إعــــلانات

“والدي غرّر بي وزوّجني بثلاثة إرهابيين في الجبل”

“والدي غرّر بي وزوّجني بثلاثة إرهابيين في الجبل”

“… والدي هو من غرّر بي، فهجرت منزلنا الكائن بمنطقة سيدي مخلوف بولاية البويرة، بعد أن تخليت عن دراستي الجامعية، وصعدت حينها للجبل ظنا مني بأنني على حق، قضيت 6 سنوات متنقلة بين دشرة وأخرى وبين جبل وآخر. تزوجت ثلاث مرات بالجبل.. ضللت حينها الطريق.. ندمت.. فعلا ندمت. وأنا اليوم أدفع الثمن غاليا إلى درجة أنني تخليت عن ابنتاي لأنه لم يعد بإمكاني التكفل بهما”.

“عشت 6 سنوات في الجبل وتزوجت ثلاثة إرهابيين”
  • “لماذا يُعاقب أبنائي الأبرياء على ذنب لم يرتكبوه؟”
  • “زوجي تخلّى عني بعد توبته وتزوج ثانية ووالدي تخلّى عن والدتي واقترن بأخرى”
  • “كنا نطهو للإرهابيين ونغسل ملابسهم وننتظر الأوامر لنطبّقها في الحين”
  • هذا جزء من شهادة امرأة ليست ككل النساء. هي السيدة “ف.ب” إحدى التائبات اللواتي استفدن من تدابير العفو، وهي الآن بصدد السعي لاستكمال دراستها الجامعية التي تخلت عنها منذ 15 سنة، لتتخرج بشهادة عليا وتبحث حينها عن عمل تعيل به عائلتها. لم يكن سهل علينا الوصول إلى منزل التائبة “ف. ب” الكائن بمنطقة سيدي سالم التي تبعد عن بودواو بالعاصمة بحوالي 10 كيلومترات، خاصة أننا لما اتصلنا بها للاستفسار عن مكان سكنها، كانت قد أوصتنا بعدم السؤال عنها في المنطقة خوفا على عائلتها وابنها الصغير البالغ من العمر 9 سنوات. بعد رحلة بحث واستقصاء دامت حوالي ساعتين من الزمن، وصلنا إلى قرية “سيدي سالم” التي اعتقدناها في الوهلة الأولى مهجورة، لولا بعض البيوت المأهولة بالسكان التي كانت تبدوا من بعيد. سرنا باتجاه المنزل أين كان الطريق إليه معبدا، وكنا نشاهد على حافتي الطريق بين اللحظة والأخرى أطفالا يحملون محافظ تثقل الكاهل، ويمشون بخطوات متثاقلة نحو منازلهم.. ولما بلغنا المنزل المنشود وجدنا سيدة في انتظارنا من وراء الباب، كانت مضيّفتنا ترتدي جلبابا يغطي كافة جسدها وتضع نقابا أسود اللون كان يغطي وجهها الذي لم يظهر منه إلا عينيها، وكانت “السيدة التائبة” تخفي يديها تحت جلبابها حتى وهي جالسة. عندما كنت بصدد الدخول إلى المنزل، طلبت من زميلي المصوّر الذي كان برفقتي التريث إلى حين أطلب الإذن من صاحبة البيت، التي وافقت على طلبنا، فاستقبلتنا بمنزلها المتواضع الذي يضم فناء بثلاث غرف استقرت به منذ سنة 2000 رفقة ابنها، الذي أنجبته من شخص كان ثالث زوج في حياتها البائسة، بالإضافة إلى والدتها وأختيها وجدنا المسن الذي تفصله عن القرن عام سنتين فقط. في البداية، راحت مضيّفتنا تحدثني بطلاقة وبلغة عربية فصحى ومن دون حتى أن أطرح عليها الأسئلة. وما شدّ انتباهي طيلة اللقاء الذي جمعني بها هو أنه لم يبد عليها أي من علامات الارتباك أو التوتر، لدرجة أنها لم تنزعج من أسئلتنا، وهو ما جعلني أشعر بأن محاورتي كانت جد مرتاحة لوجودي وزميلي برفقتها. وعلى العكس تماما. انطلقت السيدة “ف.ب” في سرد قصتها واستحضار السنوات التي قضتها بالجبل بتسلسل وانتظام كبيرين، متذكرة أدق التفاصيل منذ أن هجرت قريتها بسيدي مخلوف، وقررت تطليق الحياة الجامعية والصعود إلى الجبل، وصولا إلى تاريخ عودتها إلى المجتمع والالتحاق بعائلتها.
  • “تزوجت ثلاثة إرهابيين في الجبل!”
  • قالت التائبة “ف.ن” إنها من مواليد 1973 بولاية البويرة، وبالضبط بقرية سيدي مخلوف الواقعة بين الجباحية وعين بسام، نالت شهادة البكالوريا سنة 1993 شعبة اقتصاد وتسيير، لتلتحق بعدها بالمدرسة العليا للتجارة بتافورة بالعاصمة، غير أن الظروف التي كانت سائدة هناك في سنوات التسعينيات حرمتها من إنهاء دراستها الجامعية، وفي نفس السنة التحق والدها بالجبل قبل أن تلحق به. واعترفت محدثتنا بأنها كانت تظن أنها على حق وأن من كانوا معها هم أيضا على حق وأما البقية كلهم فعلى خطأ، وبقيت تلك الأفكار التي عشّشت في رأسها تراودها طيلة سنوات، حيث أضافت قائلة: “زوّجني والدي في المرة الأولى من أحد الإرهابيين الذي كان -آنذاك- أميرا على كتيبة “الموت الخضراء” بأعالي جبال حيزر بالبويرة، وهو يحمل شهادة مهندس دولة في البترول وكان قد تقدم لخطبتي وأنا طالبة في السنة أولى جامعي، لأنه كان على اتصال دائم مع والدي وكانا يخططان للصعود إلى الجبل، وبعد مرور سبعة أشهر على زواجي منه تم القضاء عليه من قبل الجيش في كمين نصب لهم، وكنت -حينذاك- حاملا في الشهر السادس قبل أن أنجب طفلة، وتبدأ معاناتي الحقيقية، غير أنه لم يكن باستطاعتي التراجع إلى الوراء لأنهم كانوا يعتقدون أنهم على صواب.. وضعت طفلتي في الجبل وبقيت على حالي أنتقل من مأوى إلى آخر ومن دشرة إلى أخرى إلى غاية أن قام والدي للمرة الثانية بتزويجي من إرهابي آخر، بحجة أنه يريد مصلحتي وكان ذلك نهاية 1994. بين اللحظة والأخرى، كانت مضيّفتنا تقطع حديثها لبضع ثوان وتطلب من زميلي المصور ألا يظهر صورتها كاملة في الجريدة، وأن لا يكثر من التقاط الصور خوفا من كلام الناس. وما كان على زميلي المصور إلا التزام الصّمت تجاه طلبها، قبل أن تعود وتواصل الحديث فتقول إن زواجها الثاني كان من إرهابي مقرّب جدا من والدها، وأن “زوجها الجديد” كان مستشارا عسكريا بنفس الكتيبة. “غير أنه وبعد مرور سنة وشهرين بالضبط على زواجي منه، بلغني في يوم من الأيام خبر مقتله بعدما تم القضاء عليه بجبال البويرة. لقد تركني هو الآخر حاملا في الشهر السادس، لأنجب بعدها طفلتي الثانية التي سميتها ياسمينة.. وهي اليوم لدى عائلة والدها تتلقى الرعاية، غير أنني لما أتذكرها أبكي عليها بحرقة، لأنها لحد الساعة غير مسجلة في سجلات المواليد.
  • “كنا ننتقل من مأوى لآخر.. نغسل ونطهو الأكل ونلتقي بأزواجنا ليلا”
  • لم تتوقف “ف.ن” عن الحديث إلينا، فراحت تروي لنا بعضا من تفاصيل حياتها بالجبل، حيث قالت: “بقيت أواجه مشاكل الحياة بمفردي، وحتى والدي هجرنا وهجر أمي مباشرة، بعدما نزل من الجبل في نهاية 1999 ليتزوج من أخرى ويستقر بمنزلها بالعاصمة”. وفي تلك اللحظات قطع حديثها صوت ابنها الصغير الذي كان ينادي عليها، قبل أن يلتحق بنا ويسارع إلى معانقة والدته ويقبلها بحرارة ملتصقا بحضنها، رافضا في ذات الوقت أن يفارقها، قبل أن تستأنف محدثتنا كلامها وتؤكد لنا بأن ابنها متعلق بها كثيرا لأنها بالنسبة إليه الأم والأب في نفس الوقت، ولأنه الوحيد من فلذات كبدها الذي احتفظت به، حيث أن والدتها ليس باستطاعتها التكفل بهم جميعا. ولما سألنا “ف.ن” عن مصير ابنتيها، أخبرتنا بحسرة، أنها فضّلت بعد تأزم الأوضاع التنازل عنهما لعائلتي زوجيها المتوفين بالجبل، قبل أن توضح لنا بأنها ذاقت المر بالجبل، خاصة حين فقدت كافة حقوقها المادية وخاصة المعنوية، فلا أمن ولا استقرار ولا شيء سوى الخوف من الموت. لتبقى المرأة أو بالأحرى “الأثنى” بالجبل ملتزمة بأداء “واجباتها” على أكمل وجه دون التفكير في التملّص منها، وهو غسل ملابس الإرهابيين وتجفيفها في حر الصيف وبرد الشتاء وطهي الطعام، مع التزام الصمت وانتظار الأوامر وتطبيقها في الحين. ولما سألناها عن مكان التقاء الإرهابيين بزيجاتهم، أجابت “ف.ن” أن الإرهابيين كانوا يخصّصون للأزواج مأوى أو غرفا أرضية تكون قريبة من معاقلهم، يلتقون فيها في ساعات متأخرة من الليل ولبضع ساعات، لينصرفوا بعدها إلى معاقلهم ليخططون للاعتداءات الإرهابية في سرية تامة دون أن تعرف يوما ما كان يقومون به، سواء بالنسبة لوالدها أو حتى أزواجها الثلاثة. ولما أردنا الاستفسار عن كيفية معاملتها من قبل أزواجها الثلاثة، أكدت السيدة التائبة أنها كانت تتلقى معاملة حسنة، خاصة من قبل زوجها الإرهابي الأول الذي كان -آنذاك- أميرا لكتيبة “الموت الخضراء”، فكانت “مدلّلة الجبل”، على حد قولها، ولم تكن تقوم بالأعمال الشاقة مثل بقية النسوة المختطفات اللواتي كن يعاملن كسبايا، قبل أن تنتقل محدثتنا في حديث آخر إلى سرد قصة زواجها الثالث والأخير من ابن عمها سنة 1997، حيث تقول “ف.ن” إن هذا الأخير جرّدها من كافة حقوقها، قبل أن يقرر تركها في آخر المطاف ويتزوّج من أخرى لأنها “لم تعد تلزمه”.. وحتى ابنه الوحيد تنازل عنه ببساطة في أحلك الظروف، متخليا بذلك عن كافة وعوده والتزاماته.
  • تزوجت ابن عمي في 1997 وتنازلت عن طفلتيّ لأنه رفض التكفل بهما
  • بنبرة تحمل الكثير من الحزن والأسى، حدثتنا “ف.ن” عن زوجها الثالث والأخير في الجبل، الذي لم يكن سوى ابن عمها، حيث قالت إنها تزوجته بحضور والدها، حيث كان الأول ينشط ضمن نفس الجماعة الإرهابية بضواحي جبال حيزر وبقيت رفقته إلى غاية أن صدر ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وهو التاريخ الذي عادت فيه محدثتنا إلى المجتمع عندما تخلت رفقة زوجها ووالدها عن حياة الجبل. غير أن عودة محدثتنا إلى الحياة الطبيعية هذه المرة لم تكن مثلما غادرتها، حيث إنها كانت تحمل على عاتقها مسؤولية ثلاثة أبناء ولدوا في الجبل، واستقروا معها بشكل مؤقت بمنزل عائلة زوجها الأخير بالبويرة طيلة 6 سنوات. وفي هذه النقطة بالذات، تسترسل “ف.ن” في الحديث فتقول إن زوجها كان بعد توبته يتلقى المساعدات المادية والإعانات من قبل والديه بحكم أنه كان بطّالاً، فيما ظلت زوجته تواجه لوحدها مشاكل الحياة، قبل أن ينضاف إلى العبء الملقى على عاتقها عبء آخر، كان عندما رفض زوجها التكفل بابنتيها، لينقض بذلك وعدا التزم به أمام زوجته قبل عودتهما من الجبل، وتبدأ بذلك سلسلة تنصّلات “الزوج الذي حاول إقامة دولة إسلامية”، حيث رفض في البداية ترسيم زواجه من بنت عمّه مدنيا لتضمن هذه الأخيرة حقوقها وحقوق ابنها وتمكنه من الوثائق الإدارية، فيكون مثله مثل باقي الأطفال، غير أن “الزوج الثالث” استمر في الرفض، بل إنه وصل حد التخلي عنها نهائيا في سنة 2006، عندما قام بنقلها إلى منزلها العائلي بسيدي سالم، ومنذ ذلك التاريخ لم يتصل بها، تاركا إيّاها بمصير مجهول ومعلّق، حيث أنها غير متزوجة إداريا وغير مطلقة شرعا، بعدما رفض زوجها تطليقها، متحججا بأن الشرع منحه حق الزواج بأربعة نساء، فتزوج من أخرى وترك الأولى.
  • “أبنائي أبرياء فلماذا يعاقبون على ذنب لم يرتكبوه؟”
  • كانت هذه الجملة صرخة أم هي اليوم بحاجة ماسة إلى ابنتيها اللتين تنازلت عنهما لعائلتي زوجيها اللذين تم القضاء عليهما في الجبل، لأن الظروف الاجتماعية كانت جد قاسية. وقالت “ف.ن” إن أبناءها الثلاثة أبرياء، وهم يدفعون ثمن ذنوب ارتكبها آباؤهم، فلا مستقبل لهم ولا هم يحزنون، خاصة وأن ابنتها “ياسمينة” هي اليوم تدفع ثمن جهل والدها وجدّها، فهي لا تتوفر على وثائق إدارية لأن عائلة والد “ياسمينة” لم تتمكن من الحصول على شهادة وفاة ابنها الإرهابي، بحكم أنه دفن في مكان بالجبل. ولما سألنا “السيدة التائبة” إن كان ابنها يعلم شيئا عن الماضي، ردت قائلة إنه بريء وإنه عندما يكبر سيكتشف الحقائق بنفسه.
  • أنهينا الحديث وخرجنا من بيت مضيّفتنا وتركناها وراءنا، ومعها تركنا قصصا من الواقع هي أقرب إلى الخيال الدرامي منها إلى الحقيقة، غادرنا “سيدي سالم” وابتعدنا عن “السيدة التائبة”، لكن كلماتها الأخيرة لنا ومنظرها وهي تبكي حالها ظلت ترافقنا طوال رحلة العودة، لقد كانت تقول: “أنا ضحية المأساة الوطنية”.
رابط دائم : https://nhar.tv/VWIou