معاناة متواصلة لأطفال الجهة الغربية بتيبازة….حلم برغيف، حذاء ومحفظة.. والعطلة لا مجال للحديث عنها
هي معاناة لمئات الأطفال بالعديد من بلديات الجهة الغربية لتيبازة الذين شاءت الأقدار أن يحرموا من أبسط حقوقهم، طفولة تجاوزوها، مسؤولية كبيرة تحملوها، مقاعد دراسة غادروها، وبسمة غابت عن شفاههم، هي أقل ما يقال عن حالة هذه الفئة من الأطفال التي لم تتذوق ولم ترتو من براءة الطفولة.
لا يختلف اثنان في أن أطفال بني ميلك هم أسوأ حظا من غيرهم جراء حرمانهم من طفولتهم ومن حقوقهم الطبيعية التي كرسها الدستور والقوانين، مما أدى إلى انتشار الأمية بنسبة كبيرة قد تصل في بعض القرى والمداشر حدود المائة بالمائة، فهذه البلدية الريفية التي عانت إبّان العشرية الماضية ويلات الإرهاب، والذي استأصلت جذوره بفضل تضحيات السكان الذين حملوا السلاح وتصدوا لمخالب الموت بمعية مختلف مصالح الأمن، قال عن واقعها المؤلم ذات يوم وزير التضامن الوطني جمال ولد عباس بأنها “نهاية العالم”، حيث تسبب واقعها التنموي العصيب الذي انعكس سلبا على الظروف المعيشية للسكان في ارتفاع نسبة التسرب المدرسي التي فاقت جميع
التصورات لاعتبارات عديدة، من أهمها انعدام النقل المدرسي، خاصة خلال السنوات الماضية، مما أجبر التلاميذ الذين يتحصلون على شهادة الانتقال إلى السنة الأولى متوسط على التوقف عن الدراسة بسبب عدم توفر النقل.
كما ساهمت وضعية شبكة الطرقات، التي أقل ما يقال عنها إنها كارثية، في دفع الأولياء إلى توقيف أبنائهم عن الدراسة نتيجة عدم مواظبة المعلمين على تدريسهم خلال فصل الشتاء خاصة، حيث تضطرهم وضعية الطرقات التي تشل بها الحركة بفعل الطمي والأوحال التي تغمرها إلى التوقف عن التدريس لمدة تفوق الثلاثة أيام، مما أثر سلبا على التحصيل الدراسي لأبنائهم.
الفقر المدقع الذي تعيشه أغلب الأسر بهذه البلدية، والتي يعتبر واقعها المزري وصمة عار في جبين المسؤولين المحليين الذين تداولوا على تسيير بلدية بني ميلك خصوصا وولاية تيبازة عموما، أجبر الكثير من الأولياء على توقيف أبنائهم عن الدراسة نتيجة عدم قدرتهم على توفير ما يحتاجه فلذات أكبادهم من لوازم دراسية وغيرها، وقد سمحت لنا الزيارة الميدانية التي قمنا بها في ربوع هذه البلدية المنسية من الوقوف على ذلك الواقع الذي يندى له جبين الإنسانية، أطفال في عمر الزهور تبدو على تقاسيم وجوههم علامات البؤس والحرمان اللذين لم يخفيا في الحقيقة براءتهم وجمالهم الطبيعي الجذاب.. أطفال حرموا نهائيا من نعمة التعلم التي كان يحلم بها السواد الأعظم منهم بفعل تردي أوضاعهم الاجتماعية من جهة، وغياب محفزات التمدرس من جهة ثانية.
فبدوار شولة، على سبيل المثال لا الحصر، وحسب شهادات السكان، توجد مدرسة ابتدائية يتيمة بها قسمان فقط، الأول يزاول به الدراسة تلاميذ السنوات الأولى، الثانية والثالثة في نفس الوقت، بينما يزاول أقسام السنة الرابعة، الخامسة والسادسة الدراسة بالقسم الثاني الذي يشكو كسابقه من مشكل الاكتظاظ، مما صعب على التلاميذ استيعاب الدروس التي تجرى حسب شهادات الأولياء وأبناءهم وسط ظروف صعبة للغاية وغير مشجعة إطلاقا على الدراسة، حتى أن بعض الأطفال وفي حديثهم مع “النهار” أكدوا بأنهم “مثلما كانوا يدخلون يخرجون” ، فالزائر لهذه القرية عموما ولبلدية بني ميلك خصوصا يعتقد بأنه لا يزال يعيش في القرون الوسطى نتيجة غياب أبسط شروط الحياة التي تكاد أن تكون منعدمة، ولولا إرادة السكان الذين لم يجدوا بديلا عن واقعهم المزري الذي غذته لامبالاة المسؤولين بهم وبانشغالاتهم لانعدمت الحياة بهذه البقعة.
وبينما كنا نتحدث مع سكان دوار شولة، الذين رحبوا بنا واستقبلونا بـ “جحورهم” شدت انتباهنا طفلة وسيمة حافية القدمين كانت ترعى قطيعا من الغنم، هي البنت “جميلة”، البالغة من العمر 10 سنوات، توقفت عن الدراسة فور وصولها إلى السنة الثالثة ابتدائي بقرار من والدها، الذي أكد في معرض حديثه معنا بأن عدم مواظبة المعلمين على أداء مهامهم وانعدام النقل وعدم قدرته على التكفل بمصاريف ابنته دفعته وباقتناع إلى توقيفها عن الدراسة، مضيفا بأنها تساعده حاليا في الزراعة ورعي الأغنام، كما تقوم بإعانة والدتها في أشغال البيت، في انتظار تزويجها!!
والد البنت جميلة، البالغ من العمر 37 سنة، أب لستة أطفال، تمنى في حديثه معنا ببيته لو تعلم أبناؤه حتى لا يعيشون حياة قاسية كالتي عاشها هو، غير أن الواقع يقول “العين بصيرة واليد قصيرة”.