مع اقتراب موعد امتحانات نهاية السنة تتوسع دائرة الإقبال عليها كقيمة مضافة : الدروس الخصوصية ،”زووم” المواضيع الرئيسية، حوليات الأسئلة.. واتهامات متبادلة
مع اقتراب موعد امتحانات نهاية السنة الدراسية، ازداد إقبال التلاميذ والأولياء على الدروس الخصوصية الداخلية والخارجية، وخاصة تلاميذ الأقسام النهائية، والرابعة متوسط ، حيث ستجري امتحانان البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط مع بداية شهر جوان القادم، حيث يراهن الجميع على الحصول على أعلى معدل، ليسهل أمامهم اختيار الشعب أو التخصصات التي يرغبون فيها، ورغم أن اللجوء إلى الدروس الخصوصية يعتبر قيمة مضافة لما استوعبه التلميذ في دراسته العادية ومتابعته لمضامين الحوليات ونماذج الأسئلة المرفقة بالأجوبة، فان الإقبال عليها أصبح ظاهرة تربوية واجتماعية في السنوات الأخيرة، يقبل عليها التلاميذ النجباء وكل راغب في النجاح، كما يحظى الأساتذة الأكفاء الذين أثبتوا نجاعتهم بطلب كبير ، وبغض النظر عن ايجابياتها الأكيدة ، فان طريقة أدائها وجانبها المالي وإمكانيات توفيرها لكل تلميذ ظلت محل معاينة من قبل المهتمين، تراوحت بين متحفظ ومؤيد، وننقل بعض ملامحها من خلال هذه العينات المرصودة .
عروض موازية.. بيع مشروط.. واتهامات متبادلة
على واجهات أكشاك الهواتف العمومية ومحلات نسخ الوثائق.. على أبواب العمارات ومحطات النقل وفي إعلانات الصحف، تنطلق حملة إشهارية مبكرة في أواخر شهر ماي من كل سنة لأسماء وطلبة وأساتذة يعرضون خدمة الدروس الخصوصية، ولكل واحد خدماته الخاصة، فمنهم من اكتفى بمادة واحدة ومنهم من جمع كل المواد فيدرس المواد العلمية واللغات وغيرها …
كلما حان وقت الحصاد التربوي تنطلق حملة اشهارية استثنائية، في الشوارع والمكتبات وكل مكان، وغالبا ما تتزامن مع نهاية السنة الدراسية، فالثلاثي الثاني انتهى وإسدال الستار على الثلاثي الأخير على الأبواب، فقد أصبحت الدروس الخصوصية تطارد التلميذ عشية كل اثنين وخميس ويوم الجمعة وأيام العطل، وفق لائحة هامة تختلف أسعارها باختلاف المكان واسم الأستاذ، ساعتان في الرياضيات داخل حجرة الدروس الخصوصية تقدر بـ 800 دينار وقد تقدر في مكان آخر بـ 2400 دينار شهريا، هي جلسات تربوية وبيداغوجية خاصة أصبحت من تقاليد السنة الدراسية وثقافة اقتنع بها جميع التلاميذ النجباء الحريصين على كسب معارك العلوم والمعرفة، شأنهم شأن الأولياء والأساتذة الأكثر اهتماما بمصيرهم، خاصة وأنها أصبحت مرادفا لتحقيق التفوق، فالتميز يخلق فرصا أكثر لاختيار المهن المستقبلية المطلوبة، في حين يرجعها البعض الآخر إلى محاولة المربي رصد طريق جديد للمداخيل لتحقيق ما عجزت عنه الرتبة الشهرية المتواضعة مع تصاعد مؤشرات متطلبات الحياة.
وللوصول إلى الغاية المطلوبة، يسمح لهذا الأستاذ بالإشراف على مجموعات من التلاميذ على أن لا يتجاوز عدد المجموعة الواحدة أربعة تلاميذ، غير أن الاستثناء والتجاوزات لا يغيبان عن هذه العملية تبعا لما ذكره بعض التلاميذ ممن تحدثوا لـ”النهار” عن الدروس الخصوصية. فبعضهم ذهب الى اتهام الأساتذة بإضافة وتضخيم علامات من يدفع في الحصص الخصوصية، دون أخذ تطور التحصيل في الدروس الخصوصية وأثرها على مردودية التلميذ بعين الاعتبار، فأحد التلاميذ نهائي رياضي لاحظ أنه عندما تحصل على علامة ضعيفة جدا في الرياضيات، قال الأستاذ “لو كنت مسجلا عندي في حصة الدروس الخصوصية لتحصلت على علامة 10″، وهي شهادة يمكن أن تحمل التأويلين. في حين يتهم البعض الأخر الأساتذة بفوضى هذه الدروس بعدما أصبحت أمرا واقعا.
وفي الطرف الآخر، يرد الأستاذ (ن مبارك) ليقول “المهمة الأولى للدروس الخصوصية هي مساعدة التلميذ على تجاوز ضعف مستواه ونقاط فشله السوداء، غير أن عقلية التلميذ ربطت المستوى والعلامة بثمن الحصة، فهو مقتنع بأن تسجيل حضوره في الحصة يعني حصوله على علامة مميزة دون عناء، ومن هنا ترسخت لديه فكرة المعدل الجيد بالثمن الجيد، ومنه أيضا روج لفكرة الأمر الواقع وتشويه صورة الأستاذ”، مع العلم أن تقييم الأمر يترك دائما للامتحانات العامة. وتضيف، عقيلة، أستاذة اللغة الفرنسية “هناك تضارب في نتائج التلاميذ، فهم يهتمون بالمواد العلمية ويهملون اللغات، مما يربك معدلاتهم العامة في آخر المطاف. كما أن المواد العلمية تحظى بالأولوية في التسجيل في الدروس الخصوصية وتليها اللغات”.
جنون التميز:
قد تكون الرغبة في التميز وتجاوز النقص، أو قد تكون رغبة العائلة في كسب تفوق أبنائها وراء ظاهرة الدروس الخصوصية وعدم استبعادها عن ذاكرة الجميع، فهي تأصلت في رغبة التلميذ وميزانية العائلة وفي جدول أعمال المربي أيضا. يقول التلميذ (محمد ع) “هي ضرورية للغاية، شخصيا أدرس مادتي الرياضيات والفيزياء لتحسين مستواي، أتلقى هذه الدروس بإحدى المدارس الخاصة مقابل 800 دينار للمادة الواحدة”. أما زميله (الصادق ب) فيعترف “سجلت حضوري مجبرا لأضمن العلامة المتميزة”.
وتقول التلميذة مروى” اخترت أن أدرس مادتي الفيزياء والرياضيات بحثا عن التميز وكذلك استجابة لطلب أمي الملح كي تتباهى بتميزي في شهادة البكالوريا القادمة بعد شهر”.
وبحثا عن التميز، اختار (عمار) أن يدرس الفيزياء والكيمياء والرياضيات بمنزله بكلفة تصل إلى 3000دينار شهريا، فالاكتظاظ لا يسمح له بالاستيعاب، الجميع مستعدون لدفع مقابل الامتياز. فالسيد، عبد الوهاب، يخصص سنويا ميزانية هامة لأبنائه الثلاثة كي يتمكنوا من تلقي دروس التدارك ويقول “أبنائي متميزون وهذه الدروس تميزهم أكثر لكنني لا أبخل في الميزانية”، ثم يضيف” حاجة ضرورية لا تخلو أحيانا من التجاوازت لكنني بمساعدة أبنائي أبحث عن الأيادي الأمينة حتى لا يسقط أحدهم بيد خضار الحي”، واعترف بعض الأساتذة بالضغوط التي يتعرضون لها من قبل التلاميذ والأولياء، فبعضهم يسعى إلى شراء العلامات، يشير السيد (م. كمال) أستاذ الرياضيات، إلا أن الأستاذ هو الآخر يعاني لأنه إن رفض أو قبل فهو متهم في النهاية. ويشير زميله أستاذ الفيزياء إلى أنه تعرض للشتم والسب من قبل أحد الأولياء لأن ابنته المسجلة في حصته لم تتحسن علاماتها، ويقول ” شتمني وقال لي أنا أشتري منك معدلا وأدفع لك شهريا 1200دج”.
أطراف أخرى تقتحم الظاهرة
مجموعة وجدت في الدروس الخصوصية مهنة لها، حيث يتحدث الأولياء عن تخصص أطراف عديدة لتأدية هذه الخدمة منهم الطالب والمنفصل حديثا عن الدراسة ومن يبلغ مستواه البكالوريا، وكل من يرى نفسه مؤهلا للدروس الخصوصية.
تقول، صليحة، “لن أترك دروس ابني فرصة لطالب المال، فهو يبحث عن الامتياز والتميز حتى يبلغ معدلا يفوق 15، ومهما كان الثمن فسأدفع شريطة أن تكون اليد تستحق ما أعطيها شهريا”.
وتقتنع السيدة، دلال، هي الأخرى بفاعلية الدروس الخصوصية لذلك يسجل أبناؤها حضورهم في مثل هذه الحصص وتقول “الظروف غير ملائمة داخل القسم الواحد يضم أكثر من 40 تلميذا، والبحث عن التميز يقتضي بالضرورة دفع الكثير داخل ما يسمى المدارس الخاصة أو خارجها”، وتضيف “ليست الدروس الخصوصية حكرا على أحد فهي مدرجة ضمن ضرورة ملحة -حسب اعتقادي- فالجميع في حاجة للمزيد، كما أن بعض الأساتذة أصبحو يفرضونها”.وعن فرضية الأمر الواقع الذي يمارسه المربي يشير التلميذ، أمين سامي، إلى محاولة البعض تسريب أسئلة الامتحان. كما فاجأتنا نبيلة وهي تتحدث عن البيع المشروط لترغيب التلاميذ في هذه الدروس فتقول “رفض أحد الأساتذة تسجيل ابنتي في حصة الدروس الخصوصية والتي يلقيها في مادة الرياضيات ما لم تكن مسجلة في مادة الفيزياء. وعندما شكوت له الأمر وقلت له ابنتي أستاذة في الفيزياء ولا يمكن ذلك، أجابني تعاون ثنائي بيني وبينها وبين زميلي لا يمكن أن أخرج عن إطاره”.
وفي المقابل حدثنا (عمر. ج) أستاذ رياضيات عن بعض الاستثناءات في سلوك الأساتذة “لا يمكن إجبار التلاميذ على شيء ما، ولا توجد بيد الأساتذة عصا سحرية لتميز كل تلاميذها هناك تجاوزات من الطرفين، فالتلميذ يوهم العائلة أنه مسجل بإحدى حصص الدروس الخصوصية ليصرف النقود ويتهم الأستاذ.. وبعض الأساتذة اختاروا الدروس الخصوصية وسيلة لتحسين المداخيل”.
مستوى التلميذ تراجع والأستاذ يدفع من جيبه
أوضح السيد (ق. عبد العزيز) مفتش التربية والتعليم بعنابة أن الاستثناءات والحالات الشاذة لا تختفي من أي ميدان، فالدروس الخصوصية تسجل هي الأخرى بعض التجاوزات مثل الضغط على التلميذ، غير أن ذلك يبقى مجرد استثناء، ليقول “مستوى التلميذ وراء الحاجة إلى مثل هذه الدروس، إلا أن الاكتظاظ،35 تلميذا داخل الحصة الواحدة، نفّر البعض لأن فرصة الاستيعاب قد تغيب لذلك برزت حصص الدروس الخصوصية خارج المدارس”.
استعدادات للغش وطوابير أمام المكتبات لشراء مختصرات دروس المواد الأساسية
هرع المئات من تلاميذ المتوسط والثانوي إلى بعض المكتبات وسط عاصمة الولاية خنشلة منذ أزيد من أسبوع، في طوابير مكشوفة وعلنية أمام العام والخاص والرعاة والرعية لأخذ نصيبهم الكامل من الدروس المصغرة “زووم” من مقررات المواد الأساسية لشهادتي التعليم المتوسط والباكالوريا، على غرار ما حدث في الموسم الدراسي نهاية السنة الماضية، وهي محاولات على ما يبدو تسير حسب العادة الموروثة والسنة المتبعة لدى من سبق هؤلاء التلاميذ على هذه الظاهرة التي تسيء إلى التربية والتعليم وتحط من القيمة المعرفية الحقيقية لشهادتي التعليم المتوسط والباكالوريا، على الرغم من الإجراءات الجديدة التي استحدثتها الوزارة الوصية وأساليب الصرامة التي أعلن عنها الوزير والتي تسري على الممتحن وعلى المؤطر لحراسة الامتحانات وعلى الإدارة المنصبة لتسييرها.
والأغرب -بحسب ما يتداوله المواطنون- أن أصحاب مكتبات بعينها ومعروفة لدى الجميع شرعت في خوض هذه التجارة المربحة بالنسبة إليهم والمخالفة صراحة للقوانين دون خوف من أحد أو المتابعة القضائية بتهمة المشاركة في التزوير والغش. كما لم يحرك أحد من المعنيين ساكنا وكأن هؤلاء أنفسهم لهم مصلحة مباشرة في غض الطرف عن ظاهرة متاجرة أصحاب المكتبات في التزوير واستعمال المزور، بل ويصل الأمر لدى بعضهم إلى تعليق إعلانات رسمية توجه التلاميذ إلى نوع “الزوم” المطلوب للدروس المطلوبة.
انتشار رهيب للدروس الخصوصية بعين الدفلى
دخلت الدروس الخصوصية قاموس المجتمع الجزائري وأصبحت ظاهرة جديدة ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من الظواهر الاجتماعية بسلبياتها وإيجابياتها. فولاية عين الدفلى وباعتبارها جزء من هذا المجتمع عرفت موجة غير مسبوقة للدروس الخصوصية، ومن منطلق الحاجة إلى تحقيق نتائج جيدة والبحث عن مدخول إضافي، أصبح الجميع يسعى لاستقطاب عدد من التلاميذ والطلبة ليقدم لهم دروسه التدعيمية، وتعتبر شريحة الصف النهائي أكبر المهتمين بهذه الدروس.
الظاهرة وبعد انتشارها في أوساط الطلبة والتلاميذ بدأت تقلق الكثير من الأولياء، حيث أصبحت تشكل عبئا على ميزانية الأسرة مما يجبرها على اقتطاع جزء كبير من دخلها للوفاء بالتزاماتهم المالية اتجاه المدرسين الخصوصيين.
وفي هذا الشأن، اقتربت “النهار” من رئيس الفدرالية الولائية لأولياء التلاميذ لولاية عين الدفلى، م. الحاجي، لمعرفة رأيه في الظاهرة، فأكد لنا أن هناك نوعين من الدروس، دروس تؤخذ على مستوى المؤسسات التربوية، وهي مدعومة من قبل الدولة والهيئات الرسمية للولاية، على غرار المجلس الشعبي الولائي الذي يخصص كل سنة غلافا ماليا لفائدة الأساتذة المتطوعين. كما توضع المؤسسات التربوية تحت تصرف الأساتذة والطلبة حتى في أيام العطل. من جهة أخرى، أشار ذات المتحدث إلى أن الدروس التي تلقى خارج الهيئات الرسمية ليست لنا سلطة عليها وهي تمارس في البيوت ودون أية رقابة، وهي تساعد العائلات الميسورة فقط.
وان كان لهذه الدروس دور في مساعدة التلاميذ ذوي المرود الضعيف وتحسين نتائجهم، ومساعدة الطلاب والتلاميذ الذين تضطرهم ظروفهم العائلية أو الصحية للتغيب عن المدرسة لفترات طويلة من العام الدراسي، فإن أغلب الدراسات أشارت أيضاً إلى أن المضار العديدة للدروس الخصوصية تفوق مزاياها بكثير. كما أن الانتشار الرهيب للظاهرة التي ما فتئت تزداد سنة بعد أخرى يخل بمبدأ تساوي الفرص في التعليم، وهنا إشارة ضمنية إلى إيجابية الدروس الخصوصية، حيث أن الطالب المقتدر مالياً هو فقط من يمكنه الحصول على الدروس الخصوصية.
ويرى الكثير من المهتمين ممن التقيناهم بأنه يجب على السلطات الوصية هيكلتها في إطار قانوني قبل فوات الأوان، وقد أجمع الكثير من الأولياء على “أن الظاهرة أضحت تثير مخاوفنا نظرا لدخول الكثير من الانتهازيين إلى ممارسة المهنة واستغلال التلاميذ بطريقة غير قانونية عند افتقاد الكثير من المعلمين والأساتذة للخبرة والكفاءة، لذا على أولياء الأمور أن يتأكدوا من كفاءة المعلم قبل بداية الدروس الخاصة، حتى لا يقع الأبناء ضحية للأساليب الخاطئة في التدريس، وهو ما وقع فيه الكثير من العائلات والذي قلل من النتائج المرجوة من ممارسة هذه الدروس بدليل رسوب الكثير من الطلبة الذين زاولوا هذه الدروس بالرغم من المصاريف والأعباء التي تم صرفها لضمان النجاح”.