إعــــلانات

ظاهرة الإجهاض ورمي الأجنة والمواليد الجدد في القمامات والشوارع في توسع خطير:نساء تسعين لتجنب الفضيحة وآخرون يوسّعون دائرة الثراء بتعميم الإجهاض وأكثر من 30 جثة رضيع منذ مطلع 2008 بوهران .. والإسقاط قد يصل إلى 50 ألف دينار

بقلم ش . ت
ظاهرة الإجهاض ورمي الأجنة والمواليد الجدد في القمامات والشوارع في توسع خطير:نساء تسعين لتجنب الفضيحة وآخرون يوسّعون دائرة الثراء بتعميم الإجهاض وأكثر من 30 جثة رضيع منذ مطلع 2008 بوهران .. والإسقاط قد يصل إلى 50 ألف دينار

يبقى الإجهاض سرّا من الطابوهات والجرائم المسكوت عنها بالجزائر في ظل عدم تمكن الباحثين الاجتماعيين والصحافيين من الحصول على أرقام حول عدد حالات الإجهاض المسجلة سنويا عند الاستفسار عن هذه الظاهرة التي استفحلت في مجتمعنا، خصوصا في الآونة الأخيرة حيث كثرت حالات العثور على رضع حديثي الولادة المتخلى عنهم، بالإضافة إلى عشرات الأجنة عثر عليهم بمفرغات للقمامات وفي الأماكن المخصصة لوضع القاذورات، وحتى في الشوارع وعند مداخل العمارات والمساجد، فقد تم منذ مدخل العام الجاري إحصاء أكثر من 30 حالة عثور على رضع حديثي الولادة بوهران، آخرها تلك التي تم اكتشافها خلال أسبوعين، إذ تم العثور على 3 رضع حديثي الولادة، الأول بحي إيسطو، والذي كان مصابا بجروح على مستوى ذراعه الأيمن بعد أنه نهشته الجرذان، إلى جانب آخر عثر عليه بمنطقة ڤديل مرميا بالقرب من ضريح سيدي بوزناد بأرزيو، ورضيع حديث الولادة من جنس ذكر وجد بنفس المنطقة بالقرب من مستشفى المحقن، إلى جانب ما مجموعه 54 طفلا تم التكفل بهم بوضعهم بدار الطفولة المسعفة.

قابلات وأطباء غير مؤهلين وراء معظم عمليات الإجهاض السرية
هذه الحقائق تؤكد بلا أدنى شك أن الإجهاض السري يمارس على نطاق واسع من قبل قابلات وأطباء غير مؤهلين، وفي الكثير من الأحيان حتى في عيادات خاصة مقابل مبالغ خيالية تراوحت بين 20 و50 ألف دينار للعملية يفرض على المرأة المعنية دفعها تجنبا للفضيحة، إلى جانب تلك الحالات التي تتم في البيوت والتي تشكل خطرا حقيقيا على صحة المعنية بعد تناولها لكميات من أدوية تعجل عملية الإنزال، والتي تؤدي في غالب الأحيان إلى تعريضهن للموت.
ومن بين العوامل التي تدفع بالأمهات العازبات إلى الإجهاض يمكن أن نذكر نظرة الأسرة والمجتمع المستهجنة لمثل هذا الفعل، بالإضافة إلى عامل الفقر الذي يعتبر من العوامل الهامة.
ويمكن إدراج الأسباب المؤدية لذلك، إذا ما أقصينا الإجهاض الحتمي، فإن باقي الحالات يمكن حصرها في محاولة ردم عار نجم عن علاقة هشة من منطلق زواج عرفي، اغتصاب، وغيرها من الحالات، ناهيك عن أن هذه العملية تترتب عنها مخاطر، فكم من امرأة قامت بهذه العملية فكان مصيرها الموت.

طالبة بمعهد التكوين المهني أجهضت بعد علاقة غير شرعية مع أحد جيرانها
“النهار” قامت بالتقرب من بعض العينات، نساء فتحن قلبهن لنا لتبحن بأسرار ظلت تؤرقهن لسنوات.
ش.هوارية، ابنة 19 ربيعا، طالبة في معهد التكوين المهني، تعلقت بابن الجيران الذي أوهمها بالحب والزواج ولسذاجتها انجرفت وراء أوهام دفعت ثمنها غاليا، فحصل ما لا يمكن تصليحه، واعترفت لنا قائلة “بعد مرور مدة وجيزة عن الحادثة تدهورت أوضاعي الصحية الشيء الذي دفعني لزيارة الطبيب ليخبرني بأنني حامل منذ 10 أسابيع (شهرين ونصف)” وأضافت “اسودت الدنيا في وجهي ولم أعرف ما أفعل، فغادرت البيت ولجأت لأختي القاطنة بالمدينة واعترفت لها بسري”، فقاطعناها بسؤالنا “كيف كان ردة فعلها؟”، فقالت “صدمت بالخبر لكنها أشفقت على حالي، فقررت مساعدتي، وما كان الحل ّسوى إنزال الطفل، خاصة بعد تخلي ابن الجيران عني بعدما أعلمته أختي بوضعي”، وردت على سؤال آخر حول مكان العملية قائلة “دلنا بعض المقربين على قابلة معروفة بنشاطاتها اللاقانونية، اتفقنا معها على الموعد وعلى الثمن المقدر بـ 40 ألف دينار”، وأضافت “كنت جد خائفة من العملية، لقد قدمت لي دواء على شكل قرص أزرق اللون وأعلمتني بحدوث نزيف وآلام حادة ستفضي بعد ساعات إلى التخلص من الجنين، لنختم فضولنا بالاستفسار عن ندمها على إجرائها العملية، ترددت المعنية بالأمر، ثم قالت “لا، أنا نادمة على العلاقة التي جمعتني بابن الجيران فهو مصدر تعاستي، أما عن العملية فقد كان لابد لي من إجرائها لتفادي الفضيحة ولإنقاذ شرف عائلتي ومستقبلي”.

“بدرة” تتعرض للاعتداء الجنسي من طرف طبيب نساء أثناء عملية إجهاضها
بدرة، حالة ثانية تمكنا من التقرب إليها، امرأة في الثلاثينيات من العمر، متزوجة وأم لطفلة من ولاية وهران، وافقت على سرد قصتها الأليمة فراحت تروي “تعرفنا على بعضنا في الجامعة أحببنا بعضنا واتفقنا على الزواج ولقد تم ذلك بحضور الأهل والأقارب، لكن الزواج الرسمي تأجل إلى غاية ترتيب أمورنا، حملت منه وكان علينا التعجيل بالعرس، هذا ما كان من سابع المستحيلات، ولتعصب عائلتينا ولعادات مجتمعنا الصارمة لم نجد أمامنا حلا سوى الإجهاض”، سألناها “أين قمت بالعملية؟”، فأجابت “أخذني زوجي إلى طبيب نساء وتوليد يمتهن الإجهاض، وهو طبيب معروف بدائرة عين الترك، اتفقنا على الموعد وعلى الثمن المتفق عليه”، وهنا قاطعنا حديثها بالاستفسار عن المبلغ المحدد فأجابت “55.000 دج”، لتضيف “رفض دخول زوجي لقاعة العمليات، فاغتنم هذا الحقير فرصة ضعفي جراء المخدر وقام بالاعتداء علي”، وراحت تبكي مضيفة “لم أتمكن من الصراخ لطلب النجدة وبعد إتمامه للعملية طلب من زوجي الدخول لأخذي”
فسألناها “ما كان رد فعل زوجك جراء ذلك؟”، أجابت “خفت إخباره بما جرى خشية أن يقتله أو أن يطلقني فبقي الأمر سرا يؤرقني ويعذبني طوال حياتي، هذه الحادثة لن أنساها ما حييت”.

طلّقها لعدم قدرتها على الحمل نتيجة عمليات الإجهاض المتعددة التي أجريت لها بطلب من زوجها

وقادنا هذا التقصي للوصول إلى امرأة في الأربعينيات من العمر، “ك. فريدة”، إطار سامي بإحدى المؤسسات، وهي إحدى اللواتي عشن تجربة الإجهاض وبألم الندم تروي السيدة فريدة قصتها المريرة.
“تزوجت منذ 15 سنة من رجل متفتح يحب الحياة ويرفض المسؤولية، وهذا ما دفعه إلى تأجيل أمر الإنجاب، لكنني حملت منه فخيرني بين الإجهاض أو الطلاق، ولشدة تعلقي به وخوفي من لقب المطلقة وافقت على إجراء العملية، ليتكرر ذلك مرة واثنان
وثلاثة، ومع مرور السنين بدأ جو الملل والفراغ يخيم على حياتنا فقررنا إنجاب طفل يكون لنا سندا في الحياة”.
عند استفهامنا عن سبب استحالة حصول ذلك، ذرفت الدموع قبل أن تجيب “لما زرنا الطبيب للاستفسار عن سبب التأخير في الإنجاب، أكد لنا هذا الأخير بعد المعاينة استحالة حملي وهذا بسبب العمليات التي قمت بها من قبل، نزل الخبر علي كالصاعقة، وما زادني هما وحزنا هو تخلي زوجي عني وتخييري بين الزواج بامرأة ثانية لتنجب له البنين أو الطلاق، لكني ولعزة نفسي رفضت الوضع وطلبت الطلاق”، وقد ختمنا حوارنا معها بآخر سؤال “لو عاد الزمن بك إلى الوراء هل كنت ستختارين الإجهاض أو الاستمرار في حياتك الزوجية؟”، أجابت بكل ثقة “أنا الآن أعيش حالة ندم، فلقد ضيعت فرصتي في أن أكون أما، أعيش حالة مادية جيدة لكن.. آه لو يعود الزمن إلى الوراء لأصحح كل أخطائي”.

فراغ قانوني كبير فيما يتعلق بتقنية الحمض النووي لإثبات الأبوة
وفيما يشدد رجال القانون على الفراغ الكبير فيما يتعلق بتقنية الحمض النووي الذي يثبت أبوة الطفل، فإنهم يؤكدون فيما يتعلق بارتكاب جنحة الإجهاض على اعتباره جنحة تتمثل في وضع حد لحالة امرأة حامل، أو يفترض حملها، وذلك بإعطائها مشروبات أو أدوية أو بواسطة العنف، أو بأية وسيلة أخرى سواء بموافقتها أولا تعاقب المادة 304 من قانون العقوبات كل من ارتكب جناية أو جنحة ضد الأسرة أو الآداب العامة بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وغرامة مالية من 5 إلى 10 آلاف دينار وفي حالة الوفاة خلال إجراء عملية الإجهاض يعاقب ذات القانون كل من يشارك في العملية بـ 10 إلى 20 سنة سجنا نافذا مع غرامة مالية.
كما يسلط القانون الجزائري عقوبة تتراوح بين 20 سنة والإعدام على كل من يقوم بإجهاض امرأة حامل عن قصد، في إشارة إلى الأطباء، القابلات، أطباء أسنان، طلبة الطب، صيادلة وعمال الصيدليات، باعة الأعشاب، تجار العتاد الطبي والممرضين.
وقد أفادت تحقيقات لمصالح الدرك الوطني، أنه تم تسجيل 80 ألف حالة إجهاض سنويا في الجزائر مقابل 77500 ولادة، منها 7 آلاف ولادة خارج نطاق العلاقة الزوجية الشرعية، وفي 100 حالة ولادة سجل 10.5% حالة إجهاض، 11.3% منها في الوسط الحضري، و9.9% في الوسط الريفي، وأشار نفس المصدر إلى أنه تم تسجيل 78 حالة وفاة العام الفارط خلال 8 أشهر فقط.
هذا وفي نفس السياق، يرجع مختصون هذا الارتفاع الهائل لحالات الإجهاض في الخمس السنوات الأخيرة إلى الاعتداءات الجنسية والاغتصاب، بمعدل حالتي اغتصاب كل 36 ساعة واعتداءين جنسيين في اليوم الواحد، إلى جانب انتشار ظاهرة الزنا.
وأمام كل هذه الإحصاءات يجب ملاحظة أن هذه الأرقام ناجمة عن شكاوى تم الإبلاغ عنها لدى المصالح المعنية. في حين يبقي العدد الحقيقي مجهولا، كون هناك اعتداءات يتم التكتم عليها خوفا من الفضيحة أو تحت طائلة التهديد، لتلجأ الضحية إلى كتمان العار قصد صيانة الشرف الضائع واسم العائلة، وذلك باللجوء إلى إسقاط الجنين سواء بطرق تقليدية أو إجراء عمليات في عيادات مختصة.
وكمحاولة للتقليل من هذه الظاهرة وتحسيس المهتمين بمخاطرها، تم إجراء ملتقيات تحت رعاية الجمعية الجزائرية للتنظيم الأسري، حيث ألقيت محاضرات على مستوى جامعتي وهران ومكتبة العلوم الإنسانية والقانونية كريديش، بغية التحسيس بخطورة عمليات الإجهاض والمضي قدما نحو المساهمة ولو بالقليل للتقليل من هذا الشبح المهدد للوسط الاجتماعي في بلد أقل ما يقال عنه إنه يتغني بالإسلام والتماسك الأسري.

رابط دائم : https://nhar.tv/J8wJo