أيّ شرف هذا.. نتخذ منه شماعة نعلّق عليها كل حالات الإخفاق والهزائم؟!
كثير من الإعلاميين العرب في مختلف القنوات وكذا المحللين هداهم الله، لا يزالون يروّجون لعبارات أقل ما يقال عنها إنها ليست كلاسيكية ومفزعة فقط، بل هي من بنات الكذب على النفس وبيع الأحلام بالقناطير، كتلك التي بتنا نسمعها بعد خسارة كل منتخب عربي في أي منافسة، وعدم تحصله ولو على نقطة: «الخروج بشرف». ولنطرح سؤالا هنا: ما هي الحالات التي يمكن الخروج فيها بلا شرف؟، أهي أسوأ من هذه وتلك، وكيف يكون لونها وشكلها؟
لماذا أصبح همنا الوحيد هو الدخول والمشاركة في أشهر المنافسات القارية، ودائما وأبدا تجد أسماء دولنا تتذيل المراتب السفلى؟!، ثم عقب الخروج تتهاطل تلك التصريحات، مشاركة مشرفة، وكأن دخولنا هو الشرف بعينه!، وأي نوع من الشرف هذا الذي بات لسان حالنا نتغنى به دوما وأبدا، ونتخذ منه شماعة نعلّق عليها كل حالات الإخفاق؟!، لسنا ندري أي شرف بقي لنا ونحن نعدّ العدّة ونغدق الأموال ونجيّش الجماهير من أجل ألّا نحوز على قسط أو نشتم رائحة انتصار واحد، وخير مثال ما حدث مؤخرا في كأس العالم بروسيا، حيث شاهد العالم كيف تبخّرت أحلامنا واحدة تلو الأخرى.
ورغم ذلك يظل خطاب جل المتتبعين يغدق علينا بعبارات، «أداء بطولي ومشرف.. وروح قتالية»، وكأنه كُتب على جبيننا أن ندافع بشراسة من أجل أن تبقى شباكنا نظيفة، وحين ننهزم بأخف الأضرار، نقول إننا لعبنا أفضل من الخصم، لكن الحظ خاننا أو تقديرات الحكم أو نلقي اللوم على لاعب بعينه أو مدربما!.
لسنا ندري لماذا نعالج الأمور بعواطفنا ونبقى دوما نخلط الحقيقة بين منحيين الحياة أو الموت، فإذا انتصرنا انعكس علينا ذلك في جميع مجالات حياتنا، وإذا حدث العكس، صارت جل يومياتنا يأسا وضغينة!، فربطنا حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية الروحية بحركية جلد منفوخ، حتى ونحن لا نحسن التعامل معه جيدا، ونقصد بأننا لا نملك منظومة مستقرة وتقاليد عريقة في هذا المجال، الذي مهما علا شأنه، فهو مجرد لعبة رياضية ليس إلا.
لقد انتبه الجميع بأن هذا النوع من الدول يدخلون المنافسات بذهنية المحاربين، وأن ثقافة الحرب لا تزال متجذّرة في المتخيل الجمعي، وهي لسان حال اللاوعي، الذي يستنطق نفسه كلما توفرت الظروف وحانت. صحيح أن بعض الدول تبجّل وتقدّس هذه اللعبة الأكثر شعبية.
ولكننا نرى بأنها لا تفعل مثلنا يوم تربط نجاحاتها وإخفاقاتها بها، لا لشيء إلا لأنها تعي جيدا أين تكمن مفاهيم النصر الحقيقي؛ فدولة مثل الصين أو سنغافورة وكوريا الشمالية أو حتى أمريكا وكندا وقطر وغيرها، هي دول حققت عدة إنجازات على مستوى البنى التحتية، واستطاعت أن توفّر لمواطنيها نوعا من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي المعيشي؛ فهي ضعيفة كرويا ولا تملك منتخبا يؤكد حضورها باستمرار في المحافل الكبرى، وخير دليل كأس العالم 2018.
إن مسألة إعادة النظر في الخطاب الإعلامي وجب النظر فيها بإمعان مثلما يتم النظر في أنواع الخطابات الأخرى، وليس فقط الخطاب الديني أو السياسي؛ لأن العديد من الإعلاميين، بقدر ما هم مؤهلون من ناحية الكفاءة والخبرة، إلا أنهم في آخر المطاف رموز مؤثرة على مسمع الملايين من المشاهدين والمتابعين، حتى نصل إلى حقيقة دامغة، وهي أنه يجب أن نكون واقعيين وموضوعيين.
والمخجل حقا أن الجميع يدعو إلى الواقعية والموضوعية، لكنه لا يطبقها لا في حديثه المتناقض ولا في حياته اليومية، وبالتالي تجد تلك الأحلام الوردية والرومنسيات المضخّمة للذات متنفسا لها، وحقلا تجول فيه وتصول مثلما شاءت وأحبّت!