديد من الخراطيم كانت موجهة إلى تلك البيوت و اخبرنا رفيقنا إن ذلك البئر هو المنبع الوحيد الذي يستفيد منه السكان بالماء فدخلنا منزله قد لا نقول انه متواضع لأنه لا يوحي بذلك بل هو عبارة عن قبر للأحياء جلسنا رفقة العائلة التي استقبلتنا و أملهم فينا أن نوصل معاناتهم للسلطات المعنية فحسب ما صرحت به لنا العائلة هو أن الحي يجمع العديد من الآفات الاجتماعية مثل السرقة و استهلاك و بيع المخدرات فأطفال الحي فتحوا أعينهم على الحرمان من عدم وجود بيت دافئ فلم يجدوا أمامهم سوى امتهان التسول تارة و بيع قطع النحاس و الحديد تارة أخرى و هذا بعد جمع تلك البقايا من ورشات البناء الموجودة بالمنطقة أما عن تمدرسهم فهم يغادرون المقاعد الدراسية في سن مبكر حسب ما أكده لنا اغلب أوليائهم فلا يجد الشباب أمامهم إلى اتخاذ الطريق الخاطئ و هو تناول المخدرات و السرقة.
تنقلنا بعدها إلى عائلة أخرى استضافتنا لوقت قصير للتروي لنا هي أيضا عن معاناتها التي بدأت سنة 1996، قالت صاحبت البيت ” يومها لم نجد أنا و زوجي مأوى رغم أننا كلانا نشتغل فاضطرينا إلى بناء بيت قصديري بشارع سيدي يحيا بحيدرة لكن تم تهديمه من طرف المصالح المعنية” مضيفة” فجئنا مباشرة إلى حي دودو مختار الذي كان يجمع 38 عائلة تقطن ببيوت قصديرية فقط لكن التهاون و التواطؤ جعل عملية التكاثر سهلة و في وقت وجيز و وصل إلى 1250 بناية
من محطة.. إلى محطة مشابهة
ذلك الحي كان خاليا من تلك السكنات القصديرية قبل 1996 لكن بعد تهديم البيوت القصديرية التي كانت تحوي 38 عائلة و الواقعة بنفس البلدية و المسماة حي سيدي يحي وجدت تلك العائلات نفسها مرغمة على أن تحط رحالها بمنطقة أخرى و بنفس الطريقة غير المرخصة كان العدد قليلا لكن اليوم وصل إلى 1250 عائلة حسب ما اخبرنا به بعض العائلات هناك فانه لا توجد أية رقابة في هذا الموضوع فسكان الحي جاءوا من مناطق مختلفة من الوطن منهم من جاء هاربا من الإرهاب و منهم من جاء قصد إيجاد العمل بالعاصمة ومنهم من يشتغل في الأمن والتعليم والتجارة ومشكلتهم الوحيدة هي السكن فبنوا تلك البيوت القصديرية و بعد أيام توجهوا إلى شركة “سونلغاز” لطلب تزويدهم بالكهرباء و هذه العملية الأخيرة لا تعرف صعوبة حسب تصريحهم بل المهم في الأمر هو دفع مستحقات الشركة التي تحولت إلى شركة تجارية لا غير تسعى إلى إيجاد اكبر عدد من المشاركين كيف ما كانوا بطريقة مرخصة أو غيرها .
العائلات ” يرونا جزء من حملتهم الانتخابية لا غير”
أما عن علاقتهم مع البلدية اجمع السكان بقولهم “لا نراها سوى أثناء الفترة الانتخابات فالمصالح التقنية تأتي و ترقم جميع سكناتنا حتى و إن كان وفود البعض للمكان منذ ساعات و تعطينا وعود بإسكاننا في منازل اجتماعية لائقة و تبقي تلك الوعود سوى كلام يوهمنا به لكي ننتخب فقط حيث أنهم يرونا جزء من حملتهم الانتخابية لا غير” غادرنا الحي تاركين ورائنا صور الفقر المرسومة على وجوه أطفال و شيوخ منهم حتى من جاهد إبان الثورة الفرنسية و لم يأخذ من تلك التضحية سوى الفقر هذا ما عبر عليه احد الشيوخ هناك، كما أنها لا تخلوا بقعة من الحي ألا و تملئها الأوساخ المترامية هنا و هناك لا تصلح حتى مكانا للحيوانات كان حديث معظم سكان الحي القصديري معنا حول قرار الهدم الذي داولته الصحف الوطنية فالكل يري نفسه أن لديه حق في سكن لائق هذا مجاهد و الأخر ابن شهيد و الكل أبناء الجزائر هكذا عبروا السكان عن احتجاجهم عن القرار
البزنسة تطلل حتى البيوت القصديرية
بعد الانتشار الواسع للبناءات الفوضوية أصبحنا نسمع الكثير عن البزنسة فيها حيث انه يقدر ثمن بناء البيت القصديري ب 5 ملايين سنتيم و المساحة التي يبنى عليها لا تتجاوز 4م3 قد تكون الأرض المستغلة أما مستثمرة فلاحيه مهملة أو أراضي تابع للدولة يستطيع أي شخص البناء فوقها فبعد تدوين البلدية لسكان الحي و إعطائهم الوعود بترحيلهم إلى سكنات اجتماعية لائقة منهم من يلجأ إلي بيع البيت القصديري بمبلغ يتراوح بين 30 و 40 مليون سنتيم بحجة تعويض لما خسره في عملية البناء فحي “دودو مختار” و حسب شهادة السكان أن هناك من يبني بيتا قصديريا أخر بجوار بيته و يرحل إليه و يبيع القديم و هناك العملية تتواصل فمنهم من باع ثلاثة بيوت قصديرية بنفس الطريقة.
الأمين العام للبلدية…لهم نفس حقوق سكان حيدرة
و في نفس السياق أكد الأمين العام لبلدية حيدرة في لقاء مع “النهار” بأنه بعد الإحصائيات الأخيرة وصلت البنايات القصديرية إلى 965 بناية أكثر من 900 بناية تتمركز في حي “دودو مختار” و قرابة العشرة في شارع “سيليي” و عدد قليل أيضا لا يتجاوز 6 بنيات في حي “سيدي يحي” منوها في سياق متصل بان المشكل لا يمس بلدية حيدرة فقط بل هو مشكل وطني حيث قال “ما من احد يسكن في ذلك الجو برضاه بل الظروف الاجتماعية الصعبة أرغمته على ذلك”.
أما عن المكانة القانونية لسكان هذه البنايات الفوضوية قال محدثنا أن لهم نفس حقوق سكان حيدرة كونهم يؤدون واجبهم الانتخابي لهم حق استخراج الوثائق الإدارية ، أما عن شهادة الإقامة أوضح نفس المصدر بأنهم يستخرجونها بعد تقديم وصل الكهرباء الذي يتحصلون عليه بمجرد إدخال شركة سونلغاز الكهرباء لتلك العائلات و معتبرا أن هذه الأخيرة تحول عملها من مؤسسة وطنية إلى مؤسسة تجارية لا يهمها سوى دفع مبلغ الاشتراك و كان جوابه عن سؤالنا في ما يخص البزنسة في تلك البيوت بان ذلك الأمر شيء غير ملموس و بتالي لا تستطيع البلدية أو غيرها الوصول إلى شيء مؤكدا بأنه بعد عملية الإحصاء الأخيرة توقفت عملية البزنسة تلك. كما أضاف بان البلدية تدرس جميع الملفات “965” لإيجاد حلول لها، أما عن الهدم قال محدثنا انه دور الوصاية و ليس البلدية مشيرا إلى أن هؤلاء السكان يعيشون حياة البؤس تلك رغما عنهم ولم يجدوا غيرها.