لم يخبرها بهويته
نتبهوا أيها الناس إلى تفاصيل هذه القصة. بطلها أشهر حكام المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه. بطلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاتح العراق والشام وفارس وفلسطين ومصر.
وجد امرأة من رعيته تشكو الجوع مع أطفالها في جوف الليل، فانطلق مسرعا إلى بيت المال، وحمل على ظهره عدلا من الدقيق، ثم عاد مسرعا مهرولا ليطبخ لها ولأبنائها.
خادمه، أو مساعده، يعرض عليه أن يحمل عنه عدل الدقيق. والخليفة ينهره ويقول: أأنت تحمل عني وزري يوم القيامة لا أم لك؟
قال الراوي أسلم: وجعل ينفخ تحت القدر، فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ لهم. ثم أنزل القدر فأتته بصحفة فأفرغ فيها الطعام، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم. (أي أبسطه حتى يبرد). فلم يزل كذلك حتى شبعوا، ثم ترك عندها فضل ذلك الطعام، ثم قام وهي تقول: جزاك الله خيرًا. كنت أولى بهذا الأمر من عمر. قال: قولي خيرًا قولي خيرًا. ثم تنحى عنهم ناحية واستقبلهم وقد رَبَضَ مَرْبَضًا يراقبهم.
قال أسلم: فقلت إن له لشأنًا وهو لا يكلمني، حتى رأى الصبية يصطرعون، ثم ناموا، وهدؤوا، فقام يحمد الله، ثم أقبل عليّ، فقال: يا أسلم: إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت.
انتهت القصة. ومما يزيد من بهائها أن الخليفة لم يكشف للمرأة عن هويته لتمدحه وتثني عليه. يا لعظمة الإنسان إذا تواضع لله رب العالمين ورب كل عظيم. وقد رواها شعرا حافظ ابراهيم رحمه الله في هذه الأبيات الجميلة:
فمن يباري أبا حفصٍ وسيرتَه
ومن يحاول للفاروقِ تشبيها
ومن رآه أمام القدر منبطحًا
والنارُ تأخذ منه وهو يُذكِيْهَا
وقد تخلل في أثناء لحيته
منها الدخان وغاب فُوهُ فِي فِيهَا
رأى هناك أمير المؤمنين على
حالٍ تروع لعَمْرِ الله رائِيْهَا
يستقبل النارَ خوف النارِ في غَدِه
والعَيْنُ من خشيةٍ الله سالت مآقِيها
يا حكام المسلمين، ويا حكام الأرض أجمعين: من أراد هذا الثناء الجميل من الشعراء ومن عامة المنصفين فليفعل مثلما فعل عمر. ولدي قصة مبهرة أخرى أرويها غدا إن شاء الله تعالى.