هذا ما لم يقلـه الرئيس :الشعب والصحافة لمراقبة المال العام وإقرار نظام برلماني

بدا الرئيس بوتفليقة متأكدا من أن لا أحد يمكنه إخراج البلاد من دوامة البيروقراطية ونهب المال العام سوى المواطنين والإعلام، ولعل الكثير مما كان بين السطور في خطاب الرئيس للأمة كان بمثابة شافي الغليل للكثيرين، حيث حمل بوتفليقة في خطابه المواطنين مسؤولية مراقبة المال العام، بالطريقة التي يراها مناسبة، سواء باختيار منتخبين نزهاء يمثلونهم أو بعدم السماح للانتهازيين باستغلال الظروف للسطو على أموال الشعب، ويعتبر إعلان الرئيس عن رفع التجريم عن الجنحة الصحفية قرار لتحميل الإعلام بشكل عام مسؤولية مراقبة المال العام أيضا، من خلال كشف المتلاعبين للرأي العام وتوجيهه، بدون خوف أو وجل من المتابعات القضائية التي أصبحت بمثابة الهاجس الذي يقيد العمل الصحفي على أكثر من صعيد. وفي السياق ذاته، نبه الرئيس رجال الإعلام إلى عدم استعمال أقلامهم في إثارة الفتن ”لأن الفتنة أشد من القتل” -يقول الرئيس، الذي أكد بالمقابل أنه لن يسمح بأن يعاد إثارة هاجس الخوف وسط الجزائريين، وذلك بتمرير رسائل من شأنها زرع الفتنة والبلبلة وتهديد استقرار البلاد.وألمح الرئيس في خطابه أنه واثق في جانب واحد من البلاد هو الشعب الجزائري الذي قال أنه يعول عليه في كل شيء حتى في مراقبة المال العام، مبديا عدم ثقته في المنتخبين الذين خاطبهم بالقول أنه عليهم أن يكونوا حقيقة ممثلين للشعب، بعد أن اتسعت الهوة بين الطرفين وأصبح الشعب في واد والممثلون في واد آخر.
تعديل الدستور يتضمن إقرار نظام برلماني السلطة فيه لممثلي الشعب
قالت مصادر حكومية أن قرار الرئيس المتعلق بتعديل الدستور، يتعلق بالفصل في نظام الحكم السائد، حيث سيتم تبني نظام برلماني محض، تكون فيه السلطة للبرلمان، هذا الأخير سيكون على ممثليه التفرغ لانشغالات المواطنين دون غيرهم، إذ سيمنع عليهم مستقبلا شغل منصبين اثنين خلال العهدة البرلمانية. بالمقابل، وفي إطار تعديل الدستور طرحت أحزاب التحالف فكرة تغيير نظام الحكم، إذ أعلن بلخادم عن موقفه الداعم لإنشاء نظام برلماني في الجزائر، يكون فيه البرلمان هو سيد القرارات، في وقت قال نظيره في ”الأرندي” أنه يدعم النظام شبه الرئاسي. بالمقابل، يرى شريكهم في التحالف الرئاسي أن الأمر يتعلق بتغيير شامل، ليصبح بهذه التصريحات معرضا لـ ”الفصل” حسبما أفاد به أويحيى الذي قال أن لديه مهلة إلى غاية جوان لتحديد موقفه من التحالف، بعد أن تراجع هذا الأخير عن دعمه للنظام القائم رغم أنه أحد ممثليه، هو ما كرس الاختلاف بين الأحزاب الثلاثة، حيث أصبح مستقبل التحالف في مهب رياح الحسابات والأجندات الخاصة بكل حزب
الجانب الأمني.. الجبهة الإجتماعية ثم الشق السياسي والإعلام
هكذا حدّد الرئيس الأولويات في خطابه
أولى الرئيس اهتماما بالغا للجانب الأمني وعودة الاستقرار والأمن للوطن، حيث باشر الرئيس خطابه للأمة، ببرنامج الحكومة الذي كان طيلة العشرية السابقة يعمل على إخماد نار الفتنة واستتباب الأمن، ليتم بعدها مباشرة التأخر في المشاريع بإطلاق برامج تنموية خماسية متتالية، ارتكزت في مجملها على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، من خلال العمل على إقرار العدالة الاجتماعية، وتعدد دعم الدولة لمختلف المواد الأساسية وتحسين الخدمات الاجتماعية، وجاء في الشق الثاني لخطاب الرئيس، التطرق إلى ما يحدث ببعض الدول العربية وعلى رأسها دول الجوار.
حيث أكد بوتفليقة قناعة الجزائر الراسخة برفض أي تدخل أجنبي في الدول ذات السيادة في إشارة منه إلى ما يحدث في ليبيا ومحاولة البعض الزج بالجزائر في القضية. وواصل الرئيس حديثه عن الشأن الداخلي، متطرقا في هذا الصدد إلى المطالب الاجتماعية للمواطنين، والاستجابة لها بإحداث آلية لتثبيت أسعار المواد الغذائية الأساسية، ومختلف أشكال الدعم للشباب، وإنجاز السكنات والمشاريع المنجزة طيلة السنوات السابقة، مشيرا في هذا الشأن إلى أنه ورغم البرامج التي تم إطلاقها إلا أن هناك إمكان لظهور طلبات جديدة قال الرئيس أنه على المسؤولين معالجتها بكل موضوعية ورصانة.
ولم يغفل الرئيس في الخطاب الذي ألقاه المشكل العويص الذي تعاني منه الإدارة الجزائرية والذي يعد أهم المشاكل القائمة حاليا، حيث قال أنه لا يمكن مطلقا القول بأن كل شيء على ما يرام، بالنظر إلى وجود أمراض مستشرية على غرار الرشوة والمحاباة والتبذير والفساد، مؤكدا أن الدولة عاكفة على محاربة هذا النوع من الأمراض بكل صرامة وإصرار، لافتا في هذا الشأن إلى أن الشعب يجب أن يكون طرفا في هذه الحرب ”إذ لا يمكن الانتصار فيها إلا بمشاركة كل فئات الشعب”، معلنا عن اتخاذ إجراءات جديدة لمحاربة البيروقراطية وأي مساس بالمال العام، حيث قال القاضي الأول في البلاد أنه سيتم الشروع هذه السنة في عملية تشاورية على المستوى المحلي لتحديد أهداف التنمية، داعيا الحكومة بالمقابل إلى رسم برنامج وطني للاستثمار يوجه للمؤسسات الاقتصادية في كافة قطاعات النشاط، وتوفير مناخ ملائم للاستثمار.
وواصل الرئيس حديثه وصولا إلى الوسط الإعلامي، إذ أعلن عن رفع التجريم عن الجنح الصحفية، وفتح باب السمعي البصري لقنوات موضوعاتية، في خطوة جريئة تعد الأولى من نوعها، مشيرا في هذا الشأن إلى أن الفتنة أشد من القتل، في إشارة إلى بعض ما يكتب وما يسعى لخلق الفُرقة وتخويف المواطنين، وقال أنه لا يحق لأي كان أن يعيد الخوف للأسر الجزائرية أو يمس بوحدة الوطن ومستقبله.
وجاء في المنبر السابع، قرار الرئيس المتعلق بمراجعة قانون الانتخابات بإشراك كافة الأحزاب الممثلة في البرلمان وغير الممثلة في صياغة النظام الانتخابي الجديد، حيث وبعد صياغة هذا القانون سيتم الاستعانة بملاحظين دوليين في الاقتراعات.
وأشار الرئيس من جانب آخر إلى أنه سيتم إيداع قانون عضوي حول حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، معلنا من جانب آخر عن تعديل قانون الأحزاب، وإيداع القانون العضوي المتعلق بتمثيل النساء ضمن المجالس المنتخبة قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فضلا عن إعادة النظر في قانون الجمعيات وتوسيع صلاحياتها.
وفي سياق الإصلاحات دائما، أعلن الرئيس عن تعديل الدستور، حيث أكد أنه سيتم إنشاء لجنة دستورية تشارك فيها كل التيارات السياسية الفاعلة وخبراء في القانون الدستوري، ليتم فيما بعد النظر فيها من قبل شخصه، ومن ثمة عرضها على البرلمان للتصديق أو على الشعب للاستفتاء.
ليختم الرئيس خطابه بضرورة انفتاح الإذاعة والتلفزيون على مختلف التيارات، ودعم القطاع السمعي البصري بقنوات موضوعاتية متخصصة مفتوحة للجميع، موجها رسالة إلى المواطنين من أجل مساعدته في إرساء كافة القواعد التي أعلنها، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، من أجل النهوض بالبلاد وتحقيق طموحات المواطنين.