إعــــلانات

قصة شابة خدمت الأرض بعدما خذلها الرجال

بقلم النهار
قصة شابة خدمت الأرض بعدما خذلها الرجال

اسمها نورة وعمرها 29 سنة، مستواها الدراسي الثالثة ثانوي علمي، تقيم بأرض الشفاشفة في الذرعان بولاية الطارف، هي ليست كغيرها من بنات جنسها، حيث تنفرد بقوة رهيبة في عشقها للأرض وتربية الحيوانات. سمعنا عنها الكثير من خلال عمال ديوان الحليب ومشتقاته. فارتأينا أن نقضي معها يوما نتابع فيه خطواتها عن كثب، نتعلم من صبرها وكفاحها لنكتشف شابة بمميّزات عجيبة عندما تدعو الشباب إلى التعلق بالأرض وطرق أبواب الأمل في النضال داخل الوطن الغني بالثروات والكنوز الحية، التي تغني عن أحلام الوهم عبر قوارب الموت دون أهداف تدفع إلى استغلال إمكانات البلاد في تحقيق مستقبل ناجح بعيدا عن اليأس والغربة والطيش

تعلمت نورة لعلاقي حرفة الفلاحة من أبيها العجوز الذي أصبح غير قادر على تحمل متاعبها، فقرّرت التوقف عن الدراسة رغم تفوقها، لتتفرغ لخدمة الأرض التي تقيم فيها، بكل نشاط وحيوية، من الرابعة فجرا إلى التاسعة ليلا. هي ساعات طوال تقود فيها الشابة نورة الجرار في عملية الحرث وترعى الأغنام، ثم تشرف على 12 بقرة حلوب وتطعم كذلك عجولها.في البداية، لم تكن نورة تستفيد من الدعم الفلاحي في بداية مشوارها لظروف إدارية، كعدم امتلاكها بطاقة فلاح، إلى أن نجحت في انتزاع اعتماد المصالح البيطرية نتيجة نشاطها وبعد إثبات قدراتها، فتحصلت في بادئ الأمر على صهريج مبرّد يُستعمل لتخزين الحليب.ونحن نحاورالشابة الفلاحة، التي تذكرنا بأترابها من نساءانقرضنمن المجتمع الجزائري، كانت نورة تطوف بين أجنحة إسطبلها، قبل أن تتلقى ضربة قوية من بقرة كانت تقوم بتلقيحها، ورغم حجم الإصابة، إلا أنها واصلت حديثها إلينا بعد أن رددت مقولةضرب الحبيب كأكل الزبيب، في إشارة إلى أن البقرة تمثل لها كتلة من الحب الأبدي وعلاقتها بها تشبه إلى حدّ بعيد الحبّ السرمدي الممتد عبر الزمن.نورة قالت خلال حديثها إلينا إنها تطالب بقطعة أرض فلاحية لإنتاج أغذية الأنعام المكلفة، مبدية في ذات الوقت استعدادها لاستصلاحها على نفقتها الخاصة. وعلى الرغم من قيامها باستئجار أرض من أحد الملاك الخواص فقد تمكنت نورة هذا الموسم من تموين ديوان الحبوب بالطارف بـ100 قنطار من القمح و300 قنطار من الشعير و1600 حزمة من التبن، لكنها بالمقابل تشكو ارتفاع أسعار الكلأ، لكون علف كل بقرة يتطلب مساحة نصف هكتار لتوفير الحدّ الأدنى من الحليب.نورة قالت إنها لا تطلب المستحيل ولا تطمح إلى ما لا يمكن تحقيقه لها، فكل ما تطالب به هو أن تتلقى الدعم الكافي من المصالح الفلاحية التابعة للدولة من خلال توفير إسطبلات وقطعة أرض، معبّرة في نفس الوقت عن استعدادها التام لتكوين الشباب البطال وإدماجه في العملية الفلاحية المنتجة، بدلا من لجوئهم إلى الحرقة أو الاستسلام لدوامة البطالة وما تفرزه من إجرام وانحراف.طرحنا على نورة سؤالا جانبيا يتعلق بحياتها الشخصية التي تختلف عن بنات جنسها في عشقها للأرض وتواضعها وتكريسها وقتها بين الأرض والحيوان، فقالت إنها تريد رجلا فلاحا بأتم معنى الكلمة، بعيدا عن المظاهر الزائفة والحياة المنمقة، قالت نورة إنها تريد رجلا بأخلاق وشهامة أبناء الريف الذين يعتمدون على عرقهم في كسب قوتهم ويرفضون الاتكال والكسل.

وبعد زيارة قصيرة أكرمتنا خلالها نورة بمائدة الدوار البسيطة، ودعناها بعد أن استمتعنا بذكريات الماضي الجميل على أمل أن نبلّغ رسالتها بأمانة إلى المعنيين بالأمر، لتشجيع مبادرة مثل هؤلاء الشباب الذين يمثلون حقا أملا واقعيا في جيل يهوى خدمة بلده بكل ثقة، خصوصا إذا كانت إحدى تلك المبادرات سابقة غير معهودة.

 محمد بن كموخ

رابط دائم : https://nhar.tv/8pNES