قاضي التحقيق بمحكمة حسين داي يودع الجاني رهن الحبس و يفرج على صديقه
لم نكن ندري أن رعاية وشفقة الأم فتيحة على هشام صاحب الـ24 ربيعا، الذي حملته وهو رضيعا بعد أن تخلت عنه عائلته الحقيقية بمستشفى بارني بحسين داي، هي التي قتلت ذبحا وهي على سجادة الصلاة، بطريقة فظيعة، على يد “وحش” طالما أحبته ورعته واعتبرته فردا من عائلتها بتسجيله في الدفتر العائلي باسم زوجها الذي جمعته بهشام علاقة أبوية اندثرت بوفاة الأب، إثر مرض عضال أدخل هشام في دوامة من الحزن والانهيار.
عاش هشام -مرتكب المجزرة التي اهتزّ على وقعها سكان القبة و ضواحيها- طفولة مليئة بالحب محاطا بأم مثقفة وأب كان رئيس مدير عام “سوناطرو” الذي شاء القدر أن يلقى ربّه السنة الماضية، كانت الأم مساعدة اجتماعية بمستشفى بارني، امرأة تسافر عدة مرات في السنة ومنحت لعائلتها حبها وحنانها، أنجبت نادية 20 سنة كانت تحضّر لخطوبتها مباشرة بعد شهر رمضان وأحمد 22 سنة وهما طالبان جامعيان.. لم يشعر يوما أنه طفل بالتبني، كل من عرف هشام يشهد له بحسن السلوك، شاب يحافظ على صلاته، يمارس الرياضة ولم يتعاط يوما المخدرات إلى أن وصل اليوم الذي قرر فيه الغدر بعائلته ليتحوّل في لحظة إلى سفّاح أعماه حقده، غيرته وحبّه للانتقام، لكن ممن و لماذا؟ ذاك هو السر الذي لازال يحتفظ به هشام لوحده ويرفض الكشف عنه.
يوم اثنين بعد صلاة الظهر، وباستعمال سكين…يذبح أخته، أخوه فأمه..
هو يوم اثنين، ثامن يوم من شهر رمضان، استيقظ هشام ولم يغادر المنزل، بقي يحوم إلى غاية الظهيرة، نادية وأحمد كانا معه تحت سقف واحد، دخل إلى غرفته ونادى على أخته، توجهت إلى الغرفة ولم تخرج منها إلا جثة منكلا بها، لقد قام “الوحش” بطعنها عدة مرات و هو يغرس سكينه فيها بوحشية، أصوات الألم والعذاب أيقظت أحمد الذي كان في غرفته، وصل إلى الغرفة، كل ما شاهده هو نادية ساقطة على الأرض تسبح في بركة من الدماء، حاول إسعافها لكن الوقت كان قد فات، ليدخل في اشتباكات بينه وبين الجاني أدت إلى جرح هذا الأخير على مستوى راحة يده، لكن وحشية القاتل تغلبت على أحمد بطعنات عميقة أودت بحياته.. طعنه لهما لم يشف غليله، بل توجه مرة أخرى نحو أخته وقام بذبحها ليعود إلى أحمد ويذبحه هو الآخر.
نظّف الدّماء التي كانت عليه وبقي في انتظار أمه، دخلت إلى المنزل، توضأت وتوجهت لأداء صلاة العصر، وقفت في الصلاة ولم تشعر أن ابنها كان يترصدها، فإذا بيد تمرر سكينا حول رقبتها بأبشع صورة فتسقط على الأرض مذبوحة على يد ابنها الذي كفلته وجعلته واحدا من عائلتها.
كان هادئا، لعب “الدومينو” وقضى الليلة بين الاموات.. توجه إلى بوسعادة وتخلّص من ملابس ضحاياه .. وبعد ذبحه أفراد عائلته نزل إلى الحي لملاقاة أصدقائه، كان هادئا، و لم تبدو علية ملامح القاتل بل كان يضحك وفي حالة جد عادية ، تبادل أطراف الحديث مع شلّة من الأصدقاء، ليعرض على واحد منهما مرافقته إلى بوسماعيل لزيارة خاله، أخد سيارة كفيلته باتجاه بوسماعيل ليعود إلى منزله قبل أذان المغرب، تبادل أطراف الحديث مع من كان في الحي وصعد إلى مسكنه للفطور، بعد الفطور التحق مرة أخرى برفقائه، حيث لعب معهم “الدومينو” إلى ساعة متأخرة من الليل، ليودع من كان معهم وتحجّج أن عائلته بانتظاره ليصعد ويقضي الليل بين ثلاث جثث تفنن في ذبحها دون أن يشعر بالخوف أو حتى النّدم.
في الغد اقترح على صديقه محمود، طالب جامعي ويبيع الخضر أمام المسجد، مرافقته إلى بوسعادة لأنه اشتاق إلى عائلة والده المتوفى دون أن يخطره بالجرم الذي اقترفه، قبل محمود بما عرض عليه وهو يجهل الهدف وراء الزيارة، استقلا سيارة “هونداي” ملك للضحية،، وفي الطريق كان الجاني في كل مرة يطلب من محمود التوقف لقضاء بعض الحاجات، وفي كل مرة تتوقف فيها السيارة يقوم برمي ملابسه الخاصة وحتى ملابس الضحايا الملطخة بالدماء، كما تخلّص من المجوهرات التي كان قد سرقها من عند أمه بالتبني، وصل إلى بوسعادة وبقي هناك 24 ساعة، والغاية من ذلك هو أنه فور عودته إلى العاصمة يتفاجأ بما حصل وكأن شخصا آخر اقتحم منزله واعتدى على عائلته وقام بذبحهم، لكن ذلك “السيناريو” لم يكون ناجعا بعد أن ألقت عناصر فرقة البحث والتدخل القبض عليه رفقة محمود، ساعة بعد اكتشاف الجثث. الاتصالات التي كان يجريها أقارب الضحية من باب الزوار و واتصالات خطيب نادية، أدت هي الأخرى إلى اكتشاف الجريمة يومين بعد وقوعها، حيث أن عائلة الضحايا انتقلت إلى القبة للاستفسار دون نتيجة، ما أدّى إلى كسر الباب بمعية الجيران، وكانت أول جثة تم العثور عليها هي جثة الأم في قاعة الصالون، فظاعة المنظر والرائحة المنبعثة أفزعت الحضور، فاتصلوا بمصالح الشرطة بالقبة إلى أن وصل أفراد فرقة البحث والتدخل المتخصصين في معالجة أعقد وأكبر القضايا كقضايا الإرهاب ليكتشفوا وجود جثتين بالغرفة. فور ذلك قامت ذات المصالح بالاتصال بالجاني، تحدثوا إليه على أساس أنه عضو من العائلة وضربوا له موعدا أمام مركز البريد ليتم إلقاء القبض عليه قبل دخوله إلى حسين داي قادما من بوسعادة رفقة صديقه محمود. نشاط فرقة البحث والتدخل لم يتوقف عند هذا الحد
وإنما امتد إلى غاية بوسعادة، أين تم العثور على المسروقات والأشياء التي قام برميها على الطريق ليتم التحقيق معه
وتقديمه رفقة صديقه أمام العدالة.
إيداع الجاني رهن الحبس والإفراج على صديقه
أودع قاضي تحقيق الغرفة الرابعة على مستوى محكمة حسين داي أمس قاتل كفيلته، أخته وأخيه رهن الحبس بعد أن وجهت له تهمة التعدي على الأصول وجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد ليتم اقتياده إلى سجن الحراش، فيما تم الإفراج عن المدعو محمود لاشتباه تورطه في قضية الحال.
التحقيق في القضية امتد يوما كاملا، استمع فيه قاضي التحقيق إلى عائلة المرحومة فتيحة، كما تم الاستماع إلى والدها الطاعن في السن والجارة التي جمعتها بالمتهم علاقة غرامية. تجدر الإشارة إلى أن نقل الجاني كان وسط رقابة مشددة من طرف فرقة البحث والتدخل التي في كل مرة تثبت احترافيتها وقدرتها في معالجة مثل هذه القضايا المعقدة.