جزائريون مارسوا الحق في الحياة قبل واجب الانتخاب
“نحب الوطن لكننا لا نحب الذين يتركوننا نواجه الموت” … “نحن اليوم بين حق في الحياة قبل واجب الانتخاب “هكذا واجهنا المواطنون الذين إلتقتيناهم ” خلال جولة قمنا بها يوم الإنتخاب الى بعض الأحياء المنكوبة
هؤلاء الفقراء والمغلوبون على امره عبروا بكثير من الحميمية والالم عن تمسكهم بهذا الوطن لكنهم أكدوا تمسكهم أيضا بحقهم و حق أبنائهم في الحياة في كنف هذا الوطن .. كانوا الخميس الماضي بين خيارين : ممارسة حق الإنتخاب أو حماية الحق في الحياة بعد أن غمرت المياه التي تساقطت بغزارة كأنها تعطي مبررا لهؤلاء الناخبين لمقاطعة التصويت خاصة و أنها خلفت خسائر مادية و بشرية(3 قتلى و 3 جرحى ) و عائلات منكوبة و فيضان وديان و إنهيار جسور بالعاصمة ، عين الدفلى و تيبازة و مناطق معزولة بعد قطع الطرقات.
تنقلنا إلى بعض الأحياء بالعاصمة و البليدة لنقل أجواء الإنتخاب لكننا اضطررنا إلى مرافقة شاحنات الحماية المدنية التي تجندت لصرف المياه التي غمرت مناطق بولاية البليدة و كانت وجهة بعض العائلات قاعات الاستعجالات بالمستشفيات بعد تعرض أحد أفرادها لإصابات بجروح في إنهيار سكناتهم و ظلت عائلات الضحايا تستقبل المعزين و إنشغل أغلب المواطنين يوم الإنتخاب بصرف المياه من منازلهم أو ترقب الأحوال الجوية بعد سقوط غزير للأمطار و بدت الإنتخابات المحلية من آخر إهتماماتهم لكن اللافت خلال جولتنا أن الجزائريين فضلوا أيضا إحياء حفلات الزفاف وسط الأمطار و جازفوا بحضورها على الذهاب لمكاتب الإقتراع …. إلتزم العديد من أرباب العائلات مساكنهم يوم الإنتخاب خوفا من وقوع حادث و إنهيار جزء من مساكنهم التي غمرتها المياه قد تخلف ضحايا في حين انشغلت عائلات بأكملها بصرف المياه وأخرى كانت منكوبة في مؤسسات تربوية أتلفت المياه جميع وثائقها و أثاثها و متاعها بما فيها بطاقات الإنتخاب.
لم نأكل ..لم نشرب ..لن ننتخب
و جدنا نساء يفترشن “الكرتون” في قاعات التدريس بالمدرسة الإبتدائية “بن شعبان 1 ” الواقعة بحوش بن شعبان بالبليدة مع أطفالهن بمجموع 16 عائلة منكوبة تم تحويلها إلى هذه المدرسة بعد أن غمرت المياه سكناتها الفوضوية الواقعة وراء الملعب و يمكن اختصار المشهد في كتل جسدية متناثرة بين الأقسام بعض العائلات كانت تجلس على أفرشة و “مختفية” وسط أغطية و كان الأطفال يرتدون معاطفهم ، رائحة الرطوبة كانت تنبعث من الأقسام الباردة في هذا اليوم الممطر جدا ممزوحة بغضب و إستياء العائلات التي إشتكت من إهمال السلطات لها “في اليوم الأول قدموا لنا أغطية و سندويشات و بعدها غاب الجميع و لم نعد نرى أحدا ” و تدخلت سيدة كانت ثائرة” إنهم منشغلون بالإنتخابات ، لا أحد مهتم بنا نحن الزوالية “قبل أن تؤكد فشل الإنتخابات “في كل مرة نحن الزوالية ننتخب على أمل التكفل بمشاكلنا ،الأغنياء لا ينتخبون لأنهم “فراوها” (قاموا بتسوية أوضاعهم ) و لذلك لم ننتخب هذه المرة كادت الأمطار تقتلنا بسبب هؤلاء المنتخبين الذين لا يعرفوننا إلا في المناسبات الانتخابية ” .و قالت إن الأطفال لم يتناولوا شيئا هذا الصباح شاب بطال أشار إلى أن المواطن الذي يملك بيتا و عملا و سيارة لا ينتخب لأنه ليس بحاجة إلى الدولة “أما نحن فنصوت لأننا لا نملك حقا غيره ” و أضاف مازحا ” لقد شاء الله ألا ننتخب بعد أن تعرضت بطاقات الإنتخاب للتلف و إبتلت عن آخرها ، المياه أخذت متاعنا و لباسنا و آخر حقوقنا ” .
المطر كان يسقط في الخارج بغزارة و كان السكان يتسابقون لطرح انشغالاتهم و أكدوا أنهم لن يقوموا بإخلاء المدرسة و يعودوا إلى مساكنهم “منذ 7 سنوات و نحن نعيش هذه المعاناة و يتكرر معها هذا السيناريو ” و هددوا بشن حركة احتجاجية في حال إلزامهم بالعودة إلى منازلهم .
حياة صغاري أهم و قاعات الحفلات قبلة العائلات بدل مراكز الإنتخاب
و تزامن تواجدنا في عين المكان مع سيول غمرت سكنات بحي “الكحلة” على بعد 2 كم من حي بن شعبان ، لم نتمكن من الوصول إلى الحي عبر طريق معبد تحول إلى برك مائية بعد أن غمرت مياه الأمطار الحفر المنتشرة بكثرة و كان أفراد الدرك الوطني قد تنقلوا بعد إبلاغهم رفقة مصالح الحماية المدنية ، رب إحدى العائلات المنكوبة قام بنقل أبنائه الصغار إلى بيت أهل زوجته ببئر توتة ” قضيت كل الصباح في إجلاء المياه ” و إعترف بأنه إنتابه خوف شديد عند تساقط المطر بغزارة “الماء دخل الديار و لم نخشى على أنفسنا أو ديارنا بل أطفالنا الذين أصيبوا بالمرض و الحمى و أصبحوا عرضة للموت” سألته: هل ذهبت للتصويت ؟ ليجيبني بلهجة أحرجتني ” كيف أذهب للإنتخاب و أترك أبنائي خلفي عرضة للخطر …كنت منشغلا بإخراج الماء من البيت و قمت ببعض البريكولاج الأهم لدي الآن هو سلامة أبنائي و لايهمني المير القادم ..كامل يعرفو صلاحهم” .
في طريق العودة إلى العاصمة ، وجدنا شاحنة تابعة لوحدة الحماية المدنية تقوم بصرف المياه التي غمرت بنايات
بحوش بعد فيضان الوادي ، و لفت إنتباهنا تكثيف الحواجز الأمنية التابعة للشرطة و الدرك و كذلك الدوريات على الطرقات لتسهيل حركة المرور و التدخل في الطوارئ لكن ما لفت إنتباهنا هو مواكب الأعراس التي كانت تتوافد على قاعات الأعراس التي كانت الأمطار نعمة عليها بعد أن قررت العائلات تنظيم حفلاتها في قاعات مغلقة تفاديا لفيضانات بمساكنها و لم يعزف المدعوون عن الحضور و لم يكن المطر عكس الإنتخابات حجة للتأخر عن العرس ..
و لم يختلف الوضع البارد في أحياء العاصمة التي بدت شاحبة و استغل بعض التجار إنقطاع المطر لعرض الخضر و الفواكه و حتى أضحية العيد مبكرا ، كانت المقاهي مكتضة عن آخرها في باب الوادي بعد صلاة الظهر و ظل الحديث عن الأحوال الجوية و إرتدادات تصريحات وزير المجاهدين و فوز إتحاد العاصمة و “لاحديث عن الإنتخابات” و في القصبة وجهنا السكان الذين إستجوبناهم إلى المكان الذي لقي فيه الصغير صهيب حملاوي حتفه قبل 3 أيام ، أعترف أني ترددت كثيرا في المرور عبر الأزقة خاصة و أن تواجدنا تزامن مع إندلاع شرارات كهربائية بسبب تبلل الكوابل الكهربائية و كان الشباب يشيرون في كل رواق إلى البنايات المهددة بالإنهيار و تعقد الوضع بعد الأمطار الطوفانية و يظل الخطر قائما خاصة و أن الجدار الذي تسبب إنهيار جزء منه في وفاة الصغير حملاوي لم يتم هدمه و نقل السكان عن رئيس البلدية السابق أن وزيرة الثقافة خليدة تومي ألحت على عدم هدمه بإعتباره معلما أثريا “لكن على الأقل يجب ترميمه إنه يقتل أولادنا يوميا ” يقول السكان خاصة موقعه قرب مساحة ترابية تعتبر “حديقة ولاد القصبة” و لم نمكث طويلا بالحي في ظل إستمرار تساقط المطر و كان السكان مجندون لوقوع أية كارثة “قد تسقط بناية أو يقع انفجار ” أهل القصبة تعودوا على إحصاء موتاهم في السنوات الأخيرة عند التقلبات الجوية و يؤكدون انتماءهم و إرتباطهم بهذا الوطن لكنهم يتمسكون أكثر بحقهم و حق أبنائهم في الحياة و لم ينتخب العديد منهم لانشغالهم بفتح المسالك و إخراج المياه .
الأمطار قتلت مواطنين و شردت عائلات يوم الإنتخاب
تساقطت الأمطار بغزارة يوم الإنتخاب ولقي ثلاثة أفراد من عائلة واحدة في انهيار مسكنهم الواقع ببلدية المخاطرية بعين الدفلى و أضافت مصالح الدرك الوطني التي أوردت الخبر أن الأمطار الغزيرة أدت صباح الخميس في حدود الساعة التاسعة و نصف في انهيا مسكن عائلة مقيمة ببقعة تغروت ببلدية المخاطرية أدى إلى وفاة 3 أفراد من العائلة
و كان 3 أفراد من عائلة واحدة حسب نفس المصدر قد تعرضوا لإصابات متفاوتة أحدهم في حالة خطيرة بسبب إنهيار جزء من مسكنهم بحي المحمدية شرق العاصمة ، وأشار بيان خلية الإتصال بقيادة الدرك الوطني حول حصيلة التقلبات الجوية أن بناية من 3 طوابق تقع بحي المقراني ببلدية المحمدية شرق العاصمة إنهارت جزئيا بسبب تساقط الأمطار ليلة الأربعاء الماضي مما أدى إلى إصابة 3 من أفراد العائلة بإصابات خطيرة أحدهم حالتهم حرجة و قد تكفل أفراد الحماية المدنية بنقلهم إلى مستشفى زميرلي بالحراش .
وأوضح برناوي نسيم مكلف بالاعلام بالمديرية العامة للحماية المدنية أن التقلبات الجوية المسجلة في نفس الفترة تسببت في انهيار جزئي لسقف بالمدخل الرئيسي لثانوية الأمير عبد القادر ببلدية باب الواد (ولاية الجزائر) إضافة إلى فيضان داخل محطة الكهرباء لمؤسسة سونالغاز ببلدية براقي. و تم إحصاء 7 عائلات منكوبة بولاية تيبازة بعد أن غمرت السيول سكناتها حيث تسبب فيضان بحي عبان رمضان جراء فيضان واد حمايدية” بشرشال في تشريد 3 عائلات تم التكفل بها من قبل المصالح المعنية “. و ببلدية سيدي غيلاس فقد سجلت مصالح الحماية المدنية انهيار جزئي لبناية قديمة جراء فيضان واد القرمود تسبب في وجود 4 عائلات منكوبة”. وتسربت مياه وادي الرغاية ، الذي ارتفع منسوبه ، الى 10 بيوت قصديرية مما استدعى تدخل مصالح الحماية المدنية و بحي مايا بحسين داي ، تم تسجيل انهيارات جزئية لـ5 بيوت قصديرية تسببت أيضا في جرح شخصين أحدهما أصيب اثر انهيار حائط.