عندما تصبح الفضيلة والأخلاق عُملتين قديمتين غير متداولتين!
تحية طيّبة وبعد..
يا حسرتاه، اليوم صارت الأخلاق عُملة قديمة غير متداولة، يرى فيها الكثيرون عائقا لتقدمهم وعقبة في وجه تطورهم.
إنها في نظرهم قيود تُكبّل أيديهم وأغلال تحيط بأعناقهم، فتطوّق حريتهم وتمنع أجنحتهم، وهم يريدون التحليق بعيدا في أجواء ما يسمونه «تطورا وتقدما بلا قيد أو شرط»، فالحجاب في نظر الكثيرات لباس يُقيّد حرية المرأة، ويعيق مواكبتها للعصر من حيث عرضها لمفاتن جسدها بأبخس الأثمان، رغم أنه هالة من نور يمنحها إشراقة ربانية ويجعلها لؤلؤة مكنونة، يرتدُ عنها كل بصر حسير، كما نرى في الحياء مرضا يدفعها إلى التقوقع والانطواء عن العالم الذي يجمع بين جنباته كل أنواع الفساد، الذي يمنعها عنه ولا يصونها إلا هذا الأخير، فهو شعبة من شعب الإيمان بل هو ذروته ومنتهاه.
إننا في عصر طغت عليه المادة وانسلخ فيه الناس عن أخلاقهم، وعن كل ما من شأنه أن يرفع مقامهم ويعلي شأنهم.
إن العصر يتطلب منهم ذلك، فالمصالح وحب الدنيا والجني السريع للمال واللهث وراء الثروة والألقاب، يدعو إلى التخلي عن الإخلاص وعن النزاهة وعن الشرف وعن الأمانة، ألا تشاطرونني الرأي؟
لأنه قديما كان الواحد يتنصل من المسؤولية، لأنه يراها تكليفا يسأل عنها يوم القيامة، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين، كان يخاف من عبء هذه المسؤولية، حتى أنه قال:«لو عثرت دابة في العراق أخاف أن يسألني الله عنها»، أما اليوم، فقد صارت تشريفا يطلبه الجميع وكعبة يحجون إليها، بل إنهم يتناحرون فيما بينهم بغية الظفر بوصالها، إن الحديث في هذا الموضوع له شجون، وكلما غرسنا من هذا النبع وجدنا أنه لا يزال غويطا، فإن كنا نرجو إعادة بعث ميراث النبي والهدف الذي جاءت به رسالته، فليس لنا إلا خيار واحد، وهو العودة إلى تعاليم ديننا، إلى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، وأول مسؤول أحمّله عبء هذه المسؤولية هم الأولياء، الذين يجب عليهم أن يرضعوا أولادهم مع اللبن السائغ حب الأخلاق، وكذا غرس الصفات النبيلة في نفوسهم قبل فوات الأوان، وعليهم أن يدركوا أن الأخلاق مطية، من ركبها عزّ ومن نزل عن صهوتها ذلّ.