عندما يموت الوازع الديني والأخلاقي يباع الجسد والشرف في أرخص الصفقات وأبخس الأثمان
سمية: كنت بائعة هوى من الطراز الأول، وفتحت صالون حلاقة لاستدراج البنات إلى عالم الدعارة
سلكن طريق الانحراف فأوصلهن لباب الضياع، بحثن عن المادة السهلة فاخترن أقدم مهنة في التاريخ.. ذبحوا عفة أجسادهن ولم يكن يبالين بمسؤولياتهن الأخلاقية، أو بنظرة الاحتقار التي كان يلاحقهن بها مجتمع محافظ، الكثير فيه مستعد للقتل من أجل الشرف، لكن فجأة استيقظ ضمير بعضهن بعد سنوات من حياة العربدة، فراحت كل واحدة منهن تبحث عمن يأخذ بيدهن، بينما لازالت البعض منهن تصر على مواصلة طريق الانحراف غير مباليات بالخطر الذي يترصدهن في كل منعرج، هذه هي مسيرة مختصرة لبعض الفتيات اللواتي قادتهن الظروف إلى دخول عالم الانحراف والرذيلة واحتراف قذاراته.
ترددت كثيرا قبل إنجاز هذا التحقيق، ذلك أنه لم يسبق لي أن شاهدت عاهرة أمامي من قبل، فكيف لي بالحديث معها، لكني في النهاية قررت الاقتراب من هذا العالم، فكانت البداية من ساحة أودان مع “سمية”، إحدى بائعات الهوى بالعاصمة.
كونت ثروتي من الحرام ..والآن أرغب في التوبة.. فمن يأخذ بيدي؟
سمية امرأة في 45 من عمرها ضيعت جل شبابها في الجري وراء المال، فغضت نظرها عن الوسائل التي أدت بها إلى الرذيلة، وها هي اليوم نادمة عن أفعالها، حرجة من مجتمعها، خائفة من خالقها، راجية أن تقبل توبتها.
في بداية لقائنا معها ظهر عليها الارتباك وهي تحدثنا عندما قالت “أنا امرأة كنت مهووسة بالمعصية، لم أكن أملك ذرة خير أو رحمة اتجاه جسدي والآخرين، فكل ما كان يهمني هو كسب الأموال بشتى الوسائل”. وواصلت بسرد تفاصيل أكثر “منذ أن كنت في بداية عمري وأنا منغمسة في الحرام، منشغلة في اقتراف المعاصي، لقد كنت بائعة هوى من الطراز الأول”، تقولها بنوع من الافتخار.. قبل أن تظهر ملامح الندم والانكسار على وجهها، لتقول “أصبحت سيدة أعمال ذات ثروة ضخمة في ظرف قياسي، هذه السلطة مكنتني من امتلاك العديد من الممتلكات، محلات، مطاعم، إلى جانب صالون للحلاقة”، وتضيف “إن كل هذه المحلات والإنجازات كانت مجرد تغطية للإثم ووسيلة لغسل أموالي المشبوهة”.
وفي غمرة الحديث اكتشفنا أنها لم تكتف بانحرافها فقط، بل ما زاد الطين بلة هو أنها لم تكتف بما صنعته في حق نفسها، بل تمادت إلى حد استغلالها لبعض الفتيات اللواتي يذهبن لصالون الحلاقة بغاية تسريح شعرهن، فغايتها الوحيدة من فتح هذا الصالون في ذلك الوقت هو الإيقاع بتلك الفتيات بتحوليهن نحو عالم الدعارة بعد إيهام الكثير منهن بالسعادة الأبدية عن طريق تعريفهن بشباب يستغلونهن ليكسروا بعد ذلك كرامتهن متحججين بالحب، ووعود الزواج الوهمية التي تجعلهن تتقربن إليهم غير واعيات بما يدور من حولهن، إلى أن يكتشفن ما يدور من حولهن ويجبرن على الدخول في الدعارة، خوفا من العودة للديار ومواجهة أهلهن ومجتمعهن، ومن هنا يصبحن من فتيات الليل.
وأكثر ما تتأسف له سمية هو أن أغلب ضحاياها متعلمات ومتربيات ناشئات في عائلات محترمة جعلت منهن بائعات هوى، وتضيف “وكأنني أردت أن أرى فيهم روحي الميتة وحياتي الضائعة”.
“قررت التوبة .. بعد وفاة صديقتي بداء “السيدا”
تركنا سمية تنتظر من يأخذ بيدها إن وجدته، قبل أن نلمح إحداهن جالسة بمفردها شاردة، غير واعية بما يحدث من حولها، مما جلب انتباهنا وجعلنا نقترب منها لربما نتمكن من استدراجها في الحديث ومعرفة قصتها.
اسمها “فاتي”، ربما تصغير أو تلطيف لفاطمة. هي من معسكر لم تمانع الحديث معنا لأنها كانت تبحث عمّن يستمع إليها كي تحكي له مأساتها التي صنعتها بيدها فتقول “كنت فتاة عادية تحصلت على شهادة البكالوريا بولاية معسكر ثم انتقلت بعد ذلك إلى العاصمة مع بداية الدراسة الجامعية وكانت نقطة التحول في حياتي، حيث كان الحي الجامعي المأوى الذي يجمعنا ونلجأ إليه للتدخين وشرب الخمر واللهو، وبعد انقضاء الموسم الدراسي لم نكن نفكر في العودة إلى ديارنا التي كانت تحد من حريتنا، لاسيما بعد أن تعودنا على الخروج والسهر والجنون و…. وهكذا وضعت أول خطوة نحو عالم الانحراف وأصبحت واحدة من فتيات الليل”.
وأضافت محدثتنا “لم يكن من الصعب علينا تأجير بيت في عطلة الصيف، هذه الفترة التي كنت أستغلها للخروج والسهر واللهو، ولأقوم بإلقاء خيوطي كالشباك لأنال من جيوب الرجال كاسبة أكبر قدر ممكن من الأموال التي صرت أعبدها أكثر من أي شيء آخر، وكلما زادت قيمة المال انخفضت قيمة كرامتي”. وتضيف “لا أخفي عنكم أني خرجت مع شتى الرجال وبكل أنواعهم، حتى أصبح جسدي بمثابة المادة الفارغة من الروح والإحساس”.
وأكدت أنها كانت تطبق كل الأعمال الشيطانية بلا تفكير ودون وعي منها، قاتلة ضميرها متجاهلة من حولها، إلى أن وصل بها الأمر إلى غاية إجهاض نفسها مرتين، غير مدركة أنها تقوم بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
تقول فاتي “أعلم أنني قمت بأكبر الخبائث وأبشع الجرائم في حقي وحق عائلتي ومجتمعي وفي حق نفسي التي ظلمتها وملأتها بالمعاصي..” وتزيد على كلامها والانهيار واليأس باد عليها “لقد أغوتني الدنيا بشهواتها وملذاتها، فصرت أفطر في عز رمضان متناسية عظمة هذا الشهر الفضيل بسبب الدوامة التي أدخلت نفسي فيها” ..
واصلت حياة المجون لكن في لحظة فقدت فيها صديقتها أو منافستها في مهنتها وغادرت الدنيا بعد صراع مع داء السيدا، الذي أصيبت به على إثر علاقات جنسية غير شرعية .. ولم تكد تفيق من الصدمة الأولى حتى باغتت الموت رفيقتها الثانية إثر حادث سيارة، عندما كانت رفقة ثلاثة شبان سكارى متجهين في طريق الانحراف ومعصية الله، وهو الحادث الذي توفيت على إثره والدة أحد الشباب، ومن شدة الصدمة فقدت زوجة أحدهم جنينها. هذه الفاجعة التي لم تفق “فاتي” منها بعد، كانت إشارة لها لتتوقف عن الحرام وتبتعد عن المعصية، إلا أنها في الوقت الراهن تعاني من صدمة نفسية بسبب ما تعرضت له رفيقاتها في المجال.
انتقمت من والدها فباعت جسدها
وعلى عكس من تحدثنا إليهما سابقا، بدت “بابي” مصرة على مواصلة طريق الخطيئة التي دخلتها من باب الانتقام من أقرب الناس إليها، لم يكن سوى والدها، هذا الأخير رفض زواجها من أحد الشباب الذي هامت في حبه فقررت الانتقام من والدها بعدما أصر على رفضه للشاب بسبب التفاوت الاجتماعي الذي بينها وبين حبيبها المزعوم.
دخلت “بابي” عالم الانحراف من بابه الواسع، فذاع صيتها من الجزائر العاصمة إلى تونس والأكثر من هذا وصل حتى إلى كندا. فبابي ينطبق عليها المثل القائل “رب عذر أقبح من ذنب”، حيث قالت إن دخولها عالم الدعارة لم يكن من أجل كسب المال، لاسيما أنها تنتمي إلى إحدى أغنى العائلات بقسنطينة، بل اتبعت هذا الطريق انتقاما من والدهان الرجل الثري والمعروف الذي رفض تزويجها من الشاب الذي أحبته وهو خريج جامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة.
كما أشارت خلال لقائنا بها بالعاصمة إلى أنها باقية على ما هي عليه انتقاما من والدها، وهي لا ترغب في التوبة أو محاولة التكفير عن المعاصي التي ارتكبتها، فالحقد والغل أعمياها، خصوصا بعد أن علمت بزواج حبيبها الذي احتقرها بعد ما أخطأت في حق نفسها.
وفاة الوالدة وهجر الأب يقود “مريم” إلى المجهول
“مريم”، فتاة عانت الكثير على إثر وفاة والدتها، إلا أن مأساتها لم تتوقف بعد ذلك، كيف لا وهي التي ابتليت بوالد عديم المسؤولية تخلى عنها بمجرد ارتباطه بأخرى، فكان أخوها ملجأها الأخير. تنقلت مريم إلى العيش عند شقيقها حسب ما باحت به لنا، ظنته في البداية أقوى سند لها في هذه الدنيا، لتكتشف مع مرور الأيام أن من خرجت معه من بطن واحد لم يكن سوى إنسانا مخادعا، وربما أكثر من ذلك، وكيف لا وهو الذي استغل ضعفها ليرغها على امتهان الرذيلة، بل كان نفسه من يشرف على جلب الزبائن إليها وفي حرمة بيته، ليتمكن من ابتياع المخدرات.
مريم التي التقيتها في إحدى صالونات الحلاقة الخاصة بالنساء، لم تر من الحياة ما يرضيها إلا أنها شربت من المرارة ما يكفيها. هذه الصبية التي لم يتجاوز سنها 23 سنة تعمل كمنظفة لكسب لقمة عيشها بالحلال، متجاهلة ما يقدم لها من مال بعد العلاقة الجنسية التي كانت مجبرة على القيام بها، وفي حال رفضها كان أخوها “عزيز” يضربها ويحرقها. كانت تسعى لتوفير اللوازم الدراسية بعيدا عن الأموال التي يقدمها لها زبائنها ورفاق أخيها الذين تعاشرهم رغما عنها، خاصة وأنها لم تدخل عالم الدعارة وبيع الجسد حبا في الاستطلاع أو اللذة أو رغبة في تغيير نمط حياتها بل عن طريق أخ أرغمها عليه لتوفر له المال لشراء المخدرات، حسب ما جاء في كلامها وهي تختصر خلفيات دخولها عالم الخطيئة..
بن براهم: المشرّع الجزائري لا يعاقب باعة الهوى في الجزائر
أكدت المحامية، فاطمة الزهراء بن براهم، أنه لا وجود لنص قانوني يعاقب على الدعارة لدى الكبار، النساء أو الرجال. وأضافت المحامية أن هذه الثغرة القانونية جعلت الظاهرة تتفاقم في المجتمع الجزائري، مشيرة إلى أن كثيرا من الفتيات أرغمن على ممارسة هذا العمل اللاأخلاقي لأسباب عدة، منها حالات اغتصاب داخل العائلة من قبل أحد المحارم فهربن من منزل العائلة ودخلن عالم الدعارة من بابه الواسع، مشيرة إلى ضغوط التهديد عن طريق الصور والفيديوهات كعامل هام يدفع الفتيات إلى عالم الدعارة، مركزة على أن باعة الهوى في ظل انعدام قانون يعاقبهم فهم ينتشرون كالسوسة في الأسنان تنتقل من واحد إلى أخرى دون رقابة.
وأشارت المحامية في حديثها إلى أن المشرع الجزائري يعاقب مستعملي القصر في الدعارة من عامين إلى 5 سنوات سجنا وتعتبر الجريمة جنحة. وعلى النقيض من ذلك، أكدت فاطمة الزهراء بن براهم أن الدعارة جريمة وليست جنحة وحسب، مطالبة بمعاقبة كل من ألقي عليه القبض متلبسا وحجز المكان الممارس فيه هذا العمل.
مفتاح شدادي إمام مسجد الكوثر بالبليدة:الانحلال الخلقي محرم بجميع المقاييس وباب التوبة النصوح مفتوح
أكد مفتاح شدادي، إمام مسجد الكوثر بالبليدة، أن جريمة الزنا والانحلال الخلقي بجميع أنواعها هي جريمة محرمة شرعا في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وفي حال ما إذا كان الزاني أو الزانية متزوجا فحكمه في الشريعة الإسلامية هو الجلد حتى الموت، وإذا كان غير متزوج فيجلد ثمانين جلدة.
وأضاف الإمام أنه لا يوجد سبب يجبر الشخص على ارتكاب هذا الفعل المخل بالحياء والأخلاق والصحة العمومية، ويفترض أن يلجأ للعدالة أو إلى جمعية “نساء في شدة” أو أي هيئة تعمل على مساعدة النساء اللواتي يوجدن في حالة خطر أو تهديد وضغط، أو تعرضن لتعدي أو قمن بجريمة الزنا ويبحثن عمّن يرأف بحالتهن ويأخذ بيدهن إلى جادة الصواب.
أما فيما يخص بيوت الدعارة يقول الإمام شدادي إنها ظاهرة تشجع على الفسق، خصوصا أن الله ورسوله أمرا بالستر ولو كان ذلك محرما شرعا. كما أشار نفس المتحدث إلى أن باب التوبة مفتوح أمام الزاني والزانية في حال ما أرادا التوبة النصوح واتباعا الطريق المستقيم.
الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان :95 بالمائة ممن لجأن إلى الدعارة لأسباب اقتصادية
أكدت دراسة للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان أن 95 بالمائة من النساء اللواتي لجأن إلى ممارسة الدعارة لم يكن بحثا عن المتعة أو مطاردة الرجال، وإنما بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية للأسر، وخاصة بعد غلق المؤسسات الاقتصادية، بحثا عن المال والاسترزاق، مشيرا إلى أن أغلب الضحايا عبرن عن ندمهن لدخول عالم الرذيلة.
واعتبرت الرابطة، في بيان لها أعقب الجدال المثار حول تقنين بيوت الدعارة، أن الدعارة إهانة ومساس بكرامة المرأة والإنسان عموما، لذلك فإن كل دعوة من هذا القبيل تتهمها بالعمل لمصلحة جهات تتاجر بالرق، وأحالت الرأي العام والجهات الوصية على إجماع المجتمع الدولي على محاربة الظاهرة انطلاقا من هذه القناعة العامة، وأن الجزائر وقّعت على عدة اتفاقيات تصب في هذا السياق، حيث تدعو المادة السادسة من الاتفاقية كل الدول إلى مكافحة استغلال المرأة، وهو ما أقرّه الدستور الجزائري أيضا.
ولم تقف الرابطة عند هذا الحد، بل طالبت السلطات العمومية بالاهتمام بالظاهرة والسعي إلى توفير محيط مهني كريم وشريف لمن لجأن إلى بيوت الدعارة اضطرارا لكسب القوت.
معهد عباسة لسبر الآراء :ظاهرة الدعارة “خطيرة جدا” وغلق بيوتها ليس حلا
وصفت دراسة أنجزها مؤخرا “معهد عباسة لسبر الآراء” انتشار ظاهرة الدعارة بـ “الخطيرة جدا”، بعدما وقفت على أرقام مذهلة ومخيفة، استقتها من أوساط متنوعة وعلى رأسها مواقع العمل، الجامعات والفنادق.
وتوصلت الدراسة، التي ستتبعها أخرى حول اختطاف الأطفال واغتصابهم، إلى أن الدعارة عرفت توسعا خطيرا منذ قرابة الخمس سنوات، وأوعزت سببها الرئيسي إلى المعالجة غير الموضوعية المعتمدة من قبل الجهات الوصية، والتي تعتمد على الملاحقة والقمع، وخاصة من خلال غلق الملاهي والحانات المشبوهة، وبيوت الدعارة، محذرة من أن مثل هذه التدابير ستؤدي إلى نتائج عكسية.