إعــــلانات

عائلة الحراق الصغير “نوح” تفتح قلبها لـ”النهار”

عائلة الحراق الصغير “نوح” تفتح قلبها لـ”النهار”

اسمه نوح تبركا بنبي الله نوح عليه السلام وتشاء الصدف واسم نوح ملتصق مع قصة الطوفان أن يموت نوح الصغير غرقا في البحر عندما حاول أن يحرق البحر الى الجنة الموعودة.

استقبلتنا و الدموع في عينينها وعندما تبكي الأمهات على فلذات كبدها تهتز الأرض والجنات التي تحت أقدامهن وقالت وهي تحضننا عوضا عن ابنها الذي ذهب ولم يعد “لن أسامحهم إلى يوم القيامة لأنهم اخذوا ابني مني و حرقوا كبدي “..بهاته الكلمات الممزوجة بالدموع والتي تعبر عن حرقة قاتلة لام فقدت ابنها في عمر الزهور، استهلت السيدة “مادي ز” حديثها رغم الألم الشديد الذي تعاني منه منذ أن فقدت ابنها “نوح” 15 سنة في عرض البحر وهو يحاول الهجرة إلى اسبانيا انطلاقا من ولاية مستغانم،  لتكون آخر محطة في حياة الصغير المفقود إلى يومنا هذا.
بعيون دامعة و وجوه أنهكها السهر استقبلتنا عائلة “مواز” بمنزلها المتواضع بالحراش علها تجد لدينا خبرا يطمئنها ليس عن عودة ابنها إلى الحياة و إنما العثور فقط على جثة الصغير “نوح” الذي فقد منذ يوم الجمعة ما قبل الأخيرة، عندما قصد ولاية مستغانم رفقة اثنين من أبناء حيه بالحراش وهما المدعوان “بوطي يوسف” و” بلومي” حسب ما أكدته الوالدة التي تقاطعها في كل لحظة تنطق فيها اسم ابنها دموع الحرقة من فراق فلذة كبدها،  بهدف الذهاب إلى اسبانيا في قارب يظم 12 حراقا أربعة منهم من الحراش و الآخرون من مستغانم إلا أن القدر جاء عكس ما خطط له الجميع، جراء سوء الأحوال الجوية حيث انقلب القارب حسب  شهادة  احد الناجين و هو “يوسف.ب” لتتوقف الرحلة هناك و هم لا يبعدون سوى بكلمترات فقط على السواحل الاسبانية.    

“نوح” أخفى عن عائلته مخططه لمغادرة الوطن
عائلة “مواز” و بشهادة الأم “زهور” كانت تجهل ما يخطط له الابن “نوح” رفقة أصدقائه الذين أخضعوه حسبها إلى غسيل مخ لأخذه معهم خاصة و أن سنه صغير عن مثل هذه الأفكار، ففي اليوم الذي غادر فيه الصغير المنزل اخبر أمه انه ذاهب لشراء بعض السلع من مستغانم  باعتباره يبيع ألبسة خاصة بالأطفال في سوق بومعطي القريب من منزله منذ سنتين و مباشرة بعد تركه لمقاعد الدراسة في السنة السابعة،  و بما أن الصغير يضيف والده السيد” مواز.العربي” متعود على السفر إلى عين لحجل بولاية المسيلة لاقتناء السلع صدق كلام ابنه و سمح له بالسفر شرط أن لا يزيد غيابه عن يوم واحد، و هو ما أكده له الصغير، كما أكد لنا خال “نوح” انه زاره  ليلة مغادرته ليودعه  لكن لم يخبره بالحقيقة،  و يومين قبل الرحيل بدا الطفل المفقود فرحا و مسرورا و يطلب في لحظة من أمه أن تسامحه و تعينه بدعواتها إلى درجة أن الأم انتابها شعور بأنها لن ترى ابنها و فلذة كبدها مجددا خاصة و انه اكبر إخوته و حنون جدا على العائلة كلها فدفعها هذا الإحساس إلى أن تطلب منه صرف النظر عن الموضوع إلا أن إلحاح “نوح” حال دون ذلك،  ليسافر يوم الخميس 29 نوفمبر الماضي رفقة ثلاث أشخاص من بلدية الحراش.

..و يبوح لهم بالسر في آخر اتصال هاتفي
يوم خروجه من المنزل  زوال يوم الخميس اتصل الابن بأمه على الساعة الثالثة و النصف و اخبرها انه غادر محطة الخروبة لنقل المسافرين في حافلة باتجاه مستغانم، ليعيد للاتصال بها على الساعة الحادية عشر ليلا و هو موعد وصوله إلى الولاية، و في اليوم الموالي تضيف الأم و الأسى يطبع وجهها و نبرة كلامها تخف اتصل بها على الساعة التاسعة صباحا ليخبرها انه استحم  و قام بقص شعره و ارتدى أجمل ثيابه و طلب منها ضرورة أن يحدث أخته الصغرى التي يحبها كثيرا باعتبارها الوحيدة بين ثلاثة أشقاء فأخذت البنت تكرر قبلاتها لأخيها عن طريق الهاتف تحت طلبه كما ابلغ أمه انه باع هاتفه النقال و لا يمكنها الاتصال به إلا عن طريق الرقم الجديد الذي وضع تحت تصرف كل الحراقين، و في هذه الأثناء نزل الخبر كالصاعقة على العائلة كلها عندما باح لهم الابن “نوح” بسر مغادرته للوطن من خلال سفينة جزائرية خاصة بحمل السلع نحو اسبانيا  دون أن يعلم أن الجماعة اخفت عنه أن الرحلة ستكون في قارب حسب شهادة الوالد، و في هذه الأثناء طلب “نوح” من أمه التي لم تتمالك نفسها من شدة التأثر و بدأت بالبكاء أن تدعوا له بالتوفيق وان تسامحه و ترضى عليه واعدا إياها بالعودة في اقرب فرصة دون أن يعلم الصغير أن آخر محطة في حياته ستكون مصارعته لأمواج البحر.
 
” يوسف” و “بلومي” دفعا مبلغ 6 ملايين سنتيم نيابة عن “نوح”
 لم يكن يحمل “نوح” في جيبه سوى 3000 دج طلبها من أمه كثمن لشراء الملابس خاصة وان المفقود كان نهاية كل يوم يضع أمواله في يد والدته  لتتصرف فيها لان الوالد عاطل عن العمل منذ عام لأسباب صحية حسب ما أكدته هذه الأخيرة ، و أمام هذا الوضع تساءلت العائلة عن مصدر حصول ابنها  على المال لدفع المبلغ المطلوب من طرف “المستغانمي” المدبر للرحلة،  ليتبين في الأخير أن كل من ” يوسف.ب” و “بلومي” دفعا مبلغ 6 ملايين سنتيم نيابة عن “نوح” حسب ما أكده الناجي الوحيد من الرحلة، فلم يكن احد يعلم أنهم اشتروا موتهم بذلك الثمن الرخيص، الذي جعلهم يصارعون الأمواج في عرض البحر في انتظار مغيث إلا أن ذلك لم يتحقق لهم،  إلا لمن كتب لهم الله عمرا جديدا و هما اثنين فقط واحد من الحراش و الآخر من مستغانم، يأتي هذا في الوقت الذي صرحت فيه الأم أن ابنها “نوح” المعروف بجنانه الزائد على إخوته كان قد وعدها انه سيتكفل بشراء كبش العيد ليفرح العائلة، إلا أن الأقدار شاءت أن تمضي أسرته عيد الأضحى هذه السنة دون مدللها الصغير “نوح”.    
و عن آخر ما وصل العائلة التي وزعت صور ابنها على كافة الموانئ و عائلات المفقودين من مستغانم  من أخبار هو عثور الأمن على جثة متعفنة بشاطئ عين تيموشنت و حسب مواصفات الملابس التي وجدت على الجثة و المتمثلة في قميص احمر و سروال قصير ازرق أكدت الأم في هذا السياق أن ابنها له ملابس من هذه الألوان و تتمنى أن يكون هو على الأقل -تضيف- تواسي نفسها بدفن جثة ابنها كسائر البشر و بزيارة قبره كلما سمحت لها الفرصة.

رابط دائم : https://nhar.tv/9jA6v