مذكرات رجل الشرطة المشهور عمي احمد – الحلقة العاشرة
عشية اتخاذ الجبهة الإسلامية للإنقاذ لقرار تنظيم مسيرة باتجاه رئاسة الجمهورية
و, غادرت مكتبي بالمحافظة المركزية في وقت مبكر و كنت استعد للرجوع الى البيت و لكنني لاحظت مع بلوغي ساحة أول ماي سلسلة بشرية , كان كل واحد يمد يده للآخر لتتشكل سلسلة على امتداد مسار طويل على مستوى نهج الاستقلال باتجاه تقاطع الطرق ببوقارة هو ما أثار انتباهي بسرعة , فتوقفت بسرعة للاستفسار عن الأمر , و عن سبب هذا الحضور المكثف من الأشخاص , فعلمت بعدها بان الأمر يتعلق بتحضيرات يقوم بها مناضلو الجبهة الإسلامية للإنقاذ توقعا لمسيرة يراد القيام بها في يوم الغد.
حينما اطلعت على الوضع , ارتأيت القيام بجولة تتبعت من خلالها المسار الذي ستأخذه المسيرة و لاحظت أن هذه الأخيرة تشمل مسارا يمتد الى غاية ساحة محمد الصديق بن يحي و كان الأمر بالنسبة لمناضلي الحزب بعملية تموقع أو تحديد مواقع سيقومون باحتلالها في يوم الغد خلال المسيرة . في يوم الغد و مند الصباح الباكر بدأ الآلاف من الأشخاص يتوافدون أو يصلون الى ساحة أول ماي أين كان من المفترض أن تكون نقطة الانطلاق للمسيرة المرتقبة و لكن مع مرور الوقت كانت الجموع الغفيرة تزداد عددا الى درجة أنهم بلغوا الى مستوى ثانوية ديكارت سابقا و حاليا ثانوية بوعمامة , بل حتى الشوارع الفرعية القريبة من ساحة الغولف أضحت مكتظة و لم تستوعب كل هذه الجموع , حيث أضحت محتلة كلية على غرار شوارع زعاتشة و طريق قاسم و الإخوة عودية الخ…
بعد تأدية صلاة الجمعة وصل عباسي مدني رفقة مقربيه ليكون على رأس المسيرة و اتجه كل ذلك الحشد صوب ساحة الغولف , و هنالك تداول عدد من المسؤولين الكلمة و ألقوا خطابات ليتم اختيار وفد ممثل عنهم توجه باتجاه مركز الشرطة على مدخل الرئاسة لتقديم عريضة , و بعد أن تم تقديم تلك العريضة لمن هو مخول قانونا أعطيت الأوامر بالانصراف و على الرغم من الحشد الكبير المشارك لم يسجل أي حادث يذكر خلال ذلك اليوم .
مسيرة جبهة القوى الاشتراكية باتجاه الرئاسة
بعد انقضاء أيام قليلة على مسيرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ, جاء دور جبهة القوى الاشتراكية التي قررت القيام أيضا باستعراض للقوة , و بدورها نظمت مسيرة باتجاه رئاسة الجمهورية .
نظمت قبل المسيرة اجتماعات عمل على مستوى الولاية وقد حضر خلال اللقاء إطاران ساميان من الحزب , كما حضرت شخصيا اللقاء , حيث تم التطرق الى كل النقاط المتعلقة بالمسيرة و نوقشت جميع النقاط مع مسؤولي الحزب , و قد أبدى هؤلاء حرصهم على احترام القانون و عدم خرقه أو تجاوزه , كما وعدوا بالتقيد بالقوانين و بالالتزامات التي قطعوها على أنفسهم.
بلغت المسيرة التي قادها ايت أحمد شخصيا و التي انطلقت من ساحة أول ماي الى حدود ساحة الغولف , و بعد القاء خطابات و بينما كان الجميع ينتظر تفريق المتجمهرين مع انقضاء المسيرة في هدوء تام , تقرر اقامة خيمة و التي كانت بمثابة مقر لحزب جبهة القوى الاشتراكية على مستوى ساحة الغولف, وقد حاولت رفقة الإطارين الساميين المعنيين باجتماعات العمل السابقة إقناع المنظمين بضرورة إخلاء المكان و نزع الخيمة من المكان الذي انتصب به , اذ لم يكن بالإمكان تركها في هذا الموقع و لكن ذهبت كل محاولاتنا سدى , و في كل محاولة منا , كان الرد أنه بما أن الحزب لا يمتلك مقرا فان الخيمة التي انتصبت هنالك ستكون بمثابة المقر و ستبقى هنالك الى غاية الحصول على مقر من قبل السلطة و أنه في كافة الحالات فان أيت أحمد هو الشخص الوحيد المخول باتخاذ قرار نزع الخيمة أو الإبقاء عليها .
و بما ان الأمر يتعلق بشخصية تاريخية و بالتالي شخصية كبيرة و على الرغم من العلاقة التي كانت تربطهما بأيت أحمد فان هذا الأخير ظل رافضا بشدة و أكد لنا مرارا بأن الخيمة ستظل في مكانها و لن تنزع.
و لتفادي أي حادث أو تصادم يمكن أن يحدث مما سينجر عنه تداعيات و انعكاسات خطيرة , تم إخطار المسؤولين بالأمر و ترك لهم صلاحية إعلام الجهات المخولة قانونا بالتعامل مع مثل هذه الأوضاع.
و على الرغم من ذلك فان الخيمة ظلت قائمة لمدة قل أن يتم نزعها , و أعتقد حينها بأن المطالب التي تقدمت بها جبهة القوى الاشتراكية تمت تلبيتها , حيث منح منزل كبير على مستوى نهج سويداني بوجمعة و قد جعل من هذا المنزل مقرا للحزب.
تجمع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ملعب 5 جويلية
رغبة منه في استعراض قدراته و قوته في الميدان و إبراز قدرته على تجنيد المزيد من الأنصار و حظوته و شعبيته و مدى تأثيره أمام الرأي العام في الداخل و الخارج , قررت الجبهة الإسلامية للإنقاذ تنظيم تجمع كبير بملعب 5 جويلية , و اغتنم هذه الفرصة لدعوة العديد من الزعماء و القادة من التيارات و الأحزاب الإسلامية عبر العالم , و قد غصت المدرجات و الملعب و محيطه بالجماهير , بل إن المنشئة لم تستوعب هذه الجموع التي حضرت , و التي امتدت الى خارج الملعب ككل , و إذا كان بإمكاني التنقل و الوصول الى مستوى المدرجات لتقديم تقارير الى المسؤولين عن مجريات التجمع , فقد تعذر علي ذلك على الإطلاق مع المساء , اذ لم يعد بالإمكان القيام بأية خطوة نظرا للجمع الغفير الذي امتلاء به ملعب 5 جويلية .
و بعد إلقاء كلمات من قبل مسؤولي الجبهة الإسلامية للإنقاذ و بعض الزعماء الذين حضروا كضيوف شرف , و بينما كنت متواجدا على مستوى الحظيرة الخارجية , و إذا بي أسمع فجأة ترديد “الله أكبر “, و الجميع يوجه نظره صوب السماء , بدوري قمت بالنظر و حينها لمحت مخطوطا يلمع في السماء مكتوب عليها “الله اكبر” , و كل من كان يحمل آلة تصوير قام بالتقاط الصور أو تصويرها بواسطة الكاميرا مستغلا الحدث و في اليوم الموالي أضحت هذه الصور متداولة و منتشرة على نطاق واسع في ساحات الجزائر العاصمة و بيعت العديد من النسخ ب 5 دنانير للصورة الواحدة.
و أعيد نفس السيناريو في الجمعة التالي بالقبة خلال تأدية صلاة الجمعة التي تم تأديتها بمسجد ابن باديس , اذ و بينما لم تبدأ الصلاة بعد و كنت شخصيا أمر بين الناس بدأت الهتافات تتعالى “الله أكبر” من كل صوب و الكل يوجه بصره باتجاه السماء .
أدركت بعدها السيناريو القائم و استوعبت الأمر جيدا , و لم يكن باستطاعتي أن أظل صامتا و عليه توجهت مباشرة الى الأشخاص الذين كانوا بمقربة مني قائلا لهم “إذا كنتم حقا مسلمين مؤمنين بالإسلام دينا , فهل تعتقدون بأن الله اصطف عباسي مدني من دون الخلق كلهم و من دون كل من يؤمنون به , لا يجب ان تنطلي عليكم كل الخدع و يجب أن تتسموا بالفطنة و الحنكة و لا تكونوا مغفلين الى هذا الحد.
و بعد أيام قليلة و بالتدقيق عشية الاحتفال بذكرى أول نوفمبر جاء التكذيب الساطع على مستوى أميرالية البحرية , حيث أطلقت الألعاب النارية و بالإضافة الى النجوم و الأزهار التي انبعثت في السماء لتضيء الليل ارتسمت رسوم أخرى منها كلمة الله أكبر التي تم خطها بواسطة أشعة الليزر لتظهر واضحة في السماء , و على الرغم من وضوح الأمر , فان تجنيد الشباب في صفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يتراجع قط, بل على العكس ازداد توسعا , وقد ظلت البطالة تساعد على تدعيم مثل هذه الظاهرة , فغياب السكن و العمل دفع الشباب الى الالتحاق بالحزب الذي قدم لهم وعودا كثيرة لحل كافة المشاكل التي يعانون منها , بل حتى بالنسبة لمشاكل الزواج تم إيجاد الحلول للمسألة , و لم يعد الأمر يستلزم إنفاق الكثير من المال لتحضير الزواج أو تنظيمه .