مشروع.. «أتمنى لو معلّمتي عرفت»
إقرأ واعتبر
لاحظت معلّمة في إحدى المدارس، أن هناك فجوة كبيرة بينها وبين تلاميذها الصغار، وكان الأخطر في الأمر، أن تلك الفجوة أخذت في الازدياد تدريجيا، مما جعلها تفكر جديا في حلّ عمليّ ناجع يقرّبها من تلاميذها، فاهتدت إلى إعداد مشروع سمّته:«أتمنى لو أن معلّمتي عرفت»، ويرتكز هذا المشروع على طلب الإجابة عن واجب منزلي قدّمته لتلاميذها يحتوي سؤالا واحد هو: ماذا تريد أن أعرف عنك؟
وفي اليوم التالي، قدّم لها التلاميذ الواجب المنزلي، وعند قراءتها لإجاباتهم، صُدمت بما دوّنه الأطفال في إجاباتهم عن سؤالها، فأحد الأطفال قال: أتمنى لو أن معلّمتي عرفت أنني كم أشتاق إلى أبي، فأنا أذهب إلى غرفته كل يوم فلا أجده، ولن أجده، فقد رحل إلى الأبد وسأظل بلا أب، وقال آخر: أتمنى لو أن معلّمتي عرفت أنني لا أملك أصدقاء ألعب معهم، فأمي لا تسمح لي باللعب مع أطفال الجيران والاختلاط معهم بتاتا، ولهذا بقيتُ بلا أصحاب، في حين، كتبت إحدى التلميذات: أتمنى لو أن معلّمتي عرفت أنني لا أملك أقلامَ رصاص حتى أؤدي واجباتي المنزلية، وقال طفل رابع: أتمنى لو أن معلّمتي عرفت أن شقيقتي كفيفة، وأنا وحدي من يقوم بمساعدتها وخدمتها في البيت، وأجابت إحدى التلميذات عن سؤال المعلّمة بقولها: أتمنى لو أن معلّمتي عرفت أن أمي وأبي يتشاجران طول اليوم، وأنا لهذا أكره العودة إلى المنزل وفي الوقت نفسه لا أرغب في الذهاب إلى المدرسة، لأنني سأحاسب على دروس لم أذاكرها، وواجبات لم أقم بحلّها، ولقد كانت هذه الإجابات العفوية والصادقة مفتاحا لتكتشف المعلّمة جوانب إنسانية خفية لدى أطفالها الصغار تحتاج إلى تعاطُف منها وحكمة، فبدأت تتعامل معها جيدا، وتعمل جاهدة على تذليل بعض العقبات، وحلّ ما يمكن منها، والأهم من ذلك كله، أنها بدأت تتفهم خلفيات تلاميذها جيدا، فغيّرت طريقتها في إعطاء الواجب المنزلي، بأن جعلته يتوافق مع ظروف تلاميذها وتحدياتهم، وبشكل يجعل المدرسة عاملا مساندا، لا عاملَ ضغطٍ عليهم، فلو هذا المشروع لريادته انتقل إلى كثير من المدارس وتمّ تطبيقه بشكل ممنهج، لكان له الأثر والقبول لدى التلاميذ والمعلمين، بل المجتمع عامة.
فما أحوج مدارسنا إلى تبنّي مثل هذا المشروع الإنساني الجميل، الذي سيعمل على ردم الفجوة بين المعلمين وطلابهم من جهة، كما سيعمل على ردم الفجوة بين المدرسة والبيت من جهة أخرى، فهل المعلمون خاصة في مدارسنا لديهم المهارة والحس التربويّ لتطبيق مثل هذه المبادرات التربوية الرائدة؟ فمثلا قد يكون سبب تكرار تأخر طالب هو مسؤوليته عن توصيل إخوته الصغار إلى المدارس نتيجة غياب أو انفصال الأب عن الأسرة أو وفاته، لكن المدرسة في الغالب تركز عقابها على السبب من دون عناء البحث في المسبب، وهل يمكن لمدير المؤسسة أن يسألَ الموظف عن السبب الذي أخّره عن الحضور المبكر للدوام يوما ما، بدلا من كيل الشتائم والتهم له جزافا؟، وهل يمكن للجار أن يتفقد حالَ جاره ويسأله عن السبب الذي أبكى ابنه مثلا؟!.