هكذا تورّطت شركة طليبة في فضيحة مخازن الحبوب!
تواصل «النهار» نشر تحقيقاتها حول قضية مشروع بناء 39 مخزن حبوب عملاق، وهي القضية التي استنزفت آلاف الملايير من خزينة الدولة، من دون أن تتجسد على أرض الواقع.
وفي هذه الحلقة، سيتم التطرق لمعطيات ومفاجآت جديدة، ستقلب صورة ما يحدث داخل الديوان المهني الجزائري للحبوب رأسا على عقب، كونها تكشف حجم التسيب في معالجة ومتابعة أوجه صرف المال العام، إلى جانب طرق تسيير الصفقات العمومية وما يشبوها من عيوب وفضائح، جعلت من مشروع بناء 30 مخزنا معدنيا و9 مخازن إسمنتية بمثابة فضيحة كبرى.
في هذه المرة، ستتطرق إلى الجهات المكلفة بمتابعة ومراقبة مشروع بناء تسعة مخازن من الخرسانة المسلحة، وهي الصفقة التي أسندها ديوان الحبوب لمجمع من مكتبي دراسات، وهما مكتب الدراسات «سيتو» الكائن مقره الرئيسي في ورڤلة ومقره الثانوي في عنابة، ومكتب الدراسات «يخلف» في قسنطينة.
ويبدو من الوهلة أن مكتب الدراسات الأول مملوك لرجل الأعمال والبرلماني المثير للجدل، بهاء الدين طليبة، ويبدو من خلال الوثائق الرسمية التي تحوز عليها «النهار» أن مكتبي الدراسات «سيتو» و«يخلف» قد توحدا في كيان واحد على شكل مجمّع مؤقت، لخوض غمار المناقصة الخاصة لاختيار مكتب دراسات مكلف بمتابعة ومراقبة إنجاز 9 مخازن للحبوب.
وبتاريخ 13 سبتمبر 2014، فاز مجمع «سيتو يخلف» بالصفقة التي قدرت قيمتها في ذلك الوقت بـ20 مليار سنتيم، فيما قدرت قيمة إنجاز المخازن التسعة بأكثر من 140 مليون دولار بالعملة الصعبة، وثلث تلك القيمة بالدينار الجزائري، أي ما يعادل 713 مليار سنتيم.
وكان من جملة الأعباء والمسؤوليات المسندة لمكتبي الدراسات في إطار متابعة ومراقبة مشروع الإنجاز، متابعة كل اشغال البناء الأساسية والقاعدية، ومتابعة إنجاز مخازن القمح النهائية، بالإضافة إلى التجهيزات التابعة لها، فضلا عن التهيئة الخارجية والطرق المؤدية من وإلى المخازن.
ونص العقد الذي وقعه مسؤولو ديوان الحبوب ومسؤولو مكتبي «سيتو ويخلف»، على وجوب التزام المكتبين بالحرص على أن تكون الأشغال المنجزة من قبل الشركة المكلفة مطابقة لكل مقاييس البناء والعمران، قبل عرضها على مصالح هيئة المراقبة التقنية للبناء، فضلا عن متابعة تواصل الأشغال وعدم توقفها، إلى جانب تنظيم لقاءات أسبوعية بينها وبين مسؤولي المؤسسة صاحبة المشروع والمؤسسة المنجزة، والإبلاغ عن كافة التغييرات التي طرأت على المشروع والصعوبات التي تواجهه، كما أن مكتب الدراسات المتابع للأشغال مجبر على رفع تقارير عن كل مخالفات البناء التي ترتكبها المؤسسة المنجزة، وإعادة الأشغال غير المطابقة.
مكتبا الدراسات «سيتو- يخلف».. «شاهد ما شاف والو»!
وعكس تلك الالتزامات، لم تبذل الجهات المكلفة بعملية متابعة المشروع وتقدمه واحترام شروطه ومطابقته للمقاييس أي جهد يذكر، لدرجة أن عملية الإنجاز التي كانت مقررة على مدار 30 شهرا، قد جرى تمديدها مرتين، الأولى عندما تمت إضافة 12 شهرا كاملة، والثانية بعدما تم تمديد الآجال بسنة أخرى إضافية.
ولم يقف مكتبا الدراسات المكلفين بالمتابعة والمراقبة عند هذا الحد في التسيب والمشاركة في إهدار المال العام، بل أن مشاريع بناء المخازن العملاقة التسعة قد أصبحت تعاني من عدم احترام المقاييس والشروط في عملية الإنجاز، وهو الأمر المسجل في اثنين على الأقل من المخازن، مثلما تؤكده وثائق رسمية بحوزة «النهار».
«سي.تي.سي» : «3 مخازن غير مطابقة للمقاييس في أم البواقي»
بتاريخ 28 مارس الماضي، أصدرت الهيئة الوطنية للرقابة التقنية تقريرا حول مشروع إنجاز مخزن للحبوب بمنطقة تاكسا التابعة إقليميا لبلدية سيقوس بولاية أم البواقي، وجاء في التقرير أنه تبين من خلال مراقبة مشاريع بناء مخازن «سي 12» و«سي 13» و«سي 14»، عدم مطابقتها لمعايير البناء والمخطط المتفق عليه.
وكشف معدو التقرير عدم وجود الإطارات المعدنية على مستوى المناطق العقدية أو مناطق الارتباط، بالإضافة إلى النقص في الفراغات بين المخازن، وهو ما يستلزم تصحيح الوضع وتصويبه، حسبما ينص عليه المخطط. وتضمن التقرير أيضا أن عمليات المراقبة أثبتت وجود نقص في استخدام المواد المدعمة، خاصة ما يتعلق بالإسمنت المسلح والطلاء المضاد للتآكل، وهو ما يهدد بعض تلك المخازن بالانهيار في وقت لاحق.
ويؤكد أصحاب نفس التقرير بأن الهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء تؤكد على ضرورة إصلاح ومراجعة كل التحفظات التي تم إبداؤها في الخبرة، واحترام كل ما هو منصوص عليه في المخطط نظرا لأهميته، وخطورة الأخطاء المرتكبة على مستوى هذه المخازن.
فضيحة أخرى في خنشلة.. ونظام عزل المياه غير مطابق «ومدغول»
بتاريخ 19 أفريل 2018، قامت الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء بمراسلة المدير العام للديوان المهني الجزائري للحبوب، بعد زيارة تفتيشية قادتها إلى مخزن منطقة بقاقة في الحامة بخنشلة الذي يتسع لتخزين 30 ألف طن من الحبوب، ولم تختلف تلك المراسلة عن مضمون الأولى الخاصة بمخازن منطقة تاكسا بأم البواقي.
وقال معدو تقرير «سي.تي.سي» إن عملية التفتيش كشفت أن نظام عزل المياه بالمخازن غير مطابق لمعايير البناء، وطالبت مصالح الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء مصالح ديوان الحبوب بالتدخل على مستوى مكتبي الدراسات والمؤسسة المنجزة لإعادة إنجاز نظام العزل المائي على مستوى أسطح المخازن، فضلا عن إعادة مراجعة نظام إنجاز الأنفاق بين المخازن. ومن شأن تلك التحفظات والملاحظات التي تكشفت عن خروقات خطيرة في عمليات البناء والتشييد، أن تعرقل إتمام إنجاز تلك المخازن، وحتى إن جرى تجاهل تلك الملاحظات، فإن تلك المخازن لن تحظى بمنحها شهادة المطابقة، وهو ما سيجعلها بمثابة هياكل إسمنتية بلا روح، لاستحالة تركيب المنشآت والعتاد التقني الخاص بالتخزين.
طليبة يخالف بهاء الدين.. تردّد وتخبّط وقصتان في وقت واحد
«نحن نقوم بالمتابعة وليس بالدراسات والموافقة على المشاريع».. بهذه العبارات رد البرلماني المثير للجدل، بهاء الدين طليبة، على سؤالنا له حول قضية إنجاز مخازن حبوب عملاقة غير مطابقة للمقاييس، ودور ومسؤولية المكتب الذي يملكه في تلك الفضيحة.
وكان من جملة ما قاله طليبة في البداية هو الاعتراف بأن مكتبه فاز بصفقة المتابعة، مشددا على أن دور مكتبه لم يكن دراسة المشروع، مضيفا بأن شركة الإنجاز هي المكلفة بالدراسة والإنجاز في نفس الوقت، وأن مكتب الدراسات الذي يملكه له صلاحيات التدخل إذا طلبت منه مصالح الديوان الوطني المهني للحبوب ذلك، في حال تسجيل مشكل في عملية الإنجاز، مؤكدا بأن مهامه تنحصر في المتابعة والمراقبة وفقط، وكأن المتابعة والمراقبة لا تقتضي من مكتبه التصريح بوجود خروقات كبيرة وخطيرة في عمليات البناء.
بعد ذلك، قامت «النهار» بالاتصال ببهاء الدين طليبة للمرة الثانية في ظرف دقائق، للحصول على توضيح أكثر بشأن مهام ودور مكتبه للدارسات في صفقة بناء 9 مخازن إسمنتية للحبوب، فكان أن رد علينا في هذه المرة بالقول «إنه مالك مكتب الدراسات وليس مديره»، وأن مثل هذه الأمور التقنية لا يتابعها وليس ملما بها.
بعد ذلك، حاولت «النهار» الاتصال بمدير مكتب «سيتو» للدراسات الذي يشغل في نفس الوقت منصب مسؤول مجمع «سيتو - يخلف» الكائن مقره بعنابة، للحصول على توضيحات منه بشأن دور ومسؤولية المكتب في فضيحة إنجاز مخازن حبوب غير مطابقة للمقاييس، غير أننا لم نتمكن من ذلك.