يستأنسون بمباريات كرة القدم.. العفو حديثهم ووجبات فطور لم يحصلوا عليها حتى في بيوتهم
يتحدثون عن العفو وينتظرون أي إجراء إفراج في عيد الفطر أو في الفاتح من نوفمبر.. يفضلون قضاء أوقاتهم في العمل في المصالح المختلفة للمؤسسية العقابية.. يلهون أنفسهم بمباريات كرة القدم وألعاب التسلية وقضاء السهرات مع البرامج التلفزيونية الرمضانية المختلفة.. يتحدثون عن الرياضة والسياسة وكل ما هو حدث ويأملون دائما في إجراءات العفو… هذه بعض يوميات نزلاء المؤسسة العقابية لباب جديد الذين يفضل بعضهم السجن عن البقاء في المنزل في رمضان نظرا لنوعية الأكل وظروف الحبس التي تغيرت كثيرا في سجن سركاجي.
عندما دخلنا البوابة الرئيسية للمؤسسة العقابية باب جديد، شدنا منظر تلك العائلات التي جاءت بعدد كبير حاملة القفف المملوءة بوجبات الفطور، قبل حوالي ساعتين من آذان المغرب. وكالعادة فإن القفة تخضع لتفتيش دقيق من طرف أعوان حراس السجون الملزمين بالعمل بسرعة لأن الوقت محدد، وقد سمحت إدارة المؤسسة العقابية “سركاجي” استثناء في هذا الشهر الفضيل للعائلات بإحضار قفة إضافية كل أسبوع عكس ماهو معتاد عليه، كما وفرت كل الإمكانيات لقضاء شهر رمضان في أفضل الظروف خاصة من ناحية توفير وجبات الفطور بشكل يومي لحوالي ألف و300 سجين.
دورات كرة القدم والحديث عن العفو.. موضوع يوميات نزلاء سركاجي
كل الأحاديث التي تدور بينهم تكون حول العفو وعن الرياضة وعن مختلف الأحداث الوطنية التي يطلعون عليها في الجرائد الوطنية ويقضون يومهم الرمضاني كل في عمله بالنسبة للمساجين الذين يرغبون في العمل في مختلف المصالح التابعة للمؤسسة العقابية كالمكتبة والمطبخ والنظافة وصناعة الخبز.
كان الجميع تقريبا داخل قاعاتهم عند دخولنا المؤسسة العقابية حوالي الساعة الرابعة والنصف مساء. ويشير مدير المؤسسة العقابية لباب جديد السيد محمد برجي إلى أن شهر رمضان له خصوصيته داخل مبنى سركاجي، خاصة مع تنظيم الدورات الرياضية في كرة القدم وبرامج التسلية المختلفة للنزلاء الراغبين في ذلك في الشطرنج والشعر، كما أن الإدارة تحرص على تقديم وجبات الفطور ساخنة وتوزيعها على القاعات في حافظات نصف ساعة قبل آذان المغرب.
كل المساجين بإمكانهم إقامة صلاة التراويح في القاعات، وبإمكانهم حتى أن يصلوها فرادى وجماعات، فهم أحرار في ذلك، هناك العديد منهم ممن طلب التسجيل في الموسم الدراسي رغبة في الحرية والإستفادة من العفو سواء التسجيل عن طريق المراسلة أو التحضير لاجتياز امتحانات شهادة البكالوريا أو شهادة التعليم الأساسي، وقد صل عدد الطلبات حاليا إلى حوالي 300 طلب منها 25 طلبا للتسجيل في امتحانات البكالوريا و30 طلبا للتسجيل في امتحانات شهادة التعليم الأساسي.
قامت إدارة السجن في شهر رمضان بتنظيم دورات رياضية في كرة القدم والشطرنج، ورغم ضيق مساحة المؤسسة فقد استطاعت توفير شبه قاعة لإجراء المباريات في كرة القدم التي تنظم في شكل دورة بين القاعات. عند دخولنا إلى القاعة شد انتباهنا صيحات الأنصار والتشجيعات التي تردد في ملاعب كرة القدم خاصة وأن الإدارة تسمح لنزلاء القاعات التي تجرى بينها مباريات بالحضور كمتفرجين ومشجعين. أحد المساجين الذي تحدثنا إليه قائلا “إن مثل هذه المباريات جعلتنا ننسى الكثير ونملأ أوقات فراغنا إننا نقضي شهر رمضان في ظروف جيدة ونحن خاصة نأكل جيدا”.
الكسكسي والزبيب يوميا في السحور.. ووجبات فطور لم يجدها النزلاء حتى في بيوتهم
لقد اندهشنا لنوعية الوجبات المقدمة، الأمر الذي جعلنا نقتنع بما يتردد في الشارع حول سر تردد المساجين في كل مرة على السجن بأنهم يستفيدون من وجبات لا يمكنهم الحصول عليها حتى في بيوتهم.. خضر مشكلة بقطع كبيرة من لحم البقر وشربة بلحم الغنم وأطباق “اللحم لحلو”، وأطباق سلطة كاملة، إضافة إلى مشروبات ومقبلات متمثلة في علب ياوورت لكل فرد، وهي قائمة لوجبات الفطور تتغير يوميا حسب البرنامج الذي حددته الإدارة مسبقا، وإضافة إلى وجبات الفطور يقوم فريق الطبخ بإعداد وجبات السحور المتمثلة في الكسكسي واللبن والزبيب يوميا.
يقول أحد المساجين من الذين يسهرون على إعداد وجبات الإفطار في وصفه للأجواء الرمضانية “كل يقضي رمضان في عمله وفي الحديث عن إجراءات العفو ونحن ننتظر ليلة السابع والعشرين أو عيد الفطر وإذا لم يكن أي عفو في هذه المناسبات فنحن ننتظر الفاتح من نوفمبر. بينما آخر يقول “إن الأكل ووجبات الفطور هنا جيدة، ونحن نقضي أيام رمضان على موائد للإفطار الجماعية.. كل المساجين تعجبهم نوعية الأكل، والدليل عدم تقديمهم أي شكوى لمدير المؤسسة.. وحتى أعوان حرس السجن يفطرون منها”.
وقائع “عمارة الحاج لخضر” حديث دائم.. ونزلاء يفضلون السجن على المنزل في شهر رمضان
ما يشد انتباهك عند دخول القاعات هو أجهزة التلفزيون الكبيرة الحجم.. يمكن للمساجين مشاهدة ثلاث قنوات بالإضافة إلى القناة الوطنية.. كما ترخص الإدارة بمشاهدة أفلام في السهرات ويبقى ما يصنع الحديث في سهرات المساجين مسلسل “عمارة الحاج لخضر” والمسلسل الديني “أبو جعفر المنصور”، وحتى وجبات الفطور التي يحضرها المساجين أنفسهم وهو فريق تختاره الإدارة بدقة من المساجين الحاصلين على شهادات تكوين في الطبخ وذوي السيرة الحسنة يسهرون على إعداد أكثر من ألف وجبة يوميا.
عند دخولنا قاعات المساجين الذين كانوا ينظرون إلينا وغير راغبين تماما في التحدث إلينا، كانت وجبات الفطور قد وصلت إليهم في حافظات قبل حوالي نصف ساعة من آذان المغرب.. ويشير القليل من المساجين الذين تمكنا من التحدث إليهم إلى أنهم يقضون أيام رمضان في العمل والحديث عن كل شيء؛ عن الرياضة والسياسة والأحداث الوطنية، وذلك رغم انقطاعهم عن العالم الخارجي.. يتجمعون في جماعات صغيرة داخل القاعة حول موائد الإفطار بعد أدائهم للصلاة. ويشير بعض أعوان حرس السجن أن بعض المساجين يفضلون البقاء داخل المؤسسة العقابية خلال شهر رمضان نظرا لظروف الحبس ونوعية الأكل المتوفرة التي قد لا يجدونها في بيوتهم.
أعوان حرس السجون فئة لا يعرفها الكثير.. يقومون بمهمة خطرة وصعبة
ما يثبت أن نزلاء مساجين المؤسسة العقابية لباب جديد يتحصلون على وجبات إفطار كاملة وذات نوعية، هو مشاركة أعوان وضباط حرس السجون لهم في وجبة الفطور التي يعدها فريق من النزلاء.. ولا يوجد أي فرق، باستثناء أن المساجين يوجدون داخل قاعات ولهم فضاءات حرية محدودة.. كل أعوان حراس السجون، يؤكد المدير محمد برجي، لديهم مستوى تكويني لا بأس به، أدناه مستوى نهائي، يمكنهم من خلال التكوين الذي تلقوه من التعامل مع مختلف حالات المساجين خلال شهر رمضان، كما أنهم يستفيدون من برامج تكوينية علمية ونفسية بصفة مستمرة لتمكينهم من حسن التصرف والتعامل مع العقليات المختلفة للمساجين.
ورغم طبيعة عملهم التي تتمثل في حفظ الأمن داخل المؤسسة العقابية، والتي تنحصر في فضاء محدود داخل المؤسسة العقابية على خلاف أجهزة الأمن الأخرى، إلا أن حرس السجون يقومون بمهمة صعبة من خلال حراسة وتسيير شؤون حوالي ألف و300 مسجون كل حسب عقليته وسيرته وسلوكاته التي قد تكون في أي وقت من الأوقات خطيرة، على أعوان وضباط حرس السجون أن يحسنوا التصرف معها ومع مختلف السلوكات التي تصدر عن عائلات المساجين بمشاكلهم المختلفة وكذا المحامين أيضا.