مصالح للولادة .. أم محطات للمسافرين..
معروف أن ولادة المرأة تكون عسيرة.. لذلك جعل الله آلامها في حدود المطاق.. وقد تتحول هذه الولادة الى كابوس، عندما تنعدم ظروف الاستقبال الجيدة ويكثر الضغط على مصالح الولادة بالمستشفيات…
فهناك من تنتظر دورها وهي ملقاة على الأرض وهناك من تصرخ الممرضة في وجهها “توقفي عن الأنين” و أكثر من ذلك وذاك، يخيل لغير المعتاد زيارة المستشفيات أنه في محطة للمسافرين، ضجيج، روائح غريبة ،رزم، مذياع،أكل ،اطفال، رضع… وحارس يتحول في الأوقات غير الرسمية للزيارات إلى “جنرال” يدخل من يريد ويمنع من يريد، فتجد بعض الزوار يتوددون إليه ليسمح لهم بإدخال الممنوعات من طعام وشراب وأفرشة …
“لا يهمني السرير أن كان فاخرا أو لا يكون سريرا أصلا، ولا أن تكون الأفرشة ناعمة ونظيفة ولا أن يكون الطعام لذيذا، فكل ذلك لا يهمني فأنا أريد أن أضع حملي وأعود إلى بيتي بسرعة،، المهم أن الطبيب قبل أن يولدني في هذه المصلحة بعدما رفضت معظم المستشفيات قبولي بحجة انها مصالح تعرف اكتظاظا كبيرا لذلك تجدونني مستلقاة على الأرض في انتظار أن يفرغ سريرا غدا” بهذه العبارات حاولت إمرأة لا تتجاوز الـ 25 سنة تبرير الحالة التي وجدناها فيها بينما كانت امرأة حامل أخرى منهمكة في مساعدتها على النهوض من مكانها
كنا بغرفة تتسع لسريرين على الأكثر ولكن بسبب الطلب الكبير قرر مدير المستشفى أن يضع بكل غرفة أربعة أسرة “ليس بالإمكان أحسن مما كان، فليس لي خيار آخر فالمصلحة التي جهزت لتوليد 100 امرأة لتستقبل في الواقع ما بين 200 الى 250 امرأة يوميا يقول مدير مستشفى فضل عدم الكشف عن هويته خشية من عقاب وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات
مصب.. لكل هموم نساء الجزائر
أربعة نسوة تتجاذبن أطراف الحديث داخل غرفة مستشفى “المهم أن ألد بسلام ولا يهمني أن ألد في عيادة خاصة أو في مستشفى عمومي لأن الولادة سلوك طبيعي بقدرة قادر “تقول فاطمة الزهراء اكسبتها الولادات السابقة خبرة في التعامل مع مصالح الولادة بالمستشفيات. أما عائشة 35 سنة تقول أنها تفضل قضاء يومين أو ثلاثة بمصلحة الولادة لأن في ذلك راحة لها”أنا أعيش مع عائلة زوجي،مشاكل يومية،مشاجرات إمكانيات مادية ضعيفة وأربعة أطفال أكبرهم لا يتجاوز 11 سنة، صدقوني مكوثي هنا رغم الرائحة ورغم الأكل “المسوس” أفضل من قعودي في بيت حماتي بيني وبينكم هي فرصة لأن” أفضفض ” على نفسي” في هذا المكان مصب لكل هموم نساء الجزائر..
اعتذرت سهيلة 30 سنة للتدخل وقالت “حالتي مستعصية لهذا السبب أنا في هذه”التمرميدة” قالوا لي أفضل لك أن تلدي في المستشفى حيث الرعاية الصحية، وفوق هذا وذاك لا أريد أن يعرف مولودي الجديد نفس المصير الذي عرفته أختي التي فقدت الحياة وهي على طاولة الولادة في أرقى عيادات العاصمة والأكثر من ذلك أنه بمجرد أن استعصيت حالتها تم نقلها على جناح السرعة لهذا المستشفى…”
فللوهلة الأولى التي تدخل فيها مصلحة الولادة سواء في أي مستشفى بالعاصمة أو غيره تعتقد وانك في محطة للمسافرين، ضجيج، نساء، من كل حدب وصوب حقائب رزم ، أكل فعلى الرغم من تعليمة وزارة الصحة الخاصة بمنع إدخال الأكل والفراش داخل المستشفيات إلا أن الكثير من المواطنين تفننوا في إيجاد طرق وحيل جديدة لإقناع حارس باب المصلحة بضرورة إدخال المؤونة إلى مرضاهم” والله الأكل مسوس ولا يمكن تذوقه، بطاطا جزر هذا كل ما في الأمر” يقول إطار في إحدى المؤسسات العمومية الذي رزقه الله بمولود جديد بعد أن أسر لنا أنه سبق له أن تذوق طعام المستشفى عندما كان مريض منذ سنة فالأمر كان حسب هذا الرجل لا يطاق فكيف يمكن لزوجتي أن تبلعه؟
“الاكتظاظ أصبح يؤثر على الرعاية الصحية الجيدة”
يقول البروفسور عداد رئيس مصلحة الولادة والتوليد بمستشفى مصطفى باشا الجامعي أن الاكتظاظ الذي تعرفه مصلحته راجع الى قلة عدد الأسرة والامكانيات الطبية مقارنة بالعدد الهائل لعدد النساء اللواتي تقدم الى المصلحة للولادة ناهيك عن نساء أخريات تأتي لأسباب مرضية أخرى خارج اطار الولادة والطبيب حسب البروفسور بحكم أخلاقيات مهنته لا يمكنه رفض قبول امرأة توشك على الولادة بالرغم من أنه لا يتوفر على سرير ترقد عليه ففي هذه الحالة يضيف البروفسور المسألة تتعلق بحياة انسان وليس بمسائل تعتبر في تلك اللحظة كمالية مثل المرقد والمأكل …
وعلى الرغم من تأكيد السيد بورحلة مدير مستشفى زرالدة أن صور النساء الحوامل المستلقيات على الأرض قد غابت من هذا المستشفى الا أن الاكتظاظ لا يزال باقي بسبب توافد عدد كبير من النساء الحوامل من الولايات والدوائر المجاورة مثل تيبازة و شرشال وعين الدفلى
ويعتبر السيد عداد أن السبب في هذه الوضعية لا يعود الى المستشفى ولا الى وزارة الصحة واصلاح المستشفيات فالأمر أعمق من ذلك لأنه يرتبط بالسياسة الوطنية في مجال الصحة العمومية حيث لم تنشأ الجزائر حسب هذا المختص في أمراض النساء مستشفيات جامعية ولا أخرى غير جامعية منذ أكثر من 15 سنة في الوقت الذي عرف فيه عدد سكان الجزائر خلال هذه الفترة تزايدا كبيرا خاصة في المدن الكبرى.
وهي الوضعية أيضا التي تؤثر لا محالة حسب الدكتور عداد على التكفل الطبي للنساء في القطاع العمومي سواء عند الحمل أو أثناء الولادة وهو السبب الرئيسي الى ظهور بعض المشاكل من حين لآخر
600 امراة حامل تتوفى في المستشفيات
في هذا الصدد أرجع العديد من المختصين ارتفاع حالات الإصابة بالتشوهات الخلقية التي تصيب المواليد خاصة في المستشفيات العمومية إلى ظروف التوليد العسيرة التي تساهم بشكل خطير في تدني الصحة الإنجابية للحامل، مما يعرضها في كثير من الأحيان للوفاة ، حيث كشف آخر تقرير لوزارة الصحة وإصلاح المستشفيات أن 600 امرأة حامل تتوفى سنويا في الجزائر نتيجة تعقيدات أثناء الحمل أو الولادة بما يعادل 97 وفاة في كل مئة ألف حالة ، بينما تفقد الحياة 50 بالمائة من النسوة الحوامل في المناطق الريفية داخل سيارات الإسعاف أثناء تحولهن إلى مستشفيات أخرىوإضافة إلى ذالك يتوفى 30 مولودا في كل ألف ولادة طبيعية ، كما أكد التقرير أن 18.4 بالمائة من الحوامل يتوفين بسبب ارتفاع الضغط الدموي الذي يغفل عنه الأطباء في كثير من الأحيان مما يحول دون إنقاذ حياتهن، كما تتوفى 16، 6 بالمائة من الحوامل بسبب النزيف الدموي كما سبق وأن كشف رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث البروفسور مصطفى خياطي عن تسجيل 20 ألف طفل مصاب بتشوهات خلقية سنويا في الجزائر ، بينما أصيب حوالي 70 ألف شخص بإعاقات ذهنية أثناء الولادة ، مما يستوجب دق ناقوس الخطر فيما يخص الصحة الإنجابية للأطفال في الجزائر.