أنا في ورطة… ولا أدري إلى أين المفر
سيّدتي الفاضلة نور، بعد أن ضاقت بي الحياة وسُدّت في وجهي الأبواب، لم يعد أمامي طريق ألجأ إليه سوى الاعتراف بخطئي الشنيع الذي اقترفته باسم الحب، وتحت حجّة الأمان..سيدتي نور.. لقد فقدت الكلمات وغابت عني العبارات في وصف القهر الذي أعيشه والذي أدخلني حلقات الشجن وأذاقني علقم الندم، على فعلتي التي قضت على مستقبلي والتي ستقضي على شرف عائلتي.. نعم سيّدتي إنه الحب الذي ساقني إلى المعصية، الحب الذي لم أؤمن بالحدود فيه، ورحت أغدق من دون أن أدري أن الحياة تخبّئ لي المفاجآت، صدّقيني سيدتي أني كنت ضحية وعود وعبارات لم أسمع مثلها في حياتي، وأنا التي ترعرعت في جوّ من العنف، جوّ من الحرمان تجرّعت منه كؤوس الجفاء من زوجة أبي التي لم تتردّد يوما في أذيّتي، الأمر الذي أعطاني القوّة وجعلني أرفع التحدّي من خلال دراستي التي حقّقت فيها نجاحا تلو الآخر؛ إلى أن تخرّجت من الجامعة، لكن تأسّفت اليوم كثيرا على علم لم ينفعني، ولم يمنعني من أن أرمي بقلبي بين أيدي رجل يكبرني بكثير.. أوهمني بالأمان، ومنحني الحنان، وأصبحت أرى فيه الاستقرار، لكن أنانيته لم تسمح له بأن يُغدق من دون مقابل، وكانت الفاتورة شرفي الذي راح مع مهبّ الريح، وتخلّيت عنه في لحظة عمت فيها بصيرتي؛ ونقص فيها إيماني بأن الله على كل شيء قدير وأن الصبر مفتاح الفرج..لا أنكر سيّدتي أن الرجل لم يتملّص من مسؤوليته، فقد اعترف بالخطإ الذي هو خطئي أولا، وتقدّم لخطبتي، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، وكأنه عقاب من عند الله واللّه يعلم درجة ندمي، فوالدي رفض الرجل رفضا قاطعا وكأنّ أمري يهمّه حين قال أن الرجل أكبر مني ولا يليق بي..لقد كان وقع الرفض كخنجر غرسه في وجداني؛ زاد من ألمي وتعاستي وخيبتي، وأدخلني حلقات الجنون؛ خوفا من ان يُكشف المستور والسبب الذي جعلني أنا أوافق على الزواج من ذاك الرجل، فعلاقتي لم تكن جيّدة مع أهلي، ولا أستطيع مصارحة أبي بما يُعذّبني، وزوجته التي تكنّ لي الكره لن تفهمني ولن تساعدني في الخروج من المأزق الذي أنا فيه..سيّدتي.. لن تصدّقي إن قلت لك أن القدر ضدّي، وأن الشقاء مكتوب عليّ، بل والفضيحة كذلك تأبى إلا أن تنكشف لتقضي على مستقبلي الذي قضيت أنا عليه أولا باستسلامي وضعف إيماني، فوالدي المصون يرحب بابن عمي الذي تقدّم لخطبتي، فيا عظيم مصيبتي.. ويا قسوة فضيحتي.. وماذا في وسعي أن أفعل ونحن نعيش في منطقة يسودها الجهل وتحكمها التقاليد، لا مكان فيها للغة التفاهم ولا لغة التفهّم.سيّدتي.. أنا أذرف الآن بدل الدموع دما، ندما على ما أصابني، لدرجة أني صرت أمقت نفسي على ما فعلت، وعلى ما سيُلقى باسم عائلتي في الوحل إن أبي بقي مصرّا على من تقدّم لي خاطبا.سيدتي.. أعلم أني في مصيبة ما بعدها مصيبة، فأملي الوحيد في الله تعالى الذي أدعوه ليل نهار، لعلّ وعسى تحدث معجزة تجعل أبي يغيّر رأيه، وهو الوحيد الذي يعلم مدى ندمي… وما رسالتي هذه إلا عبرة أُقدّمها.. علّها أفادت من تاهوا في الحياة ومن يظنّون أنها آمنة، لمن غرّهم الغرور، ومن قست عليهم الأيام، لمن ضعفت قلوبهم ومن هانت عليهم أنفسهم، هذه قصّتي وأنا في ربيع عمري، أذرف دموع اليأس والأمل في نفس الوقت…
تائهة في بحر الضياع
هام
عزيزتي.. أنت حقا في وضع لا تُحسدين عليه، واللّوم على الماضي وإحياء لجراحه، لا أنا ولا أحد من حقّه أن يُعاتبك؛ لأنك تجرّعت من مرّه ما يكفيك، وما بقي أمامك سوى أن تتوبي إلى الله التوبة النصوح، وأن تتضرّعي أمامه بكثير من الدعاء ليُخفّف عنك مصابك، ويُفرّج عليك كربتك..كما لا يفوتني أن أطلب من كل القرّاء وكل من تفاعل مع قصة الفتاة أن لا يبخل عليها بكلمة خير تُرجع لها الثقة وترفع من معنوياتها، تُرشدها وتنوّر دربها، فهي في أمسّ الحاجة لما يعيد لها ولو بصيص أمل صغير، فلتتواصلوا معنا عبر البريد الالكتروني وشكرا.
مع تحيات نور