''البيستوري''.. من المستشفيات ومحلاّت العتاد الطبي إلى المجرمين

بعد السيوف والأسلحة البيضاء والكلاب المحظورة.. الأجهزة الطبية في مزاد الإجرام
شدّدت مصالح الأمن رقابتها على الأحياء الشعبية التي تعرف ارتفاعا واسعا في نسبة الجريمة، حيث أصبحت الدوريات الأمنية التي تجوب الأحياء تخضع الشباب لتفتيشات صارمة لمجرد الاشتباه فيهم، كما أسفرت حملات التوقيف التي شنّتها عن القبض على العديد من حملة الأسلحة البيضاء ومشارط الجراحة ”بيستوري” والذي يعد السلاح المفضل لدى المجرمين لصغر حجمه ودقته.أين يستعملونه في تصفية حساباتهم الشخصية وشجارات ما بين سكان الأحياء، بعد أن كانت الاعتداءات تتم بأجهزة واضحة للعيان على غرار السيوف والأسلحة البيضاء وكذا الكلاب المحظورة كـ”البيتبول” و”الرودفايلر” و”الستاف أمريكان”.أفادت مصادر لـ”النهار”، أن هذا العتاد الطبي والحسّاس يتم تهريبه بالتواطؤ مع مافيا العتاد الطبي من داخل المستشفيات العمومية والعيادات الخاصة لبيعه بأثمان زهيدة، في حين يجد صنف آخر من المجرمين ضالتهم في المخلّفات الطبية التي تتخلص منها عادة العيادات الخاصة الواقعة وسط الأحياء السكنية بطريقة عشوائية والنفايات الطبية في بعض المستشفيات العمومية والمراكز الصحية التي لا تحتوي على محارق خاصة ومراكز ردم ”طمر” للتخلّص من بقايا الأدوية والعتاد الطبي الجراحي، فيلقى بها في مساحات شاغرة داخل المستشفى أو أمام العيادة الخاصة وهو ما يجعلها خطرا حقيقيا يهدد حياة الآلاف من المواطنين الذين يقيمون بجوارها بسبب الأمراض التي تنشرها في الجو نظرا لانعدام الحراسة عليها، وهو ما يحوّل هذه المخّلفات لسوق يتبضّع منه المتشردون والمجرمون على حد سواء بحثا عن الأدوية ومشارط الجراحة ”بيستوري” ليستعملوه في اعتداءاتهم على مواطنين أبرياء ليسلبوا منهم أموالهم وممتلكاتهم متناسين أنهم في الوقت نفسه يسلبون منهم أعمارهم ويعرضون حياتهم للخطر بسبب الأمراض الفتّاكة التي ينقلونها لهم عن طريق مشارط قديمة غير معقّمة تم استعمالها والتخلّص منها بطريقة فوضوية وعشوائية فتصبح أكثر قابلية لالتقاط الجراثيم والميكروبات، وبإمكانها نقل العديد من الأمراض المعدية مثل ”السيدا” و”التهاب الكبد الفيروسي” ناهيك عن التشوّه الذي تظل آثاره معلّمة على وجه الضحية وجسده وتتطلّب إجراء عملية جراحية تجميلية لإزالة آثارها أو يلازمه لآخر عمره.
”البيستوري” من غرفة العمليات الجراحية إلى الاعتداء على المواطنين وسرقتهم
تعرف مخاطر استعمال مشرط الجراحة ”البيستوري” من قبل المجرمين تزايدا محسوسا، حيث أصبح معظم الأفراد القاطنين في الأحياء الشعبية والبيوت القصديرية يشعرون بعدم الأمان، خاصة وأنهم باتوا عرضة للاعتداءات في كل حين بواسطة هذا السكين الصغير وهو ما وقع لـ”د.م” ”كلوندستان” استدرجه المتهم ”ل.ط” البالغ من العمر 23 سنة، مسبوق قضائيا وصديقه بعد أن طلبا منه أن ينقلهما من مكان تواجدهما في بئر خادم إلى الحي حيث يقيمان بواد الكرمة، ولما بلغا وجهتهما قاما بإخراج ”بيستوري” وتهديده بتشويه وجهه في حال رفضه الاستجابة لطلباتهم، وهو ما أرعب الضحية فانتهز صديق المتهم الرئيسي الفرصة ليحاول خطف مفاتيح السيارة، وإن كان المتهمان السابقان قد استعملا ”البيستوري” لمحاولة سرقة السيارة فإن المتهم ”ع.ب” وهو شاب يبلغ من العمر 21 سنة، يقيم في وادي أوشايح بباش جراح، كان على خلاف بسيط مع جاره في نفس الحي، وهو الضحية، مما دفعه لتصفية حسابه معه على طريقته، حيث انتظر ضحيته في حدود الساعة السابعة مساء وعندما كان عائدا للبيت قطع عليه المتهم الطريق وضربه باستعمال ”بيستوري” 3 ضربات على مستوى الصدر في الجهة اليسرى، وضربة واحدة على مستوى اليد اليمنى، ليختفي بعدها ويغير مقر إقامته تاركا الضحية يسبح في بركة دماء وعجز طبي قدره الطبيب الشرعي بـ30 يوما.
رئيس مجلس عمادة الأطباء الدكتور بقاط يطالب الدولة بفتح تحقيقات حول مصدرها
حذّر رئيس مجلس عمادة الأطباء الدكتور ”محمد بركاني” بقاط في اتصال لـ”النهار” من خطورة الظاهرة محملا العيادات الخاصة ومحلات بيع العتاد الطبي المسؤولية، ودعا إلى إجراء تحقيقات معمّقة مع المتهمين لمعرفة كيفية حصولهم على هذه المشارط وليس الاكتفاء بمعاقبتهم بالسجن فقط، حيث أكد الدكتور على أن مشرط الجراحة أو ”البيستوري” لا يباع على مستوى الصيدليات إنما على مستوى شركات ومحلات بيع العتاد الطبي أين توجد إجراءات خاصة وصارمة يتم اتباعها قبل تسويقه وهو ما يرجّح بنسبة كبيرة تسويقها من طرف أناس يعملون على مستوى هذه المحلات أو العيادات الخاصة بطريقة غير قانونية أو حتى بتواطؤ مع عمال المستشفيات العمومية للمجرمين مقابل مبالغ مالية، مستطردا أن نفايات العيادات الخاصة التي تتوسّط الأحياء أصبحت كذلك مصدرا لتزويد المجرمين بالأسلحة والأدوية التي يتم التخلّص منها.
وعن المشرط ”البيستوري”، أفاد بقاط بأنه صغير الحجم يشبه شفرة الحلاقة طوله لا يتجاوز 10 سم، يمكن تدويره وإخفاءه بسهولة، كما يمكن تركيب شفرات له، مضيفا أنه يمتاز بالحدة والدقة فهو لا يمكن أن يتسبب في القتل لكنه يحدث جروحا غائرة وتشوهات عند الضحايا، لا تزول إلاّ بإخضاع المصاب لعملية جراحية تجميلية، مواصلا على أنه لم يعد يعتمد عليه بشكل كبير في العمليات الجراحية، حيث أن التدخلات به أصبحت نادرة، فيما بات يستعمل المشرط الكهربائي بشكل كبير وعلى نطاق واسع، واختتم الدكتور بركاني تصريحاته بدعوة الجهات القضائية لفتح تحقيقات معمّقة وواسعة مع المجرمين الذين يعثر على مثل هذا العتاد الطبي بحوزتهم للوصول إلى مصدره وتقديمه للعدالة لينال عقوبته وعدم الاكتفاء بمعاقبة حامله.
الأستاذ مودولية ” الفراغ القانوني استغله أصحاب مؤسسات بيع التجهيزات الطبية لبيع ”البيستوري”
دعا الأستاذ رشيد مودولية محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة أمس في اتصال ”للنهار” لضرورة إيجاد مواد قانونية تلزم أصحاب محلات بيع العتاد الشبه طبي والتجهيزات الإستشفائية بعدم تسويق مشارط الجراحة ”البيستوري” بطريقة عشوائية حيث أوضح الأستاذ أن هناك فراغ قانوني استغله أصحاب هذه المحلات التي لا هم لها سوى تحقيق الربح السريع لكون هذا السلاح ”البيستوري” يجب أن يخضع لإجراءات خاصة ويباع فقط للأخصائيين والمهنيين في قطاع الصحة مع ضرورة استظهار البطاقة المهنية أو السجل التجاري عند اقتناءها ليضيف الأستاذ رشيد أن المواد القانونية الحالية تعاقب فقط حامل ”البيستوري” بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية تتراوح مابين 50 ألف الى 200 ألف دينار جزائري وهي نفس العقوبة التي تسلط على حملة الأسلحة البيضاء مهما اختلف شكلها وحجمها وحدتها وقد تصل ل 5 سنوات حبسا اذا ما استعملت في حالات اعتداء وأعمال عنف على حسب العجز الطبي المتسبب فيه خاصة اذا كان الضحية قاصرا والمتهم مسبوق قضائيا والغرامات المالية قد تصل الى 200 مليون سنتيم مستطردا أن القانون يكتفي بمحاسبة حامله مستطردا أنه حتى في حال ثبوت بيع أحد محلات العتاد الطبي لهذا السلاح الخطير جدا لايمكن متابعته لعدم وجود مادة قانونية صريحة تمنعه من ذلك كما أشار الأستاذ مودولية لوجود مواد قانونية تلزم المستشفيات والعيادات الإستشفائية الخاصة على حرق النفايات الطبية بعد استعمالها غير أن معظمهم خاصة القريبة من الأحياء السكنية لا يتقيدون بالتعليمات.