الأطفال المسعفون في اليوم العالمي للطفولة، أي دفء عائلي وأية حقوق:الأولاد ضحايا الطلاق والظروف الاجتماعية القاهرة فقدوا تركيزهم ودموعهم من دم و3 نساء من علاقة مشبوهة يعشن بالمركز.. الأب فر لإيطاليا والأم أنكرتهم وتزوجت
لا يريدون شيئا، لا أكل ولا ملبس، لا المال ولا الفيلات الفخمة، يريدون هويتهم وأصلهم، إلى من ينتسبون، هو حال الطفولة المسعفة بسطيف، لا يحسون بالحنان وحتى إن كان لا ينقصهم، ولا يعرفون معنى للحياة، شغلهم الشاغل من هم؟ لماذا هم بالمركز وليسوا بمنزل دافىء كباقي الأطفال؟، لماذا ليس لهم والد وأم فقط وليس مجموعة من المربين؟، إنهم تائهون يبحثون عن هويتهم، أسرار كبيرة كشفناها بدار الطفولة المسعفة بسطيف تخص أطفالا أبرياء لا ذنب لهم، يدفعون ثمن أخطاء والديهم سواء كانوا يعرفونهم أو لا يعرفونهم، وهي الكارثة العظمى لما تتخلى عائلة عن أبنائها بعد أن يترعرعوا فيها لسنوات. تابعوا معنا هذا الروبورتاج لتعرفوا أسرار وخبايا تقشعر لها الأبدان.
” النهار” تطرق أبواب مؤسسة لا يعرف عنها الكثير من المواطنين إلا أنها تأوي أطفالا ضحايا نزوات عابرة، أو كما يسمى بالطفولة المسعفة، أو مجهولي النسب، والحديث عنها يعد من الطابوهات ولا تزال كذلك، إلا أن الواقع شيء آخر، دخولنا لهذه المؤسسة جاء بإذن من وزارة التضامن الوطني، فكان لنا في البداية لقاء مع المدير، فراح فؤاد، الذي أطلعنا على المراحل التي يمر بها كل من يدخل المركز والتي تتمثل في الملاحظة، ثم يمر للمرش للنظافة وتغيير اللباس، وبعدها الفحص الطبي، وبعدها تنظم له مقابلة نفسية، إضافة إلى معرفة شخصيته، سوابقه، كفاءته ومستواه الدراسي، والمخول له قانونا بإدخال الأطفال للمركز هو الوالي، أو من يمثله ويتعلق الأمر بمدير النشاط الاجتماعي عن طريق الوضع الإداري، والوضع القضائي عن طريق قاضي الأحداث أو وكيل الجمهورية، أو الوضع عن طريق التكليف من مختلف جهات الأمن.
يوجد بالمركز عدة أجنحة منها جناح الحضانة وعدد الأطفال فيه غير مستقر بسبب دخول أطفال جدد وخروج آخرين متكفل بهم من عائلات، وجناح الطفولة المسعفة المتمدرسين من 6 سنوات إلى 18 سنة وعددهم 16 ذكرا و 18 أنثى، وجناح خاص بالذكور الكبار وعددهم 19 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 19 سنة وأكثر وأكبرهم 47 سنة حاليا، منهم 8 أشخاص عاملون خارج المؤسسة والباقي عاطلين بما في ذلك المعوقين، وجناح الإناث كبار السن من 19 سنة فأكثر، وعددهن 35 امرأة، أكبرهن امرأة لها طفلين تبلغ من العمر 48 سنة، العاملات منهن 12 امرأة والبقية عاطلات. كل هؤلاء يعيشون بدور الطفولة بسطيف يجمعهم مصير واحد، ويبحثون عن هدف واحد.
أطفال يبحثون عن هويتهم وعن أصلهم رغم الطلبات الكثيرة عليهم
معظم الأطفال حديثي الولادة الذين يدخلون دار الطفولة بسبب العلاقات غير الشرعية، معاينة مؤلمة يدركها جيدا مسيرو المركز، استوقفتنا قصة ثلاث بنات يبلغن حاليا 17، 22 و26 سنة على التوالي، ولدوا عن علاقة غير شرعية بين أم وأب تم نقلهم للمركز في تلك الفترة، الأب سافر إلى إيطاليا والأم تزوجت، ولما عاد الأب من إيطاليا أراد الاعتراف ببناته وتسجيلهن باسمه لكن الأم رفضت كونها الآن متزوجة، وأمر كهذا يجعلها تخرب بيتها الحالي، ورفضت الاعتراف أو التسجيل لتبقى البنات الثلاثة دون اسم عائلي بالمركز يدفعن ثمن الأب والأم.
وأول سؤال يتبادر إلى ذهن الأطفال المسعفين، من هم؟ من هو الوالد؟ ومن هي الوالدة الطبيعية؟ ولماذا رموهم وتركوهم؟ وما هو أصلهم وهويتهم؟، أسئلة يصعب الإجابة عليها من أي شخص كان، ويبقى المشكل الكبير في غياب الهوية يعرقل الطفل في التعليم والتأقلم مع المحيط حيث يجد القائمون صعوبة كبيرة من أجل تسجيلهم، كما أن بعض الأمهات يأتين لزيارة أولادهن، ومنهن من لا تعود بعد ذلك لا لشيء إلا خوفا من الفضيحة.
… والبصمة الوراثية هي الحل
نظرا للسؤال الذي يطرحه الطفل المسعف والمتعلق بنسبه وهويته، لا يحله إلا تطبيق القانون الجديد الذي تحدث عنه وزير التضامن باستعمال تقنية البصمة الوراثية ADN، والذي يسمح للطفل المسعف بحمل لقبه العائلي حتى وإن لم تتم العلاقة غير الشرعية بالزواج، لكن ذلك يخفف من آلام الطفل المسعف ويرفع عنه الحرج خاصة في المدرسة وأمام زملائه مثلما يحدث اليوم، خاصة عند قراءة ملاحظة متكفل به، والكثير يؤكد أن وجود نسب للطفل حتى وأن رفض الأبوان رعايته فإن الأضرار النفسية والصدمة تخف على الطفل، ويمكن له الوصول إلى أصله وأهله، لأن ما يهم الطفل -حسب الأخصائيين- هو معرفة أصله وفقط لتكتمل شخصيته.
ضحايا الطلاق والحالات الاجتماعية القاهرة مأساة
ولم يقتصر الأمر على الأطفال الذين يولدون من علاقة غير شرعية فقط، فهناك من يتخلى عن أبنائه نتيجة الظروف الاجتماعية القاسية، منها حالة تتمثل في إقدام زوجين على وضع إبنهما بالمركز، يبلغ من العمر سنتين ونصف، وهذا بسبب الظروف الاجتماعية القاهرة، حيث يأتي الزوجان لزيارة ابنهما من حين لآخر. حالة هذا الطفل جد مؤثرة، حيث كلما رأى رجلا إلا وتعلق به وهو يبكي، دليل على تعلقه بوالده، المنظر جد مؤثر وقلب والديه قاس.
حالات اجتماعية كثيرة جعلت عائلات تلجأ إلى دور الطفولة المسعفة، على غرار حالة العائلة التي وجدت في إحدى قرى منطقة بازر سكرة منذ أشهر في كوخ، حيث تم توجيه الأم، وهي تعاني من مرض عقلي إلى دار الحضانة، ونقل الأطفال الخمسة إلى المركز، 4 بنات أكبرهن 16 سنة، وواحدة معوقة ذهنيا وطفل يبلغ 4 سنوات. مع العلم أن الأطفال غير مسجلين لأن الزواج لم يكن مسجلا، أي أن الزواج غير شرعي، وبعد دخول هؤلاء الأطفال، الذين وجدوا في ظروف اجتماعية قاهرة، تم حلق شعرهم إناثا أو ذكورا، وتغيير ملابسهم ناهيك عن النظافة.
عائلة أخرى تتكون من 6 أطفال، 3 ذكور و3 إناث، يقيمون بالمركز منذ 2003 من إحدى المناطق بعين أرنات، كانوا يعيشون في ظروف جد مزرية، الأم وإحدى بناتها توفيت متأثرة بمرض السل، والأب تزوج، والأولاد بقوا في دار الطفولة المسعفة.
كما كان للطلاق دور كبير في رمي الأبناء في دور الحضانة، فهناك عدة حالات أدت إلى رمي الأبناء بدور الحضانة، منها 11 طفلا يعدون من ضحايا الخلافات الأسرية، ومنها حالة أخرى ماكثة بالمركز بسبب وفاة الأم وتعرض الأب لحادث مرور نجم عنه إعاقة، له ثلاثة أطفال ولا أحد يتكفل بهم، فالأب يتواجد بدار العجزة، والأطفال بالمركز.
عاشت 16 سنة في عائلة متكفلة.. ثم ترمى بالمركز وتحاول الانتحار
سجلت مديرية النشاط الاجتماعي عددا كبيرا من طلبات التكفل بالأطفال المسعفين، وتدرس اللجنة المخولة لذلك أكثر من 20 ملفا جديدا شهريا، وهذا ما جعل الطلب أكثر بكثير من عدد الأطفال المتواجدين بالمركز. ورغم ذلك، فإن عددا معتبرا من المتكفل بهم يعودون للمركز بعد سن 14، لعدة أسباب، منها أن هذه المرحلة مرحلة المراهقة جد صعبة على الشاب أو الشابة ولا تجد العناية المطلوبة، وكذلك سماع ألفاظ غير مقبولة في العائلة تجعل الطفل المتكفل به متوترا وعصبيا. كما أن طريقة إخبار الطفل بأنه من دار الطفولة ووالديه مجهولين يصدم الطفل، ويزيد من توتره وتوتر أعصابه في هذه المرحلة الصعبة، وهو ما يدفع بالعائلات إلى إعادتهم إلى دور الطفولة.
وفي هذا المجال سجلت عدة حالات منها حالة عاشها المركز منذ حوالي شهرين، تعلقت بإعادة طفلة تبلغ من العمر 16 سنة، بعد وفاة رب العائلة التي تكفلت بها فوجدت رفضا من الأبناء الشرعيين ومن محيط العائلة بصفة عامة ما عدا الأم، إلا أنها رضخت للضغوط، وهذا رغم أن هذه الطفلة دخلت هذا المنزل في شهورها الأولى من الولادة، هذه الحالة لم تتقبلها هذه الفتاة التي صدمت بهذا الموقف، فبعد أن عرفت الحقيقة وبعد إعادتها للمركز حاولت الانتحار، ناهيك عن القلق والبكاء.
حالة أخرى من شلغوم العيد، حيث قامت عائلة كانت تتكفل بطفلة وبعد 14 سنة قامت بإرجاعها إلى دار الطفولة، غير أن هذه العائلة لم تتحمل وعادت وأخذت هذه الفتاة مرة أخرى.
من جهة أخرى، كشف لنا أعوان المركز ونحن نجري هذا الريبورتاج الاجتماعي، عن استعادة أم إبنتها من المركز منذ أيام فقط، وهي تبلغ حوالي 14 شهرا وهي من عنابة، وقد عبروا عن فرحة كبيرة تعمهم بسبب هذا الحدث الكبير، الذي لا يحدث إلا في حالات نادرة.
رغم كل شيء.. الحياة تتواصل بدار الطفولة
يوجد بالمركز متحصل على شهادة البكالوريا، وهو طالب جامعي في السنة الأولى، وهناك طالبان مقبلان على امتحان شهادة البكالوريا هذه السنة، وأربعة على شهادة التعليم المتوسط، وثلاثة مقبلين على شهادة التعليم الابتدائي. كما تم فتح قسم لمحو الأمية من أجل الأطفال الذين وجدوا ببازر سكرة الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.
إضافة إلى هذه المشاهد المعبرة عن رغبة كامنة في الاندماج والخروج من هذه الوضعيات الصعبة، شهد المركز، ومنذ حوالي شهر ونصف، حفل زفاف فتاة، وتم في هذا الحفل احترام كل القواعد والعادات الجزائرية في الحفل، كما توجد أربعة طلبات زواج ستدرس ويتم التحقيق في الأشخاص أصحاب الطلبات. كما أكد مدير دور الحضانة المسعفة أن معظم الأطفال الذين يفوق سنهم 6 سنوات يحملون لقب عائلي كونهم ضحايا خلافات أسرية. في حين أن معظم الأطفال المسعفين تتم حضانتهم من العائلات، وأشار إلى أن كل طفل بالمركز له دفتر توفير يصب فيه المركز مبلغ 900 دينار المخصص له.
أطفال مصدومون من الحقيقة المفاجئة، وآخرون تائهون، دموعهم من دم
أكدت بن قروش سعاد، أخصائية نفسانية بدار الطفولة المسعفة، أن أهم المشاكل في المركز هو الخلط والجمع بين أطفال من فئات مختلفة مما يؤثر البعض بتصرفاته على البعض الآخر، وهذا يؤثر بشكل سلبي على العمل البسيكولوجي، إضافة إلى الخلط بين الإناث والذكور، وبالتالي فالتقسيم ضروري من أجل تكفل وعناية أفضل بكل فئة.
وذهبت في تحليلها إلى أن الاختلاط بين حالات مختلفة خطير على رواد المركز، خاصة إذا كان لبعض الأشخاص سلوكات سيئة قبل وصولهم، حيث تتحول المخدرات، محاولات الانتحار، ومختلف مظاهر الانحراف إلى عدوى يمكن أن تنتشر بين الجميع، وأكدت أن أحسن طريقة هي عزل الفئات عن بعضها.
ومن أهم الصعوبات كذلك هو تكفل عائلات بأطفال حتى يصلوا إلى سن معين بين 14 و16 سنة ثم يعيدونهم للمركز، وهذا يؤثر نفسيا على الطفل، وهنا لا بد من قانون يحث كل من يتكفل بطفل على ألا يعيده للمركز، ولا بد من اقتناعه قبل التكفل والتفكير في كل الظروف حتى لا نعرض الطفل لصدمات نفسية قد تكون وخيمة عليه، خاصة وأنه في فترة مراهقة صعبة وحساسة.
وأوضحت محدثتنا أن أول سؤال يطرحه كل طفل يبحث عن والديه، هويته، وأصله، وهذا أمر يصعب الإجابة عليه، مؤكدة وجود أخطاء كبيرة من العائلات التي تتكفل بهؤلاء في السن والوقت الذي يجب فيه إخبار الطفل والذي يكون قبل الدخول المدرسي كأحسن سن للطفل حتى يبدأ بتقبل الفكرة مبكرا مع ضرورة متابعته عن طريق طبيب نفساني، لكن، حسب السيدة بن قروش سعاد، فإن الكثير يكتشف حقيقته في وقت غير مناسب عن طريق الصدفة أو خصام في العائلة أو المدرسة مما يزيد من صدمة الطفل.
وفي هذا الشأن نقلت السيدة بن قروش عن إحدى الفتيات التي كانت تعيش عند عائلة أخرى قولها “أني كنت أسمع كلاما وألفاظا دنيئة وبذيئة تشير إلى نسبي، لكني لم أكن أعلم وكنت أظن أن ذلك مجرد كلام بسبب الغضب، لكن لما عرفت الحقيقة أدركت أسباب هذه الألفاظ”، وأكدت أن هذا سبب رئيسي في انحراف الفتاة أو الطفل في مثل هذه الحالات، حيث يصبح عصبيا ويبحث عن الانتقام.
وكشفت الأخصائية النفسانية أن التكفل النفسي بضحايا الطلاق أصعب بكثير من باقي الحالات، وهذا راجع لزيارات الوالدين للأطفال في الأعياد والمناسبات، خاصة وأن الكثير من هؤلاء الأطفال عاشوا لبعض الوقت بين أحضان العائلة ومن الصعب أن يتأقلموا مع الحياة الجديدة، والجهد المبذول من الأخصائية النفسانية.