إن الأصل في الأشياء الجواهر وليس المظاهر
أكيد أن الرياء ظاهرة بشرية موجودة في كل بقاع الأرض، وتعريفها لا يقتصر على سلوك معين، بل هي بألف وجه، وجميعها يشترك في نعت واحد ألا وهو غريزة التظاهر ولفت الانتباه ليس إلا.
مؤخرا ذكرنا أخواننا في وزارة الشؤون الدينية بما صار يذهب إليه أصحاب النفوذ المالي، يوم يتصدقون على المساجد، لكنهم يتماطلون حتى لا نقول يأبون دفع الزكاة كنصاب شرعي وخراج شرعي أقر به ديننا الحنيف حتى تتطهر الأموال، وحذر هؤلاء من المذهب السيئ، الذي لا يخدم الدين ولا حتى الإنسان المؤمن التقي الورع.
هذا السلوك بدأ يتوسع بقوة خاصة مع تعقد الحياة العامة للناس، وكثرة الموبقات والمغريات، وهذا لاعتقاد خاطئ لايزال معظم الناس يؤمنون به، وهو أن الأصل في الأشياء هو المظاهر وليس الجواهر، فمن خلاله صاروا يحكمون على قيم الناس ومكانتهم الاجتماعية، بل يبجّلون أصحابها أيما تبجيل، ولا تهمهم الحقائق الباطنية التي يُغض عنها الطرف ويتم إخمادها كلما حاولت أن تبرز.
ناهيك عن أن الحكم الأول هو إمداد الولاء والطاعة لأصحاب المال، وليس لأصحاب العلم والمعرفة، وكذا التقوى والبر والإحسان، وهذا طبعا يصب في صالح أولئك الذين حازوا على عصمة هذه القوة، أي المال بطريقة أو بأخرى، ويشجعهم على المضي دون هوادة في جلب عشرات وآلاف المعجبين والمناصرين.
فراحوا كلما أقبلوا على تقديم أي نوع من المساعدة إلا وجعلوا لها حملة تشهيرية، مسبقة وبعدية، بدافع أن ذلك يعزز أرصدتهم ويبقي على مكانتهم معززة مكرمة، متناسين بأنه مجرد أن تزول أموالهم هذه، تزول تلك المكانة وتلك زوال الطلاء من على صدأ كما تقول الحكمة.
لأن الأحكام الفقهية والسيّر والمآثر، أثبتت لنا بأن فعل الخير دائما وأبدا، يكون لوجه الله تعالى وليس لأحد، وهناك نصوص واضحة في هذا الشأن، لابد وأن يمتثل لها الإنسان المسلم، في عملية قبول ذلك شرعا ونصا، ولا توجد أبدا نصوص أو تشريعات تقر بالتشهير لهذا التبرع أو ذاك، فلماذا يتمادى هذا النوع من البشر في أن يكونوا مؤثرين في الحياة الدنيا، غافلين عن آراء العلماء والمشايخ الأكفاء.
قلنا إن عشاق الرياء هؤلاء، لا همّ لهم سوى أن يظهروا للوجود في ثوب النجوم المنقذين الساعين إلى تضخيم نفوسهم وشخصياتهم، من دون النظر أو التمعن أن ما من أحد أوصى بذلك، أو حث عليه لأنه مفسدة مثل باقي المفاسد في الأرض، وهو مصدر نوايا غير حسنة بل مبرمجة ولغاية يراد منها الاستقواء، ليس بجهد خالص ونقي بل تشوبه عدة تأويلات وشكوك، وفي ذلك قسط كبير من الحقيقة التي تشبه الغابة التي سرعان ما تهرم وتسقط تلك الشجرة التي كانت تغطي عليها.