إعــــلانات

ما الحل لشباب يتخبط في فراغ قاتل

ما الحل لشباب يتخبط في فراغ قاتل

يؤكد علماء النفس الاجتماعي بأن القلق هو نتاج ودلالة قوية على وجود الوعي الحضاري لكنهم للأسف الشديد، لم يحددوا أيّ نوع من هذا القلق، فهذه أكاديميات جامعية كرهنا منها، لأنها لم تنزل إلى أرض الواقع.

ومن جهة ربما قيست بها مجموعة بشرية ليس بالضرورة أنها تنطبق على الجميع، ويمكن التسليم بها لأنها صالحة لمجتمع من دون آخر، ولأنه لا يوجد نوع واحد من القلق يؤدي نحو النتيجة المذكورة، وذلك لاختلاف الأسباب والمنطلقات، وبالتالي توجد عدة نتائج مختلفة بالطبع، فيستحيل أن تكون نتيجة كل قلق هي من الوعي الحضاري.

فربما كانوا يقصدون قلق المفكرين والعباقرة المنتجين والمثقفين، فماذا عن القلق الاجتماعي والأسري الذي غالبا ما ينتاب فئة المراهقين والمراهقات.

وفي النهاية يؤدي إلى نتائج مأساوية؟!، وهذا ما تعيشه أكبر فئة في الوطن العربي والجزائر بصفة خاصة، حيث ظهرت حوادث كانت فيما مضى أقل حِدّة حتى لا نقول كانت نادرة زمن السبعينات والثمانينات مثلا، بينما تفاقمت بشكل رهيب مع مطلع القرن الواحد والعشرين، كمعدل الإجرام والانتحار والسرقات وحرق الأجساد.

وكذا الهجرة عبر «زوارق الموت» كما توصف، من دون نسيان العنف اللفظي في الشوارع العامة وداخل المؤسسات وعنف الملاعب، أيمكن تسمية كل هذا نتاجا للقلق؟، وأيّ قلق مقصود؟، هل هو بسبب الفوارق الاجتماعية الحاصلة اليوم؟، حيث وجود غنى فاحش وفقر مدقع.

مما يترتب عن ذلك حدوث حالات ضغوط اجتماعية، تجعل من الفرد أيّا كان جنسه وسنه مهيئا للدخول في هذه الدائرة المغلقة، إنه بلا شك كل هذا، لذلك من حقنا وصفه بالقلق الحضاري، لأنه نتيجة هذا الزخم العصري المتسارع المتناطح، إذا كان بمكان أن يسمى قلقا اجتماعيا بالدرجة الأولى.

ولا يمكن أبدا تسميته بالوعي، لأنه لو كان كذلك، لكان بمفهوم آخر، فالفرد هنا في كامل قواه العقلية ومسيطرا على كافة تصرفاته، يتحكم فيها ويوجهها ولا يمكن أن تنفلت منه، وتدفع به نحو الانحراف وارتكاب الخطايا والأخطاء التي لا تتناسب أو تتوافق مع القيم الاجتماعية والأخلاقية الدينية وحتى الإنسانية، بل تتناسق وتتناغم مع واقع الحال بكل مكوناته.

إذا هي لا تسمى بوعي، إنما تسمى أسبابا موضوعية تجتاح النفس البشرية وتتغلب عليها بل تهيمن عليها وتقودها نحو أسوإ المواقف، وعدم التحكم في السلوكات الشخصية يوم تعيش اضطرابات واختلالات بل اصطدامات والسؤال الجوهري، لماذا يحدث كل هذا لأكبر فئة طليعية ستكون غدا هي حاملة ومتحمّلة للمسؤوليات؟، وهي تبدو في واقع الحال مخدرة وشبه مجنونة، تتصرف من دون حسن تدبير أو تريّث.

ولو أنك حاولت أن ترمز إلى بعض من أطرافها أنها مخطئة، لأدخلت نفسك في دائرة ما لا نهاية، لأن جدّيتك لن تُقبل وتنُعت بالكلاسيكية البالية الرثّة، على الرغم من أنها الأكثر صوابا ودقة. إن المشكلة الكبرى التي لا يزال معظم شبابنا يتخبطون فيها هي غياب الوعي كقيمة روحية وعقلية، أي الإدراك والفطنة التي هي عبارة عن أدوات وجب استعمالها للتكيّف الفعلي مع واقع الحال والظرف، فمثلما الطبقة السياسية والمهتمين بهذا الشأن يلزمهم وعي سياسي، والمثقفون كذلك يلزمهم وعي ثقافي والمفكرون وعي حضاري بالمشكلات الكبرى للأمة.

وليس شرطا أن يحوز الشباب كل هذه المحطات، فقط المطلوب منهم وعيا بدورهم داخل المجتمع والمؤسسات أو النوادي التي يتحركون وينشطون فيها، حتى وأن الجوانب الاقتصادية لها تأثير حاد وكبير، إلا أنه وجب إدراك ذلك والشعور به، لأن التهافت وسبق الأحداث هي من سمات الأفراد المهزوزين والأخف من وزن الريشة كما يقال، وأن هؤلاء إن استمروا على ذات الحال، فقد فشلوا فشلا ذريعا في مقارعة الزمن والتآزر والتآخي معه يدا بيد، فكيف كان المواطن الجزائري يتعامل مع الأزمات والمشاكل فيما سبق؟.

وكيف استطاع أن يملك شخصية قوية وثقيلة ويتناغم بدرجة أكبر من أجل الحفاظ على كثير من التوازنات، خاصة الاجتماعية؟، فهل ذلك لبساطة الحياة فقط آنذاك، أم لغياب الكثير من المغريات والحاجيات؟، كل هذا الترجيح ممكن، فالتطور الشنيع الذي نعيش في دائرته اليوم، يبعث فعلا على الفزع ويصنع إنسانا (روبوتيا) أي يخاطب الجسد من دون الروح.

وهو ما أفرز لنا نماذج بشرية غريبة الأطوار، هذه الحقيقة لا بد لأي شاب أن يستوعبها ويهضمها بكامل قواه، وإلا جرفته بعيدا في ساحل معزول، يعتقد في نفسه أنه مع الجميع، لكنه وحيدا يجلد ذاته ويموت موتا بطيئا، فوجب منه الفطانة والاستماع والبحث والمساءلة من دون الاندفاع والتعنت في فهم كل شيء.

ذوهذا أقل الضررين، وحين نعود إلى أهم مسببات خطاب الفراغ الذي بقينا نسمعه مرارا، فإن ذلك جاء نتيجة لغياب الوعي لدى الفرد بما يحيط من حوله، وما هي مسؤوليته في كذا من مسألة، كيف يحافظ على مكانته وما هي الأدوار التي وجب عليه أن يلعبها، ويخوض فيها مع نفسه أو مع أقرانه أو محيطه ومؤسسته التي ينتمي إليها، ساعتها لا يمكن أبدا أن نعثر على رائحة شيء يسمى «الفراغ القاتل»، لأن الإنسان خُلق مكرّما بعقل مدبّر ومنتج لكل الحلول العاجلة الآنية.

رابط دائم : https://nhar.tv/X9Qxj