إعــــلانات

مخدرات من نوع خاص تفتك بعقول شبابنا!

مخدرات من نوع خاص تفتك بعقول شبابنا!

تحية طيّبة وبعد..

لأول مرة أشارك معكم في هذا المنبر، وأتمنى أنّ يؤخذ مقالي هذا بعين الاعتبار، نظرا لأهميته.

في الساعة التي تحين فيها مباريات الدوري الإسباني، سواء تعلق الأمر بـ«النادي البرشلوني» أو «النادي الملكي»، لا تصدق عيناك وهي ترى الآلاف أو قل ملايين الشباب العربي والجزائري بالخصوص، مشدودا متكدسا في بطون المقاهي، يبحلق وبحماسة منقطعة النظير، من أجل التمتع بانتصار هذا وهزيمة ذاك، بل وصلت الأمور كما ألفنا سماعه إلى مناوشات بين الطرفين، وصلت درجة الاقتتال بعد تصاعد المناوشات اللفظية. الجميع لا ينكر مدى حب وشغف شعوب العالم بالكرة المستديرة، إلى درجة أنه تم وصفها بـ«أفيون الشعوب»، ولكن الذي قال بهذا كان يقصد ولع الجماهير بأندية بلدانها ومنتخباتها الوطنية وما يشوب أبناءها من نزعات قومية، وليست أندية هي من صنيعة المال القاري، الذي استطاع أن يحقق مجمّعا لأفضل المواهب والنجوم.

في هذا العصر وأنت تشاهد هذا الاهتمام الزائد عن حدّه من طرف شبابنا لفائدة «البارصا» أو «الريال»، ماذا عساك أن تقول، هل هو الفراغ أم الاستمتاع؟، وأي نوع من الفراغ يا ترى؟، هل هو الروحي أم الفكري أم النفسي والثقافي؟!

لقد وجب أن نشخّصه أولا ثم بمقدورنا تشريحه، فعندما تقترب من شاب وتسأله عن هذا الفريق أو اللاعب، سيعطيك على المباشر ومن دون تردد كل التواريخ والمواصفات بدقة متناهية، إلى درجة أنه يحفظ اسم ذلك اللاعب ومتى يأكل وينام واسم عائلته بالكامل وتواريخ سفره وتنقلاته، وحتى اسم كلبه، ولو حاولت اختباره مثلا وسألته في المقابل متى ولد أو توفي عبد الحميد بن باديس أو الأمير عبد القادر، لعجز صراحة عن الإجابة ونفر منك على المباشر!

هذا ما ينطبق على الاهتمام الزائد والبهرجة وكذا الهالة التي يعيشها شباب اليوم صوب هذه الظاهرة، وفي المقابل، لا يعير أدنى اهتمام لقضايا أمته ومجتمعه، فعلى أقل تقدير ليس المطلوب منه أن يهتم بالسياسة، سواء الخارجية أو الداخلية، لأن السياسة مملة وعابرة ولا منفعة فيها، ولها أتباعها، ولكن نقصد قضايا مجتمعه ومحيطه، لذلك فقد صار تعاطيه مع «البارصا» مثلا كتعاطيه للمخدر، وهي فعلا مخدر بكل المواصفات، والغريب أن هذا لا ينطلي فقط على الشباب البطّال، بل تجد معظمهم طلبة يمتهنون ثقافة الكيل بمكيالين يوم يعطون اهتماما غير طبيعي لكل ما هو غربي، بينما هم مستحون جاحدون لبني جلدتهم أو بالأحرى لبضاعتهم المحلية!

مأساة الغوطة الشرقية وما يلاقيه إخواننا السوريون هناك من بطش وإبادة جماعية، فهل هو مقدر ومكتوب على جبين الشعوب العربية أن تذوب وتنزاح بهذه الكيفية تجاه مسائل، هي عند الأوربيين أنفسهم من الدرجات السفلى ولا يعورونها أدنى اهتمام، بينما شبابنا يجعلها من أولويات حياته وحتى مستقبله؟!

أكيد أن الأوروبي حينما يشاهد هذه الظاهرة، فهو يؤكد لنفسه وبثقة دامغة، أن شعوب العالم الثالث ومنها العربية، سهلة التطويع والسيطرة وهيّنة بطريقة آلية عفوية وليست مبرمجة، وقديما قال شاعر:«نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا»، وهنا أشار إليها كذلك كاتبنا المبجل «مالك بن نبي» يوم قال في ظاهرة القابلية للاستعمار «وهذا الذي نعيشه اليوم هو فعلا نوع من الاستعمار الفكري والاستحواذ الذهني الذي يرضى بالخنوع والمروق سبيلا أوحد، ويعتبر كل ما يأتي من وراء البحار مثله الأعلى في كل شيء، محتقرا ذاته وماسكا بسوط لجلدها من دون إكراه».

لذلك ما دام المشكل نفسيا وفكريا وبهذه الدرجات والكيفيات، فأنت لا حق لك أن تندهش حين تشاهد المقاهي ممتلئة عن آخرها في كل دوري أوروبي، بينما هي شاغرة خاوية على عروشها إذا تعلق بمسألة تتعلق بالواقع اليومي والتثقيف الإعلامي.

رابط دائم : https://nhar.tv/Yk6LR