وأخيـرا.. يسقــط سعــدي!
أصرّ أمس زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، على الصعود فوق مركبة الأمن الوطني المركونة في ساحة الشهداء، مقابل مقر الأمن الحضري الثاني، والدوس على شعار الشرطة المصور عليها، بعدما فشل في مسيراته السابقة في إسقاط قبعات قوات الأمن، التي تصدت لمسيراته غير المرخصة التي حاول تنظيمها بساحة أول ماي، في إشارة منه إلى إسقاط النظام وإهانة رموزه التي يحاول تشويهها مهما كان الثمن.
وفور وصوله إلى ساحة الشهداء في حدود التاسعة والنصف صباحا، سارع زعيم ”الأرسيدي” وسط عدد من مسانديه الذين لم يتجاوز عددهم 60 شخصا، رفقة الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان علي يحيى عبد النور، إلى محاولة اختراق صفوف أعوان قوات مكافحة الشغب المنصبة حول أقواس بلدية القصبة، محتميا وراء عناصر حماية الشخصيات المرافقين له، ليتجه بعدها مباشرة إلى إحدى المركبات الرباعية من نوع ”صورنتو”، التابعة لمصالح الأمن الوطني، والتي كانت مركونة في الرصيف المقابل لمقر الأمن الحضري الثانية، حيث لم يتردّد في تسلقها والصعود فوق سقفها للوقوف على شعار الشرطة، في محاولة منه إلى إهانة الجهاز، خاصة أنّها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها على فعلة مماثلة، بل سبق له كما أشارت إليه ”النهار” في أعدادها الماضية، أن حاول في مسيرة 12 فيفري الجاري بساحة الوئام المدني، انتزاع قبعات أعوان الأمن الذين تصدوا للمسيرة غير المرخصة، التي نادت إليها التنسيقية الجزائرية من أجل التغيير والديمقراطية، في إشارة إلى إسقاط النظام، كما ظل يردده في شعارات مسيراته. وتعمّد سعدي إيهام الجميع بأنه سقط من أعلى المركبة بفعل من أعوان الأمن الذين حاولوا وضع حد لهذه المهزلة، حيث ارتمى على جمع الأشخاص المحيطين به من عناصر الشرطة ومناضلي حزبه ومساندي التنسيقية، إلى جانب بعض الفضوليين، قبل أن يعاود الصعود مرة أخرى فوق المركبة مختبئا وراء عناصر حماية الشخصيات المكلفين بحراسته، ومكث فوقها بضع لحظات، مشيرا بإصبعيه ”السبابة” و ”الوسطى”، إلى شعار ”الإنتصار”(LA VICTOIRE)، للتعبير عن تحقيقه لما كان يصبو إليه، إلى أن تم إجباره على النزول من على سطح السيارة وتوجيهه رفقة من معه نحو السلالم المؤدية إلى شارع الأميرالية قرب ساحة السماكة، أين تم محاصرته قبل الشروع في إخلاء المكان. وظل سعدي يلقي في خطابه على الملتفين حوله في السلالم، بينما تجمّع حوالي 40 شخصا من سكان الأحياء المجاورة ومن القصبة، لمناهضة هذه المسيرة، رافعين شعارات مساندة لرئيس الجمهورية، ممّا جعله يغادر الساحة في حدود الحادية عشرة والنصف قبل الزوال.
إصابة أحد مناضلي الأرسيدي بوعكة صحية
في حين سجل خلال هذا التجمع، إصابة نائب عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بالمجلس الشعبي الوطني بوعكة صحية، نقل على إثرها إلى المستشفى من طرف أعوان الحماية المدنية.
انقسام تنسيقية التغيير يتجسّد ميدانيا
يذكر أنّ التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية التي حاولت تنظيم مسيرتين في 12 و 19 فيفري الجاري بالعاصمة، قد انقسمت إلى تيارين بين مجتمع مدني وأحزاب سياسية، على إثر اجتماع عقد يوم الثلاثاء الماضي، حيث قرّرت عدّة أطراف من هذه التنسيقية عدم المشاركة في هذه المسيرة، ويتعلق الأمر بكل من الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان و النقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين والمجلس الوطني للتعليم العالي واللجنة الوطنية للبطالين وجمعية الجزائر السلمية، معتبرة أنّ الأحزاب السياسية لا يجب أن تشارك في حركتهم الإحتجاجية، خوفا من ”التلاعب بالشباب واستعمالهم” مؤكدة أنّ ”تنظيم مسيرة كل يوم سبت لا معنى له، إذا لم نقم بتقييم نتائج الحركة وآفاقها”.
”مجانين” و”متشردون” ضمن مسيرة الدكتور
شوهد أمس، عدد من المضطربين عقليا وعديمي المأوى، وسط عشرات المتظاهرين في ساحة الشهداء، في إطار المسيرة غير المرخصة التي دعت إليها التنسيقية الجزائرية من أجل التغيير، والذين ضلوا يردّدون الشعارات التي يسمعونها في كل مرة، سواء ما هو معارض للنظام أو مساند له، بعد أن شدتهم. ونجح أمس، سعيد سعدي، زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، في استقطاب العشرات من المجانين والمتشردين إلى مسيرته، بعدما استطاع إقناعهم بضرورة إحداث التغيير والإنقلاب ضد النظام كما يدعو له، حيث ظل هؤلاء يجوبون الشوارع المؤدية إلى ساحة الشهداء وسط المتظاهرين، مرددين شعارات المساندين للتنسيقية، على غرار ”الشعب يريد إسقاط النظام” و”جزائر حرة ديمقراطية”، قبل أن ينقلب البعض منهم، بمجرد تعالي أصوات شباب الأحياء المجاورة، الذين جاؤوا لمساندة رئيس الجمهورية، ويندرجوا وسط هؤلاء حتى أن البعض منهم لم يتردد في حمل صور لعبد العزيز بوتفليقة، ومطالبة أتباع سعدي بمغادرة المكان، مرددين شعار ”امشي… امشي…” أو ” في التسعين وين كنتو نتوما”.
طالبوا سعدي بالعودة إلى البيت
الشباب في مسيرة مضادة: ”جيش شعب معاك يا بوتفليقة”
ندد عشرات الشباب أمس بالمسيرة التي دعا إليها سعيد سعدي من أبناء الأحياء القريبة من ساحة الشهداء، وهتفوا بحياة عبد العزيز بوتفليقة، مرددين شعارات مؤيدة وحاملين صور الرئيس، حيث شكلوا هاجسا لأنصار الآرسيدي الذين ذابت حناجرهم أمام الهتافات والأصوات المدوية للشباب الذين فضّلوا الخروج في مسيرة مضادة، تعبيرا عن قناعتهم. وردد الشباب المعارض لمسيرة ما يسمّى بالتنسيقية الوطنية، من أجل التغيير شعارات مؤيدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على غرار ”جيش شعب معاك يا بوتفليقة”، ”الجزائريون مع بوتفليقة”، ”1 2 3 فيفا لالجيري”، وحملوا صورا لعبد العزيز بوتفليقة ولافتات مؤيدة للنظام جابوا بها الشارع الرئيسي لساحة الشهداء من جهة البحر، في حدود المساحة التي تم تطويقها من قبل مصالح الأمن.
وعبر عدد من الشباب عن سبب خروجهم إلى هذه المسيرة بوقوفهم في وجه دعاة ما أسموه بـ”التخلاط”، مشيرين إلى خوفهم من أي انزلاق قد يدخل حيهم في أمور لا تحمد عقباها، على غرار ما كان يحدث دائما خلال الوقائع السابقة، سواء تعلق الأمر بالمسيرات أو مباريات كرة القدم، أين صرح هؤلاء أنّهم يريدون حماية ممتلكاتهم وكذا التعبير عن قناعاتهم تجاه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وقال بعضهم أن هناك أزمات اجتماعية يعانيها الشباب فعلا كالبطالة والبيروقراطية، إلاّ أنّها لا تعالج بهذه الطريقة التي يدعو إليها أنصار التنسيقية، كما أنه ليس هذا هو وقتها ولا منبر الحديث عنها، حيث ثمنوا الحالة الأمنية التي وصلت إليها الجزائر، مقارنة بسنوات الجمر فضلا عن الوضعية الإجتماعية وظروف المعيشة التي شهدت تحسنا كبيرا، وأن القضاء على البطالة والبيروقراطية لن يكون في لحظة، ولكن تدريجيا كما تم القضاء على الإرهاب. ومنعت من جهتها مصالح الأمن حدوث أي احتكاك بين أنصار المسيرة ومعارضيها، الذين كانوا يتضاربون الآراء فيما بينهم من الرصيف الأيمن والأيسر للطريق، إذ يحاول كل منهما إقناع الآخر بنظرته وقناعته التي خرج للدفاع عنها، في الوقت الذي شهدت كل التجمعات المصغرة الهامشية بساحة الشهداء، نقاشا بين أطراف اختلفت وجهات نظرهم. وردد المتظاهرون الشباب أمس، شعارات ضد زعيم الأرسيدي سعيد سعدي، على غرار تلك التي تم ترديدها خلال المسيرات السابقة بساحة أول ماي، فضلا عن الدعوة للبحث عن مكان آخر غير هذا، كناية عن رفضهم لهذه المسيرة، حيث طالبوا رموز المسيرة باختيار مكان يلقون فيه الدعم والمساندة، مستهزئين بأنه لن يجد من يسانده في مسعاه هذا أبدا.
مواطن سار منفردا من ساحة الشهداء إلى ساحة أول ماي وهو يحمل صورة بوتفليقة
واستطاع رجل خرج من الطوق الذي فرضه أعوان الأمن، حين قرر السير من ساحة الشهداء إلى غاية ساحة أول ماي منفردا، وهو يحمل صورة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حيث سلك الطريق الذي كان مقررا للمسيرة المعارضة، التي حال دونها الحضور الأمني المكثف. وظل ذلك المواطن الذي سار مشيا على الأقدام يحمل صورة بوتفليقة على رأسه، إلى غاية بلوغه ساحة أول ماي، معبرا عن قناعته في مساندة ودعم الإصلاحات الإجتماعية التي تشهدها الجزائر، حيث كان يؤكد لكل من يستوقفه، بأنه قرر المشي في المسيرة ولو منفردا عبر المسلك الذي كان مقررا لها، إلا أنه كان مؤيدا وليس معارضا، كما أنه كان يلقى الدعم على طول الطريق من خلال أهازيج أصحاب السيارات والمشاة على طول الخط الذي سلكه.
إيقاف لبناني كان داخل المسيرة مزدوج الجنسية
أوقف رجال الشرطة أمس في المسيرة التي كانت مقررة بساحة الشهداء لبناني مزدوج الجنسية، من أب لبناني وأم جزائرية، بعدما اقترب منه أحد المواطنين وتجسس على بعض مكالماته التي كان يجريها، حيث اتصل عدة مرات، ما أثار انتباه بعض المواطنين الذين اتهموه بالجوسسة ومحاولة نشر الفتنة. وقام أحد أعوان الأمن باقتياد اللبناني إلى إحدى المصالح القريبة، من أجل التأكد من هويته الحقيقية، خاصة بعدما انقض عليه بعض المواطنين وحاولوا فهم الأمر، قبل وصول رجال الأمن في الزي المدني، أين تم تهدئة الوضع وأخذ هذا الأخير إلى الجهات الرسمية، أمام حديث عن كونه جاسوس ومحرض حسب مكالماته الهاتفية التي كان يجريها، على حد تعبير الشخص الذي تنصت عليه.
الشعب يريد علاج سعدي!
”الخرجة” التي قام بها سعيد سعدي، أمس، عندما اعتلى سقف سيارة شرطة ثم رمى نفسه منها، في مسيرة قيل أنها سياسية لإسقاط النظام! لا تشبه في الدلالة والمضمون سوى ما يقوم به القذافي في ليبيا هذه الأيام.. وربما يكون سبب ما قام به سعدي، هو أنه أراد مبارزة ”مجنون ليبيا” ومنافسته على لقب ملك ملوك مجانين إفريقيا.. وهذا من حقه، كون قوانين الطبيعة والبشر تبيح للإنسان التبارز والتنافس تحت شعار البقاء للأقوى والأصلح!
في ليبيا، حُكم الشعب الليبي على مدار ما يقارب 42 سنة من طرف رجل تبين أخيرا أنّه مصاب بشتى أصناف الجنون، ذلك لأن القذافي فعل كل شيء، وقال كل الكلمات التي تثبت بالدليل والبرهان، أن القلم مرفوع عنه، فراح ينادي بقيام دولة ”إسراطين”، لتوحيد الإسرائيليين والفلسطينيين في كيان سياسي واحد، ودافع عن القراصنة الصوماليين في هيئة الأمم المتحدة، ونصّب نفسه ملك ملوك إفريقيا بعدما لم تُشبعه كل الألقاب التي منحها لنفسه، بداية من قائد الثورة وصولا إلى إمام المسلمين!
اليوم؛ وقد تبين أن ما يعاني منه القذافي من جنون، لا علاج له، خصوصا عندما وصف شعبه بالجرذان والجراثيم، أدرك العالم بأسره حجم ما عاناه الشعب الليبي وصبر عليه على مدار 42 سنة كاملة. ولأن المثل العربي يقول: ”من يرى هموم الناس يهون عليه همه”، فإن من واجبنا القول اليوم أن ما فعله سعيد سعدي بالأمس من تهريج و”كلون”، لا يرقى إلى إبداعات القذافي الذي أثبت عن جدارة استحقاقه لقب ملك ملوك مجانين إفريقيا، وليس فقط لقب مجنون ليبيا، وأن على الجزائر شعبا وسلطة الصبر قليلا على سعدي، إلى حين أن يتم العثور على مصحة عقلية تقبل باستضافته.
وفي إطار واجب السلطات الجزائرية الحرص على الإستماع لمشاكل الشعب الجزائري وإيجاد حلول لها، كان من الواجب على الرئيس بوتفليقة، أن يأمر بالأمس وزير الصحة ووزير العمل والضمان الإجتماعي، بالتكفل بحالة سعيد سعدي، من خلال البحث له عن مصحة عقلية في مستوى علته وجنونه، إلى جانب إصدار أمر رئاسي بالتكفل بمصاريف علاجه، حتى وإن اقتضى الأمر إرساله إلى الخارج!
ولسنا ندري ما الذي سيفعله سعدي السبت المقبل، بعدما ثبت أنه انتقل في مساعيه، لإسقاط النظام من التظاهر في الشوارع إلى ضرب الشرطيات، وصولا إلى اعتلاء أسقف سيارات الشرطة والقفز منها.. فقد يقوم الرجل في الخطوة القادمة بالصعود إلى أعلى مبنى في العاصمة، ويهدد برمي نفسه أو ربما يقوم بالتهديد بالانتحار حرقا إذا لم يرحل النظام.
حينئذ، ستتفاجأ السلطات العمومية بالتفاف الشعب الجزائري حول سعدي، لمساندته في مسعاه في هبّة لم تشهدها الجزائر، وسيتبين أن كل الجزائريين سيتهافتون على دعم سعدي.. من خلال التسابق في ما يشبه مزايدة حول من يقدم أكبر كمية من البنزين!