«بيرّة» و«زطلة» على رؤوس الموتى في مقابر الجزائريين
شواهد القبور تتحول إلى متكإ ومستراح لـ«القمارجية» والمدمنين
مقابر المسيحيين مصدر رزق للمنحرفين وقبورهم كنوز مدفونة
تحولت مقابر موتى الجزائريين إلى أوكار للعصابات الإجرامية وأماكن لممارسة الرذيلة والمنحرفين، فقد فاقت المقابر المقاهي وقاعات الطرب في استقطاب الشباب وجماعات القمار، أين اتخذوا من القبور آرائك لهم وشواهدها، متكأ ومستراحا لهم. بعد أن تحولت هذه الأماكن المقدسة بفعل فاعل إلى أوكار للإنحلال الخلقي ومرتع لاستهلاك الخمور والمخدرات وسماع الأغاني والموسيقى من دون حسيب ولا رقيب .قامت «النهار» بجولة إلى مقابر العاصمة ليلا، لتكون الصدمة كبيرة، بعد رؤيتنا لشباب يجلسون على القبور وكأنها أرائك يستغلونها للطرب والقمار، فقد كانت مناظر تقشعر لها الأبدان، حيث كان هناك مجموعات داخل المقبرة يضعون قارورات الخمر على القبور وكأنها موائد، لسهرات ماجنة يدوي فيها صوت أغاني الراي من بعيد، والتسلية بالقمار ولعب «الدومينو والكارطة» على شواهد القبور.وأمام انتشار هذه المجموعات هنا وهناك، وجدنا الكثير من قارورات الخمر والنفايات مرمية أمام قبور الموتى وحتى فوقها، وعند حديثنا إلى هؤلاء الشباب الذين لم يتكموا معنا في بادئ الأمر، لكن بعد العديد من المحاولات قال لنا أحد الشباب الذي كان بمقبرة سيدي يحيى ويقطن في بئر مراد رايس، أنه يفضل المقبرة حين يريد استهلاك المخدرات، حتى يتوارى عن أنظار الأمن، في حين قال آخر إن المقبرة مكان للالتقاء بأصدقائه ليلا بعيدا عن أعين الناس، خاصة أنهم يرتادون المكان منذ أكثر من 5 سنوات، وعند سؤالهم إذا كانوا لا يخافون من دخول المقبرة ليلا، قال أحدهم بطريقة مستهترة إنه يعرف كل الأشخاص المدفونين هناك لهذا هو مطمئن.كما لاحظنا أن معظم الذين يحضرون هذه السهرات الماجنة داخل المقبرة هم شباب من مختلف الأعمار والطبقات، حيث وجدنا أن بعضهم يملكون سيارات ويأتون من أحياء راقية كسيدي يحيى وحيدرة أو القبة وڤاريدي، بالنسبة لمقبرة ڤاريدي.
المقابر المسيحية تشهد دمارا وخرابا أكبر
تعرضت معظم المقابر المسيحية للتدنيس والتخريب بعد حملات النهب التي طالتها أيادي الشباب بحثا عن الغنائم المدفونة مع الموتى، حيث قال أحد الشباب الذين التقينا به داخل المقبرة المسيحية لحي لاكونكورد ببئر مراد رايس، إنهم وجدوا أموالا ومصوغات كثيرة داخل القبور، وهو ما جعل بعض الشباب ينظمون حملة تفتيش عن هذه الكنوز المدفونة، كأسنان الموتى المصنوعة من الذهب أو الخواتم والعقود التي دفنت مع أصحابها، وحتى الأموال التي تعتبر ثروة في وقتنا الحالي. وتعتبر هذه المقابر المكان المثالي للمنحرفين، خاصة في أوقات المطر بسبب توفرها على غرف مبنية فوق القبور والتي يستعملونها لتناول المخدرات والخمور أو ترويجها، وهناك حتى من يبيتون داخلها من المشردين والمدمنين.
سكان الأحياء المجاورة للمقابر يعانون
ويعانى مواطنو المجمعات السكانية المحاذية للمقابر سواء الخاصة بالمسلمين أو المقابر المسيحية من تصرفات المنحرفين الذين يثيرون الفوضى والصّخب ليلا، وكثيرا ما حدثت شجارات ومناوشات بين الطرفين بسبب الإزعاج الذي يتسبب فيه الشباب الذين يقصدون المقابر من أجل السهر والسمر فيها.ورغم شكاوي المواطنين من تحول هذه المقابر إلى أوكار للفساد والدعارة ومخبأ للصوص في الليل، ومأوى للسكارى ومدمني المخدرات، بالإضافة إلى سماعهم «أغاني الراي» التي يسجلونها في هواتفهم النقالة وممارسة الفواحش بين القبور، ولجوئهم إلى أئمة المساجد ولجان الأحياء والعاملين في تلك المقابر، كان الجواب في كل مرة «الأمر يتجاوزنا»، حسب ما صرح به سكان أحياء بئر مراد رايس وسيدي يحيى، كما قال السكان إنهم كثيرا ما يضبطون بعض الشباب رفقة فتيات داخل المقابر يمارسون الرذيلة.
المقابر مكان مفضل للتجارة.. التسوّل والشعوذة
أما خلال النهار، فالمقابر تشهد فوضى عارمة وسوء تسيير كبير بداية من التهيئة إلى انتشار المتسولين والتجار وحتى المشعوذين، وغالبا ما يدخل عمال المقابر في مناوشات مع هؤلاء التجار والمتسولين الذين يعودون يوميا إلى نفس المكان، أما بخصوص نبش القبور فقد قال أحد أعوان الحراسة بمقبرة العالية إنهم ألقوا القبض على عجوز كانت تحاول أخذ حفنة من تراب القبور التي يطلق عليها اسم «القبر المنسي»، لاستغلالها في الشعوذة، وعن هذه التسمية يقول محدثنا إنها تطلق على القبور التي لم يزرها أهل الميت منذ عدة سنوات، وهو الأمر الذي يجعل معالمها لا تظهر، في حين يعمد الكثير المواطنين إلى رمي القارورات التي يجلبونها معهم أو توجيه أطفالهم لقضاء حاجياتهم وسط القبور من دون احترام الموتى.
الشيخ نسيم بوعافية إمام مسجد عقبة بن نافع في ميلة:هؤلاء حوّلوا المقابر من أماكن للوعظ إلى مراكز للانحراف
استنكر الشيخ نسيم بوعافية الانتهاكات التي تتعرض لها المقابر في الجزائر، محرما هذا الفعل الشنيع الذي قال إنه لا الشرع ولا القانون يرضاه، داعيا في نفس الوقت إلى ضرورة تدخل الجهات المعنية، لإيقاف مثل هذه الإنتهاك التي لا تعكس بأي حال من الأحوال تعاليم الدين الإسلامي. وحمل الشيخ نسيم بوعافية إمام مسجد عقبة ابن نافع في ولاية ميلة المسؤولية للسلطات التي قال إنها لم تؤدي واجبها كما ينبغي لحماية حرمة المقابر التي تعتبر أولا وقبل كل شيء وقفا للمسلمين، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بزيارة المقابر لأخذ الموعظة وتذكر الآخرة، لا لأمر كهذا. وأضاف الشيخ أن المقابر اليوم أصبحت تحمل معان مخالفة تماما لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، حيث أصبحت ملاذا للمنحرفين والمدمنين، في الوقت الذي أكد على ضرورة حماية القبور بصفتها مكانا مقدسا، وحرمتها من حرمة الموتى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتُحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر». مشيرا إلى أن الزنا وشرب الخمر والمخدرات بالمقابر يضر الميت كما يضر الحي، وهو دليل على أن المعصية هانت في قلوب الناس، ومن المفروض أن تكون هناك حصانة على المقابر كلها سواء كانت للمسلمين أو لغير المسلمين.